أكد المشاركون في الملتقى الروحي الدولي الأول لمولاي علي الشريف دفين مراكش، الذي اختتمت أشغاله، أمس الأحد بمراكش، على أهمية التصوف والطرق الصوفية في مد جسور التواصل الحضاري وترسيخ أسس الأمن الروحي والمؤاخاة الدينية القائمة على المحبة والتعاون على البر والتقوى. وثمن عدد من العلماء والشيوخ الأفارقة ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية، في مداخلاتهم عن الأهمية التي يكتسيها موضوع الملتقى، والذي أتاح الفرصة للمشاركين لتقاسم المعرفة، وإبراز دور المملكة المغربية في ترسيخ القيم الروحية والدينية، المبنية على مبادئ التسامح والاعتدال، في البلدان الإفريقية. وأجمع المشاركون في هذا الملتقى، المنظم بمبادرة من مؤسسة مولاي علي الشريف المراكشي - باب هيلانة، أن المغرب كان دائما بوابة ثقافية واقتصادية ومنارة للإشعاع الروحي والديني للمغاربة والأفارقة في العديد من البلدان الإفريقية، بفضل الامتداد الصوفي المغربي بهذه البلدان من خلال الزوايا الصوفية المغربية التي تشكل مراكز قوة سياسية ودينية واجتماعية مهمة في العديد من المجتمعات الإفريقية. وشدد المشاركون في هذا الملتقى المنظم بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وجامعة القاضي عياض، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، والمديرية الجهوية الثقافة لمراكش–آسفي، أن المعرب لعب دور المنارة المشعة والسراج الهادي وصمام الأمان والأمن الروحي للمغاربة والأفارقة في بلدان إفريقية كثيرة، من خلال الحضور البارز للثقافة المغربية وتأثيراتها في الثقافات الإفريقية. وتوقف المشاركون عند الروابط الروحية والوشائج الأخوية بين المملكة المغربية ودولة السنغال، ودور الطرق الصوفية في المغرب الإسلامي في ترسيخ قيم السماحة والاعتدال، والإشعاع العالمي الذي حظيت بها الطريقة التيجانية، ودور التصوف في تفعيل الدبلوماسية الروحية بين المغرب وإفريقيا، ودور المحبة النبوية في مجال صياغة وبناء الدبلوماسية الروحية بين المغرب ودول العمق الإفريقي. وأكد محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، في كلمة ألقاها بالمناسبة، أن هذا الملتقى يشكل موعدا ثقافيا وازنا ينضاف إلى شبكة التظاهرات الثقافية والتراثية الكبرى التي دأبت الوزارة على تنظيمها تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بمختلف أرجاء المملكة، تفعيلا لسياسة القرب الثقافي، وسعيا إلى النهوض بمقومات الثقافة والهوية المغربيتين، وتعريف الأجيال الصاعدة بتاريخ وحضارة بلادهم من أجل تملكها واستلهام العبر منها. من جانبه، أوضح مولاي سلامة العلوي، رئيس مؤسسة مولاي علي الشريف المراكشي باب هيلانة، أن المغرب بلد متمسك، بهويته الإفريقية كعنصر جوهري من عناصر هويته المتعددة بتعدد روافده، وبلد تعايش الأديان السماوية، وهي كلها عوامل وقيم تعطي دفعة لسياسته الإفريقية التنموية والمتجددة. وأشار إلى أن المغرب له تجربته ورصيده الروحي والديني والمشهود له بقيادته إقليميا وعالميا، خصوصا في ما يتعلق بمحاربة التطرف. وعلى هامش الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى، جرى التوقيع على اتفاقية إطار للشراكة بين مؤسسة مولاي علي الشريف، والاتحاد العربي الإفريقي للثقافة والتنمية بالسنغال، من أجل فتح أفاق واسعة لإرساء تعاون متين تتحقق عبره الأهداف المشتركة. وبمقتضى هذه الاتفاقية التي وقعها كل من مولاي سلامة العلوي، رئيس مؤسسة مولاي على الشريف، والشيخ الهادي النعمة عبد الله رئيس الاتحاد العربي الإفريقي للثقافة والتنمية، سيعمل الطرفان على التنظيم المشترك للقاءات والتظاهرات الدولية وتأطير الشباب الإفريقي وتحسيسهم وتوعيتهم بكل أشكال مخاطر التطرف والإرهاب. ويأتي هذا الملتقى تتويجا لسلسلة من الأنشطة الثقافية التي دأبت مؤسسة مولاي علي الشريف دفين مراكش على تنظيمها، تكريسا للقيم العلمية والروحية والحضارية الأصيلة التي أسس لها مولاي علي الشريف، وإبرازا للتعاون الوثيق القائم بين المملكة وباقي الدول الإفريقية، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية. وتناول المشاركون في هذا الملتقى، الذي نظم على مدى يومين، موضوع «أصول المدد الروحي والامتداد الصوفي المغربي في العمق الإفريقي انطلاقا من بيت النبوة»، «رعاية الدولة العلوية الشريفة للزوايا والطرق الصوفية». ويهدف الملتقى إلى إبراز الأدوار الريادية للمملكة المغربية الشريفة في العمق الإفريقي، الروحية والدينية والثقافية، إلى جانب الأدوار الاقتصادية والسياسية، وبيان قيمة ودور النسب الشريف والانتساب لبيت النبوة في ترسيخ المحبة والصلاح وضمان الأمن الروحي في بلاد إفريقيا، والتعرف على الجذور التاريخية لهذه الريادة المتميزة للمملكة المغربية، والكشف عن ظهائر التوقير السلطانية على الزوايا والطرق الصوفية في عهد الملوك العلويين. كما يروم الملتقى إبراز دور الملوك العلويين في بناء وترميم أضرحة شيوخ الصلاح والعارفين، وإبراز دور صالحات مراكش في نشر العلم والصلاح، ودور التصوف في تهذيب السلوك وبناء الإنسان ونماء العمران وتحقيق الأمن الروحي للأوطان، وتنمية وتعزيز العلاقات الدينية والثقافية بين المملكة المغربية الشريفة وبلدان إفريقيا بما فيه خدمة للشعوب، وإبراز قيمة ودور الإمامة العظمى في المملكة المغربية الشريفة في رعاية وتوطيد هذه العلاقات المغربية الإفريقية، وإظهار أدوار الطرق الصوفية في بناء وصيانة هذه العلاقات، وجرد مظاهر الاهتمام والرعاية للامتداد الديني وللطرق الصوفية من طرف المملكة. وتمحورت أشغال هذا الملتقى حول مجموعة من المواضيع البالغة الأهمية همت على الخصوص «النسب الشريف وبيت النبي الكريم أصل العرفان والمحبة والصلاح وأثر ذلك في الوحدة الروحية والثقافية والسياسية»، و»دور السلوك ومحبة الرسول في رعاية أمن الأوطان ونماء الإنسان في بلاد إفريقيا»، و»الدور العرفاني الصوفي في ترسيخ العلاقات بين المملكة المغربية الشريفة وبلاد إفريقيا والعالم»، و»المملكة المغربية الشريفة وأدوارها الريادية في رعاية الطرق الصوفية ببلاد إفريقيا».