ترى نديرة الكرماعي، العامل المنسقة الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أن المبادرة أعطت، منذ الإعلان عن انطلاقتها، دفعة جديدة وقوية لمجال التنمية البشرية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأضافت الكرماعي، في حوار مع "المغربية"، بمناسبة الذكرى التاسعة لانطلاق المبادرة، أن الحصيلة المسجلة إيجابية جدا، سواء من الناحية الكمية أو النوعية. وأوضحت أن "النتائج الإيجابية المحققة في ظرف وجيز جعلت شركاء دوليين يولون اهتماما خاصا بالمبادرة، ويودون دعم هذا المشروع المجتمعي، وتثمين المكتسبات المحققة، عبر تبادل التجارب والخبرات مع دول أخرى". ما تقييمكم لحصيلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ انطلاقتها إلى الآن، وكيف ترون وقعها على المستفيدين؟ - أعطت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ الإعلان عن انطلاقتها في ماي 2005 من طرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، دفعة جديدة وقوية لمجال التنمية البشرية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بغية تثمين المكتسبات الاجتماعية والإصلاحات الجوهرية بالمغرب. كما حققت المبادرة حصيلة إيجابية جدا، سواء من الناحية الكمية أو النوعية، الأمر الذي يدل على مدى أهمية مقاربتها ودقة نهجها ونجاعة آلياتها في المساهمة في الحد من العجز الاجتماعي ومحاربة الفقر والإقصاء والهشاشة والتهميش، سواء في الوسط الحضري أو القروي. وتميزت هذه الحصيلة بإنجاز أزيد من 34 ألفا و963 مشروعا إلى غاية نهاية دجنبر 2013، لفائدة أزيد من 9 ملايين مستفيد، باستثمار إجمالي يناهز 24.8 مليار درهم، ساهمت فيه المبادرة ب 14.9 مليار درهم، ما يبرز أهمية دور الرافعة الذي تؤديه هذه المبادرة. وهمت التدخلات دعم التمدرس، باعتبار التعليم أحد القطاعات ذات الأولوية المستهدفة من طرف المبادرة، إذ ساهمت في الحد من الهدر المدرسي، وتحسين مستوى تعليم أطفال الأسر المعوزة. كما وضعت الفتاة القروية ضمن اهتماماتها، من خلال بناء وتجهيز دور الطالبة. وساهمت المبادرة في قطاع التعليم عبر مجموعة من المشاريع والأنشطة، من خلال اقتناء 622 وسيلة للنقل المدرسي (حافلات وسيارات) لفائدة 133 ألفا و463 تلميذ (ة)، وبناء وتهيئة وتجهيز 1151 مدرسة إعدادية وثانوية، و1083 دارا للطالب/الطالبة، و974 روضا وحضانة و974 قاعة للدراسة. وعلى مستوى البنية التحتية الأساسية (المسالك والطرق، الماء، الكهرباء والتطهير)، ساهمت المبادرة في تحسين ظروف عيش السكان المعوزين، ودعم السياسات القطاعية في مجال تحسين البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية. وتهدف الأنشطة المبرمجة أساسا إلى توسيع الربط بالماء الشروب والإنارة العمومية، وفك العزلة عن الدواوير والجماعات القروية، وحماية البيئة وتأهيل الأحياء الحضرية الفقيرة، وخلق وتهيئة المساحات الخضراء إلى جانب فضاءات الترفيه. وتتجلى تدخلات المبادرة، في هذا الإطار، في فك العزلة عن السكان القرويين عبر 3270 مشروع لتهيئة الممرات والمسالك والطرق وبناء منشآت فنية ومنشآت العبور، وبرمجة 3682 مشروع متعلق بقطاع الماء يهم التزود بالماء الصالح للشرب بناء السقايات والخزانات والصهاريج، وحفر وتعميق الآبار وتهيئة واستغلال منابع المياه، و723 مشروعا للكهربة والإنارة العمومية، و386 مشروعا ونشاطا يخص التطهير السائل والصلب. كما جعلت المبادرة، منذ انطلاقها، مساعدة الأشخاص في وضعية هشاشة كهدف لها، عبر تحسين ظروف عيشهم وإعادة الثقة في الذات والكرامة، إذ أنجزت مجموعة من المشاريع والأنشطة، التي تساعد على تحسين شروط دعم هذه الفئة. ويندرج تدخل المبادرة في قطاع الصحة في تعزيز البنية التحتية الصحية، وأيضا الاستجابة لاحتياجات السكان في مجال الولوج للخدمات