جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج عبد الله بعد 40 عاما من السجن        إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    البرلمانيين المتغيبين عن أشغال مجلس النواب يقدمون مبررات غيابهم ويؤكدون حضورهم    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة        قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوضع الدستوري لرئاسة النيابة العامة


بقلم عبد الكبير طبيح : محام بهيئة الدارالبيضاء
أثير أخيرا نقاش حول الطبيعة الدستورية لمؤسسة رئاسة النيابة العامة على إثر توصل مجلس النواب بتقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير لنيابة العامة، وهو التقرير الذي تنص عليه المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وأظن أنه من أجل تسهيل مأمورية فهم الاشكال الذي طرح، التذكير بمسلمتين مركزيتين، هما بمثابة مفتاح لمقاربة الجواب أو إبداء الرأي حول الاشكال المذكور، هما:
المسلمة الأولى: إن القضاء كسلطة، قررها أفراد الأمة عن طريق الاستفتاء على دستور 2011، في الفصل 107 منه.
المسلمة الثانية: أن اعتبار رئيس النيابة العامة، سلطة، قررها نواب الأمة في البرلمان عن طريق التصويت على القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة منه 66.
وبالفعل فإنه بالرجوع إلى القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في فصله 66 نجده ينص في الفقرة الأخيرة منه على ما يلي "علاوة على ذلك، وتطبيقا للفصل 116 من الدستور، يراعي المجلس "بالنسبة لقضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل الوكيل "العام لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة.
وأنه يتبين من تلك المادة أن نواب الأمة هم الذين عينوا من هي "السلطة" المنصوص عليها في الفصل 116 من الدستور، التي تتبع لها النيابة العامة، وحددوها بكونها هي "الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة"
لهذا فإنه يصعب اليوم أن يثار أي نقاش حول اعتبار رئيس النيابة العامة ك "سلطة" في علاقته مع النيابة العامة، قضاة وتدبيرا، من قبل نواب الأمة أنفسهم.
لهذا فمسؤولية التأسيس الدستوري سلطة القضاء المستقلة، تتوزع بين أفراد الأمة بمناسبة تصويتهم على الدستور فيما يخص السلطة القضائية، وبين نواب الأمة، بمناسبة تصويتهم على القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. فيما يخص سلطة رئيس النيابة العامة.
ومن المفيد التذكير بأن مهندس القواعد الدستورية ومشرع دستور 2011 وضع تراتبية هندسية اساسها على " الازدواجية " او " التقابلية " في ممارسة المسؤوليات الدستورية، وذلك حرصا منه على اعمال مبدأ (توازن السلط) المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور.
وهذه الهندسة تتجلى بكل وضوح فيما يلي:
إن السلطة التنفيذية موزعة بين:
المجلس الوزاري والمجلس الحكومي
والسلطة التشريعية موزعة بين:
مجلس النواب ومجلس المستشارين
السلطة القضائية موزعة بين:
المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة والرئيس المنتدب لها كمؤسسة من جهة، ورئيس النيابة العامة من جهة أخرى.
وباستحضار هذه الصورة للهيكلة الدستورية يمكن مقاربة الاشكال اقصد المساهمة في النقاش المثار حوله.

أولا: رئاسة النيابة العامة سلطة نص عليها الدستور
حمل دستور 2011 تحولا نوعيا في بناء الدولة الديموقراطية الحديثة، عندما نص لأول مرة على ان القضاء هو سلطة كباقي السلط من جهة وأنه سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية من جهة أخرى. كما خصها بهيكلة ميز فيها بين مؤسستين بحس الاختصاص الموكول لكل منهما.
فالمجلس الأعلى للسلطة القضائية له ثلاثة اختصاصات: الأول هو تدبير الوضعية المهنية للقضاة منذ تعيينهم إلى نهاية خدماتهم (المواد من 65 إلى 102 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية). والثاني هو حماية استقلال القاضي (المواد من 103 إلى 107 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية). والثالث فهو وضع تقارير وإصدار توصيات حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، وتلقي تقارير من جهات مختلفة في نفس الموضوع) المواد من 108 إلى 113).
كما اعطى للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حق تمثيل المجلس أمام القضاء وباقي السلطات والإدارات العمومية وأمام الغير (المادة 5 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية (.
وأما رئاسة النيابة العامة فهي سلطة دستورية مسؤولة عن تسيير جهاز النيابة العامة ورئاسة أعضائها في مهامهم. فالقانون التنظيمي أنشأ سلطة رئيس النيابة العامة الى جانب سلطة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ولكنه ميزها عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
ويتضح ذلك من الفصل 110 من الدستور، الذي جاء في فقرته الأخيرة:
"يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام
بالتعليمات الكتابية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها". مما يستفاد منه وجود سلطة دستورية ترأس النيابة العامة. ومما يدعم هذا الفهم هو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 116 من الدستور التي ورد فيها ما يلي:
"يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها".
ويتجلى من هذه الفقرة أن السلطة التي ترأس النيابة العامة ليست هي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لأن المجلس الزمه الدستور بان يراعي تقارير التقييم التي يقدمها رئس النيابة العامة عندما يكون يبت في قضية أي قاض من قضاة النيابة العامة، وذلك تطبيقا للفقرة 116 من الدستور المشار ليها أعلاه.
والملاحظ أن القانون التنظيمي في فصله 66، وإن نقل حرفيا مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 116 من الدستور، إلا انه عين بطل وضوح "السلطة التي يتبع لها قضاة النيابة العامة بكونها هي "الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة"، مما يعتبر هذا تحديدا للمقتضى الدستوري المتعلق بالسلطة الرئاسية للنيابة العامة.
ومعلوم أن القوانين التنظيمية تعتبر مكملة للدستور وجزء منه، ولذلك نص الدستور على وجوب مراقبة مطابقتها للدستور من طرف المحكمة الدستورية.
وفي هذا الصدد أكد قرار المجلس الدستوري هذا المنحى بمقتضى قراره عدد 992-16 الذي جاء فيه ما يلي:
"حيث إن الدستور نص في الفقرة الثانية من فصله 110 على أن قضاة النيابة "العامة يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن "السلطة التي يتبعون لها"، دون تحديد الدستور لهذه السلطة،
"وحيث إن السلطة التي يعود إليها ترؤس النيابة العامة لا يمكن تحديدها إلا "في نطاق أحكام الدستور لهذه السلطة،
"وحيث إن مبدأ تبعية قضاة النيابة العامة الوارد في الفقرة الثانية من الفصل "110 من الدستور، الذي يفرض عليهم "الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية "الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها"، يعد تبعية داخلية تتم وفق تراتبية "قضاة النيابة العامة ومستويات مسؤولياتهم، ولا يمكن أن تكون - دون الإخلال "بمبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية - تَبَعِيةً "لجهة خارجة عن السلطة القضائية،
كما أضاف:
"وحيث إنه تأسيسها على ما سبق بيانه، واعتبار لكون عمل النيابة العامة يعد "دستوريا عملا قضائيا، ومع مراعاة الصلاحية المخولة للسلطات الدستورية "المختصة في وضع ومراجعة السياسة الجنائية، فإن رئاسة النيابة العامة – "التي يعد قضاتها جزءا من السلطة القضائية- لا يمكن إسنادها إلا لجهة تنتمي "إلى هذه السلطة، مما يكون معه ما تضمنته المادة 25 (من القانون التنظيمي "للمجلس الأعلى للسلطة القضائية)، من وضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مطابقا للدستور".

