أعطيت، أمس الجمعة، بالرباط، في ندوة نظمتها وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، الانطلاقة لإعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل (ماب) وذلك بدعم من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي في مجال التنمية، ومكتب العمل الدولي، في انتظار تقديم والمصادقة على هذه الاستراتيجية وبرنامج العمل، في شتنبر المقبل. وتراهن هذه الاستراتيجية على تغيير الرؤية السائدة، المتمثلة في السيناريو الميولي الحالي، ونهج توجه جديد مبني على أساس الشغل المنتج واللائق. وقدمت، خلال الندوة، دراسة تشخيصية حول وضعية التشغيل في أفق إعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل. وخلصت الدراسة التشخيصية، المنجزة من طرف الوزارة بتعاون مع مكتب العمل الدولي، إلى أن المغرب يواجه تحديات ورهانات في قضية التشغيل، بارتباط مع التحولات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية، ما مكن من وضع الأصبع على مكامن الخلل، التي تطبع منظومة التشغيل بالمغرب. وسجلت الدراسة وجود تباين كبير بين مستوى طلب وعرض فرص الشغل اللائق والمنتج، وضعف دينامية إحداث مناصب شغل، بالنظر لتطور الطلب الاجتماعي على الشغل اللائق والمنتج، وتفشي البطالة ذات طابع هيكلي، خصوصا عند الشباب، ومعظمهم من طالبي العمل لأول مرة، وكذا البطالة الطويلة الأمد في صفوف حاملي الشهادات. ومن بين الاختلالات، حسب الدراسة التشخيصية، ضعف مستوى مؤهلات السكان النشيطين، وهيمنة الشغل الهش، خاصة بالقطاع غير المنظم، الذي يؤدي إلى إضعاف الرأسمال البشري، وتجزيء سوق الشغل بين ثلاثة قطاعات، العام والخاص وغير المنظم، مع هيمنة الشغل الهش والأقل إنتاجية، إذ يمثل التشغيل بالقطاع العام 9.1 في المائة، في حين، يستحوذ القطاع الخاص على أكثر من 90 في المائة. واعتبرت الدراسة التشخيصية أن السيناريو الحالي غير قادر على إيجاد حلول دائمة لهذه الإشكاليات، وأنه يظل غير منسجم مع الأهداف التنموية، وقد يكون مصدر أخطار تهدد التماسك الاجتماعي، إذ ارتكزت على إشكالية تدبير مرحلة الحصول على أول شغل بالنسبة لحاملي الشهادات، في حين أن التحدي يكمن في تدبير مختلف وضعيات الحركية في سوق الشغل، كما اتسمت بكونها غير مندمجة خصوصا من حيث ضعف التناغم والالتقائية بين مختلف رافعات السياسات العمومية وبين مختلف مستويات القرار، وهي سياسة عمومية تقوم على نظام حكامة يستعصي عليه استيعاب وفهم واقع سوق الشغل بتعقيداته وتعدديته. ووفقا للدراسة، جرى تشخيص أربعة أهداف استراتيجية أساسية للدفع بدينامية إحداث مناصب شغل منتجة ولائقة، على أساس رؤية مندمجة ومنسجمة تنبذ الإقصاء، ويقع في إطارها الجمع بين المشاركة والإدماج والحركية في الشغل لمختلف فئات العمال، وضمان حماية واستقرار الشغل. ويتمثل الهدف الاسترتيجي الأول في تشجيع إحداث مناصب شغل منتجة ولائقة، فيما يتمثل الثاني في تحسين وتثمين العنصر البشري في مجال التربية والتكوين، وفي مجال الحماية الاجتماعية، أما الهدف الثالث، حسب الدراسة، فيتمثل في تحسين مواكبة الحركية في سوق الشغل، بدعم وتعزيز الشغل اللائق والمنتج على مستوى الوساطة والإجراءات النشيطة للتشغيل، فيما يرتكز الهدف الاستراتيجي الرابع على تحسين حكامة سوق الشغل. وقال عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل، إن الأمر يتعلق بأول استراتيجية وطنية للتشغيل بالمغرب، وسيعلن عنها في شتنبر المقبل، تزامنا مع الدخول السياسي المقبل. وأضاف الصديقي، في تصريح للصحافة على هامش الندوة، أن هذه الاستراتيجية تنطلق من تشخيص موضوعي لواقع التشغيل وسوق الشغل بالمغرب والإكراهات. ومن بين الأهداف المرسومة للاستراتيجية، يضيف الوزير، توفير فرص الشغل اللائق والمنتج، والخروج من وضعية الهشاشة للشغيلة المغربية، مشددا على إعطاء الأولوية للتشغيل، والعمل على ملاءمة أكثر لأنظمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل. وقال إن "الاستراتيجية الوطنية للتشغيل مشروع مجتمعي، مرتبط بالمشروع التنموي، إذ لا يمكن معالجة قضايا التشغيل دون الانكباب على النموذج التنموي"، مضيفا أن الوزارة شرعت في إطلاق مبادرات على الصعيد المحلي، أطلق عليها "المبادرات المحلية والتنمية والتشغيل"، من أجل خلق دينامية محلية مع مختلف الفرقاء، من السلطات المحلية، والمنتخبين، والنقابات المهنية، وأرباب العمل، والمجتمع المدني. وأردف قائلا "نشعر بخطورة البطالة وبما يعانيه الشباب العاطل، ومن أولويات الحكومة، توفير الشغل لكل المواطنات والمواطنين".