الصحية. وارتكزت هذه العمليات على اقتناء 695 سيارة إسعاف، و90 وحدة صحية متنقلة، لتسهيل ولوج سكان المناطق الجبلية للخدمات الصحية. ومن أجل الحد من وفيات الأمهات عند الولادة، وقع تشجيع الولادة في ظروف صحية جيدة، بإنجاز 180 مشروعا وعملية تهم بناء وتجهيز قاعات الولادة ودار الأمومة، إضافة إلى 419 عملية اقتناء معدات طبية، وبناء وتجهيز 122 مستوصفا، و437 مركزا صحي، و148 مركزا لتصفية الدم. كما وقع التركيز على التنشيط السوسيو ثقافي والرياضي للحد من جنوح الأحداث وتأطير السكان المستفيدين من خلال الأنشطة التي تساعد في تكوين الذات وتلقين أسس المواطنة. ماذا عن حصيلة برنامج التأهيل الترابي؟ - في ما يخص برنامج التأهيل الترابي، الذي يهم 22 عمالة وإقليما جبليا، أنجزت مشاريع وأخرى في طور الإنجاز، وتهم الطرق والمسالك والمنشأة الفنية، بإنجاز حوالي 684 كلم من الطرق والمسالك، بالإضافة إلى 19 منشأة فنية، والكهربة القروية عن طريق ربط 1983 دوارا بالشبكة الكهربائية، والصحة من خلال بدء الأشغال في 68 مسكنا وظيفيا لفائدة الأطر الصحية، 17 منها منجزة، واقتناء وتوزيع 38 سيارة إسعاف مجهزة، وإعادة فتح 27 مركزا صحيا. أما مجال التعليم فعرف بدء الأشغال في 674 مسكنا وظيفيا لفائدة أطر التعليم، منها 417 مسكنا منجزا. وفي ما يخص الماء الصالح للشرب، بدأت الأشغال لربط 127 دوارا بالماء الشروب، 31 دوارا ربطت بالماء الشروب، إضافة إلى بدء الأشغال في 252 نقط ماء، منها 141 أنجزت. ما هي أهم المكتسبات التي حققتها هذه المشاريع؟ - كان لهذه الحصيلة الكمية تأثير إيجابي في خلق دينامية الاقتصاد المحلي والنهوض بالتنمية المحلية وخلق فرص الشغل بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وحققت العديد من المكتسبات، منها تراجع نسبة الفقر بنسبة 41 في المائة بالجماعات القروية المستهدفة، وتبني مفهوم التشارك والمشاركة، وترسيخ الثقة في النفس وصيانة كرامة المواطن، والنهوض بأوضاع المرأة والشباب، وتكريس ثقافة الشفافية والمحاسبة، وبلورة علاقة جديدة بين السلطات والمنتخبين والمصالح الخارجية والنسيج الجمعوي. من هنا، يمكن أن نخلص إلى أن هذا النموذج المغربي، الذي هو من صنع المغاربة، يعد بالفعل رافعة أساسية للتنمية المحلية، وللنهوض بوضعية الفئات الاجتماعية المعوزة. كيف تعملون على مواجهة الصعوبات التي تعترض المستفيدين من المشاريع المدرة للدخل، والمتعلقة أساسا بالتسويق؟ - أولت المبادرة اهتماما خاصا لدعم الأنشطة المدرة للدخل لضمان الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للفئات الفقيرة، وتمكينها من المشاركة في الحياة العملية وتيسير اندماجها الاجتماعي والمهني في النسيج الاقتصادي، وبالتالي تحمل المسؤولية. وأطلق 6525 نشاطا مدرا للدخل بمبلغ 1,94 مليار درهم لفائدة 1409530 مستفيد (ة). وخلال هذه الأنشطة، ساهمت المبادرة في تحسين دخل السكان المستهدفين، وخلق فرص العمل وتعزيز ثقافة العمل الحر، وتقوية دينامية الجمعيات والتعاونيات، واندماج الفئات المعوزة في النسيج الاقتصادي، خاصة النساء والشباب، ومحاربة الهجرة القروية، وتثمين المنتجات المحلية. وفي إطار مخطط التنسيقية الوطنية للتنمية البشرية، هناك عمليات عدة لتحسين مردودية حاملي المشاريع المدرة للدخل، من خلال اعتماد وانتقاء نظام السلاسل، الذي سيضمن تثمين المنتوجات المحلية، وخلق قيمة مضافة في الحصيلة، ما سيمكن حصرا حاملي المشاريع بالانخراط الفعلي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. هناك أيضا عمليات ترتكز على التكوين والمواكبة لجميع حاملي المشاريع المستفيدين برسم المرحلة الثانية للمبادرة، تستهدف أساسا تقوية قدرات حاملي المشاريع في ما يخص بلورة المشاريع والتتبع والتقييم والمحاسبة إلى جانب تقنيات الإنتاج والإشهار. أما عن مشكل التسويق، الذي يعترض بعض الجمعيات والتعاونيات الحاملة للأنشطة المدرة للدخل، فتبذل مجهودات كبيرة في هذا الإطار، من أجل إيجاد حلول مناسبة، كتنظيم معارض وطنية وجهوية ومحلية، وعقد شراكات مع الأسواق الكبرى لإعطاء الفرصة لحاملي المشاريع لعرض منتوجاتهم المحلية، إلى جانب تمكينهم من تسويق منتوجاتهم بالخارج. ما هي المحاور التي ستشتغلون عليها مستقبلا، بعد إنهاء تنفيذ برنامج التأهيل الترابي خلال سنة 2015؟ - يهدف برنامج التأهيل الترابي، الذي يندرج في إطار المرحلة الثانية من المبادرة 2011-2015، والذي يشمل 22 إقليما بمجموع تراب المملكة، إلى تلبية حاجيات السكان بالمناطق الجبلية والمعزولة، وتقليص الفوارق في الولوج إلى مرافق البنيات التحتية الأساسية والتجهيزات. وعلى هذا الأساس، جرت دراسة مجموعة من المشاريع بطريقة تشاركية مع مختلف الفاعلين المحليين من سلطات محلية والمصالح اللامتمركزة للدولة للنهوض بهذه المناطق. هذه المشاريع والبرامج تسطرها وتؤطرها الاتفاقية المبرمة بين وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة والصيد البحري ووزارة الصحة والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ووزارة التجهيز والنقل، بتاريخ مارس 2011، التي تحدد برنامج العمل وعدد المشاريع البرمجة على صعيد كل إقليم، كما تحدد التمويلات المرصودة من طرف القطاعات المعنية. وتتمثل محاور هذا البرنامج في تعميم الكهربة القروية ب 2432 دوارا، وتعزيز الخدمات الصحية ببناء 8 مستوصفات قروية، و258 سكنا وظيفيا لمهني قطاع الصحة، ودعم التمدرس والتعليم ببناء ما يناهز 3008 مساكن وظيفية لفائدة المدرسين، وتحسين الولوج للماء الشروب، عبر ربط الدواوير بالماء، وإنجاز نقط المياه وفك العزلة عن سكان ما يزيد عن 1000 دوار معزول، بإنجاز 2313 كلم من الطرق والمسالك و68 منشأة عبور. ويعد هذا البرنامج ركيزة أساسية لترسيخ مفهوم الالتقائية، إذ يضم أغلبية القطاعات الحكومية المعنية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أن النتائج المحصلة حاليا، ورغم الصعوبات التي اعترضت البرنامج في البداية من ناحية التنسيق والعمل الميداني، تعد نتائج إيجابية جدا. أما في ما يخص تمديد العمل بالبرنامج بعد فترة 2015، فهذا أمر يتعلق بجميع الشركاء، الذي سيسهرون جميعا على تقييم التجربة للخروج باقتراحات عملية ومفيدة للسكان المستهدفين. كما وجب التأكيد على أن انتقاء المشاريع وإنجازها يجري وفق مقاربة تشاركية، تأخذ بالاعتبار احتياجات السكان المحليين، وعلى هذا الأساس فالمستوى المركزي يتولى فقط التأطير والمواكبة للفاعلين المحليين، من أجل تسيير أمثل للمبادرة. ما هي الشراكات الجديدة التي تشتغلون عليها لدعم المشاريع، والحصول على تمويلات إضافية، خاصة من الخارج؟ - حظيت المبادرة بدعم 15 شريكا دوليا خلال المرحلة الأولى، أما بالنسبة للمرحلة الثانية، وبفضل الثقة والإشعاع اللذين أصبحت تتمتع بهما المبادرة على المستوى الدولي كآلية ناجعة لمحاربة الفقر والهشاشة، باعتبارها مشروعا طموحا ذا خصوصيات جديدة لتسيير الشأن العام المحلي، فهذا الأمر جعل مجموعة منهم تواكب المبادرة في مرحلتها الثانية، كما هو الشأن بالنسبة للبنك الدولي، الذي رفع سقف الدعم، بعقد أربع شراكات تتعلق بالدعم التقني والمالي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشراكة تقيدها مجموعة من مؤشرات الأداء والنتائج التي وجب تحقيقها سنويا. ونظرا للنتائج الإيجابية التي حققتها المبادرة في ظرف وجيز، فإن هناك شركاء دوليين آخرين يولون اهتماما خاصا بالمبادرة، ويودون دعم هذا المشروع المجتمعي، وتثمين المكتسبات المحققة، عبر تبادل التجارب والخبرات مع دول أخرى وبالخصوص الدول الإفريقية، التي تنخرط في اتجاه التعاون جنوب جنوب.