سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قراءة اسم المغرب ورؤية علمه في شارع آسيا إفريقيا بإندونيسيا فوق كل وصف سحر قمة باندونغ يسيطر على أجواء زيارة متحفها وأول مغاربة يطأون أرض مدينة بليتونغ
من لقاء محافظ جاوا حيث توجد باندونغ إلى استقبال خاص في مطار بليتونغ من قبل العمدة
كل ما شاهدناه، والحافلة تعبر بنا الشوارع، الازدحام الشديد وكثرة الدراجات، رغم التعب واستعجال الوصول إلى الفندق، كان لابد من طرح بعض الأسئلة على المرافقين، نظير لماذا كثرة الدراجات النارية؟ ألا تشكل السياقة على اليسار عائقا؟ وغيرها. بخصوص كثرة الدراجات في كل البلاد، وليس في باندونغ وحدها، أوضح لنا أحد مرافقينا أن هذا يعود إلى عوامل عدة، أولا لقلة تكلفتها مقارنة مع المغرب، ثانيا هي أرحم في الزحام، وثالثا لأن اقتناء دراجة نارية في إندونيسيا لا يتطلب أداء مبلغ كبير وتقسيم الباقي على أقساط، بل يمكن تقديم ما يعادل 500 درهم كل شهر إلى أن تنهي الثمن الإجمالي للدراجة النارية. وأضاف أن هذه التسهيلات مكنت في بعض الحالات أفراد عائلات بأكملها من امتلاك دراجات نارية. مرافقانا كانا متعبين أيضا، لكن مع ذلك كان همهما الوحيد أن يقدما لنا كل التسهيلات ويجيبا على تساؤلاتنا بطريقة تشبع نهمنا، بالعربية والفرنسية، فرمزي يتحدث الفرنسية جيدا ولا يقول بالعربية سوى الحمد لله وشكرا، هذا ما سمعناه منه على الأقل هذه الأيام. أما فوزان، فيتحدث اللغة العربية جيدا وأيضا الدارجة لأنه، بعد حصوله على الإجازة في بلده انتقل إلى المغرب حيث حصل على الماستر ثم تقدم لمباراة توظيف في سفارة بلده في المملكة، وتمكن من اجتيازها بنجاح وأصبح موظفا في السفارة. بمجرد وصولنا إلى الفندق، حضر فاعلون في مجال السياحة للترحيب بنا وعرض برنامج اليوم الموالي. كان برنامجا مكثفا، لم يخيل لنا ذلك بسبب التعب، بل تأكد لنا أن البرنامج المسطر متعب حقا. حدد لنا رمزي موعدا في الثامنة والنصف صباحا، ليس لتناول وجبة الفطور بل لمغادرة الفندق وتفعيل البرنامج اليومي. رمزي هذا هو مفتاح كل شيء، ولأنه دبلوماسي غالبا ما يقول بالفرنسية سنحاول، لكن، عكس من يقول لك ردا على طلبك إن شاء الله ليتخلص منك، فإن كلمة سنحاول عند رمزي تتحول في ما بعد إلى فعل. إنه دبلوماسي ولا يرغب في تقديم وعود دون أن يفي بها. صباح اليوم الموالي، كنا مضطرين للاستيقاظ باكرا وغادرنا بالفعل الفندق في الموعد المحدد، كان هذا بعد أن أصبح كل واحد منا مليونيرا. طلبنا تغيير العملة، ولأن التوقيت متأخر اقترح علينا رمزي أن نمنح المبالغ التي نرغب في تحويلها إلى عملة محلية لمسؤول في السياحة. في صباح اليوم الموالي، سلمنا فوزان العملة الأجنبية وكانت مفاجأتنا كبيرة حين تحول مبلغ 300 دولار إلى أربعة ملايين و500 ألف روبية. استفسرنا عن السر فقال هناك مشروع لإزالة ثلاثة أصفار، لكنه لم يفعل حتى الآن. امتطينا الميني باص واتجهنا إلى شارع آسيا إفريقيا، الذي استمد هذه التسمية من قمة باندونغ الشهيرة، ففيه يوجد الفندقان اللذان أقامت فيهما الوفود ومتحف خاص بالقمة، ويزين بكرات إسمنتية وضعت عليها أسماء وأعلام الدول التي حضرت القمة، التي شارك فيها المغرب بصفة ملاحظ لأنه كان مستعمرا في السنة التي انعقدت فيها (1955)، والملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه في المنفى، وبإصرار من سوكارنو شارك المغرب، ومثله آنذاك الراحل علال الفاسي. كان شعورنا فوق الوصف ونحن نتوجه نحو الكرة التي كتب عليها اسم المغرب وفوقها علم وطننا. ظل سوكارنو ووصايا قمة باندونغ لم أبالغ عندما وصفت