لم يكن قرار روسيا الأسبوع الماضي توقيع اتفاق سلام في أوكرانيا نابعا من تراجع الكرملين بل على العكس من استعداد الرئيس فلاديمير بوتين للتحلي بالصبر حتى ينال هدفه النهائي. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما يبدو من واقع أفكاره وأفكار المقربين منه ومن أفكاره، فإن ذلك الهدف يتمثل في إعادة توحيد الناطقين باللغة الروسية ذات يوم بمن فيهم من يعيشون داخل حدود أوكرانيا ليجمعهم وطن واحد. ولبراعته في رسم الخطط يدرك بوتين أن الضغط بسرعة كبيرة لتحقيق هذا الطموح قد يلحق الضرر بروسيا مثلما اتضح من التهديد الغربي بفرض عقوبات مشددة واتجاه أوروبا لتقليل اعتمادها على إمدادات الغاز الروسي. وبذلك كان من المنطقي في نظر روسيا توقيع الاتفاق الرباعي بشأن أوكرانيا في جنيف الأسبوع الماضي والتأكيد للغرب على رغبته في التوصل لتسوية. وبوسع بوتين أن يصبر فمازال أمامه أربع سنوات أخرى قبل أن يسعى لإعادة انتخابه، بالإضافة إلى فرصة قوية للفوز بولاية أخرى مدتها ست سنوات ما يمنحه ميزة على خصومه الغربيين، الذين تحرك سياساتهم دوافع أقصر أجلا. وقال فيودور لوكيانوف رئيس تحرير نشرة روسيا في الشؤون الدولية التي يشارك وزير الخارجية الروسي في مجلسها التحريري "الأمر الرئيسي الآن هو البقاء في وضع استعداد والتأهب لبقاء الأزمة في أوكرانيا لفترة طويلة". وأضاف "سيكون الخرق مآل الاتفاقات ثم تبرم من جديد. ولمرة لم تعد روسيا في وضع الدفاع بل إنها تتقدم للأمام". وبناء على لعبة النفس الطويل، فمن المستبعد أن يسعى بوتين إلى الزج بروسيا في صراع مسلح بسبب أوكرانيا في المستقبل القريب. لكن هذا يعني بالقدر نفسه أنه سيتعين على الدول الأوروبية التكيف مع مستقبل تؤدي فيه العقوبات المستمرة في الأجل الطويل إلى تعقيد علاقاتهما التجارية مع استمرار شبح تعطل إمدادات الغاز الروسية. والأهداف الرسمية للكرملين في أوكرانيا محدودة وتتمثل في حماية الأمن الروسي والتصدي لتوسع حلف شمال الأطلسي ومساعدة سكان أوكرانيا الناطقين بالروسية إذا تعرضوا لخطر الاضطهاد. وتنفي روسيا أنها تخطط بأي شكل من الأشكال لغزو أوكرانيا. وفي الأسبوع الماضي وقع دبلوماسيون كبار من روسيا والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةوأوكرانيا وثيقة بفندق انتركونتننتال جنيف تطالب الجماعات المسلحة غير القانونية في أوكرانيا بما فيها الانفصاليون المؤيدون لروسيا الذين احتلوا عددا من المباني العامة بإلقاء السلاح والعودة إلى بيوتهم. وبحلول يوم الأحد كان الاتفاق قد أصبح مهترئا بعد مقتل عدة أشخاص في تبادل لإطلاق النار عند نقطة تفتيش يديرها انفصاليون. وحملت روسيا كييف مسؤولية الفشل في تنفيذ اتفاق جنيف. ورغم ذلك قال بعض المطلعين على المحادثات إن هذا المسعى له أهميته لأنها كانت المرة الأولى في محاولات كثيرة التي يجلس فيها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لبحث الوضع في أوكرانيا ولديه تفويض بإبرام اتفاق. لكن دبلوماسيا أوروبيا أبدى تشككه، وقال إن الاتفاق خدعة من موسكو. وقال الدبلوماسي إن إبداء الاستعداد للمشاركة في المحادثات سمح للكرملين بتخفيف حدة الضغط الدبلوماسي الذي تراكم وأتاح له وقتا قبل فرض أي عقوبات أخرى. وقال الدبلوماسي الذي تحدث بشرط عدم نشر اسمه وشدد على أنه يعبر عن رأيه الخاص "المحادثات والحلول الوسط مجرد جزء من أساليبه" مشيرا إلى بوتين. وأضاف "هو يريد امتلاك أوكرانيا". كذلك فإن عرض روسيا لحل وسط قد يوسع الخلافات في صفوف الائتلاف الغربي في مواجهة الكرملين. وظهرت خلافات بالفعل بين الولاياتالمتحدة التي تتشدد في ما يتعلق بالعقوبات وأوروبا التي تتخذ موقفا أكثر حذرا وكثير من دولها عازم على تفادي وصول الأمر إلى مواجهة غالية مع روسيا. ووراء الخط الرسمي المعتاد للكرملين عن أهدافه في أوكرانيا تظهر دلائل على مجموعة أخرى توسعية من الأهداف عندما يسمح بوتين ومعاونوه بإبداء بعض اللمحات عما يفكر فيه.