رمزي بالمفتاح، فبعدما قدم لنا شروحات حول الفندق وأطلعنا على وصايا قمة باندونع، التي تزين الشارع، طلبنا زيارة متحف القمة، فقيل لنا إنه يقفل يوم الاثنين، اختفى رمزي عن الأنظار، وكنا منشغلين بطرح الأسئلة على دليلنا والتقاط الصور، ولما انتهينا سألت فوزان عن رمزي، فقال لي إنه يحاول إقناع المسؤولين لنزور المتحف، وبالفعل، أثمرت محاولته وزرنا المتحف، الذي يؤرخ لكل شيء، بل إنك حين تتجه نحو أحد الأركان، تشعر وكأنك تحضر القمة، إذ ترى مجسما كبيرا لسوكارنو وهو يلقي الكلمة وخلفه رؤساء الوفود المشاركة. وصمم المجسم بشكل لافت، نعم، إن سحر القمة يلقي بظلاله على زيارة المتحف. بعد ذلك، كان لنا ماراطون لقاءات في محافظة جاوا ومكتب السياحة، كما زرنا حامة تشبه حامة مولاي يعقوب، حسب الشروحات التي قدمت لنا، لكن لم نستحم لأن وصولنا إليها صادف هطول أمطار قوية، هكذا هو المناخ الاستوائي، حرارة لا تطاق وفجأة أمطار قوية وبرق ورعد دون سابق إنذار. في هذا المكان، تجدد الترحيب والاحتفاء بنا لأننا مغاربة، وأيضا لأن لاعبا مغربيا اسمه البركاوي يدافع عن ألوان الفريق المفضل لمسؤولين صادفناهم. خلال زيارتنا لمقر المحافظة، كنا نتحدث إلى مسؤولين، بينما ذهب رمزي لبحث إمكانية لقائنا مع المحافظ، فكان له ما أراد. كان اللقاء بعد صلاة الظهر، ففي قلب المحافظة يوجد مسجد إمامه هو المحافظ، الذي ينتمي إلى حزب التنمية والرفاه، ولا يخبر الموظفون بموعد الصلاة بالأذان فقط، بل يسبق الأذان صوت مقرئ يتلو القرآن، وهي خاصية هذا المسجد. قبل لقاء المحافظ قيل لنا إننا لن نحتاج إلى مرافقنا فوزان لأن المحافظ يتحدث العربية بطلاقة، وهذا ما تأكد. بعد الخروج من المسجد طلب من مبعوثي التلفزيون الإندونيسي الذين حضروا لإجراء مقابلة معه الانتظار إلى حين الحديث إلينا والتقاط صور. كان اليوم حافلا بالزيارات واللقاءات، وكنا نفكر في اليوم الموالي، يوم مغادرة باندونغ في اتجاه جاكارتا ومنها إلى بليتونغ، كان مفترضا أن نغادر في الرابعة والنصف، لكن الموعد تقدم إلى الثالثة، رغبة في تجنب الازدحام وتفادي أن نخلف موعد الطائرة التي ستقلنا من مطار جاكارتا المحلي إلى بليتونغ، لأن بعض المواقع في جاكارتا يصعب المرور منها في السابعة صباحا بسبب الازدحام الشديد. غادرنا الفندق الذي كنا نقيم فيه في باندونغ حوالي الثالثة والربع، كانت حركة المرور ميسرة، لكن حين ولجنا الطريق السيار كان هناك ازدحام مقارنة مع التوقيت الذي نسافر فيه. بعد ثلاث ساعات ونصف، وصلنا إلى المطار، كنا متعبين لأننا لم ننم بحكم الموعد المبكر لمغادرة الفندق، وزادنا الانتظار تعبا، إذ كان موعد رحلتنا العاشرة والنصف ونحن في المطار قبل السابعة. بعد طول انتظار حل موعد الرحلة، لم نتجاوز ساعة من التحليق في الجو، لنجد في استقبالنا عمدة بليتونغ، الذي تكفل أعوانه بكل شيء وولجنا القاعة الشرفية للمطار، ثم توجهنا إلى الفندق، أما الأمتعة فجرى إلحاقها بالفندق بعد وصولنا بقليل. الاستقبال الخاص وراءه عاملان، الأول أن سفير إندونيسيا في المغرب اتصل بالعمدة للاعتناء بالوفد المغربي، والثاني، حسب ما قيل لنا، أننا نحن المغاربة الأوائل الذين يزورون هذه المدينة، التي تتميز بطبيعتها الخلابة. وقال العمدة إنها تهتم بالسياحة، لكن الاهتمام بجمال طبيعة المدينة يأتي في المقام الأول. وصلنا إلى الفندق بعد منتصف النهار، واقترح علينا رمزي أن نتخذ القرار هل نتناول وجبة الغداء أونلتحق بغرفنا، قلنا جميعا نريد أن ننام. طعم النوم في مثل هذه الحالات ألذ من أشهى طعام يمكن تحضيره في أي بلد في العالم.