ثانيا: التقارير الدورية لرئيس النيابة العامة
ومن جهة أخرى فإن الدستور والقانون لا ينصان على تدخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مهام تسيير النيابة العامة، لكنه يعطيه الحق في تلقى تقارير رئيسها حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة وفقا للمادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وبذلك يعتبر رئيس النيابة العامة مسؤولاً عن تنفيذ السياسة الجنائية وعن سير النيابة العامة أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية وأمام رئيسه الدستوري. كما أكد ذلك قرار المجلس الدستوري عدد 991-16 بالقول إن رئيس النيابة العامة "يظل مسؤولا عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية، وذلك أساسا أمام السلطة التي عينته المتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا أمام هذا المجلس الذي يتعين عليه أن يقدم له تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة ...".
وأنه يتبين من قرار المجلس الدستوري أنه حدد الجهتين التين يكون رئيس النيابة العامة مسؤولا أمامها وهما: رئيس المجلس الأعلى للمجلس للسلطة القضائية، من جهة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية نفسه من جهة أخرى.
وبذلك يتضح أن المساءلة الدستورية لرئيس النيابة العامة تتم أساساً أمام رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما تتم كذلك أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية نفسه، الذي يقدم إليه رئيس النيابة العامة تقارير دورية.
كما أن قرارات النيابة العامة تخضع للمراقبة القضائية المباشرة المتمثلة في طرق الطعن وللتقاضي على درجات. وهو ما أكده عليه قرار المجلس الدستوري الذي رأى أن إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة "لا يمكن أن يتم، فيما يخص السلطة القضائية المستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، بنفس الكيفية وبذات الأدوات التي يتم بها في مجالات أخرى، بالنظر لطبيعة السلطة القضائية واستقلالها وآليات اشتغالها والسبل المقررة لتصحيح أخطاء أعضائها"،
ويعتبر الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، مسؤولا عن تنفيذ السياسة الجنائية التي تضعها السلطة التشريعية وفقا لما ذهب اليه قرار المجلس الدستوري رقم 991-16 الصادر بتاريخ 15 مارس 2016، الذي قضى بنا يلي:
"لئن كان الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، المعهود إليه برئاسة النيابة "العامة، يظل مسؤولا عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية، وذلك أساسا أمام "لسلطة التي عينته المتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا أمام هذا المجلس...".

ثالثا: المناقشة البرلمانية لتقرير رئيس النيابة العامة
إذا كان القانون التنظيمي قد نص على تقديم رئيس النيابة العامة تقارير إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن المجلس الدستوري اعتبر أن "تقارير الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، تعد تقارير تهم الشأن العام القضائي التي يجوز للجميع، لا سيما البرلمان، تدارسها...". وأقر بذلك دستورية المقتضى الوارد في المادة 110 من القانون التنظيمي السالف الذكر، التي تسمح للجنتي العدل والتشريع بالبرلمان بدراسة تقارير رئيس النيابة العامة، رغم استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية.
غير أن المجلس الدستوري حدَّد الأهداف من المناقشة البرلمانية وشروطها، بهدف تعديل أو تطوير السياسة الجنائية، كما حرص المجلس الدستور على التأكيد على ان ذلك يجب ان يتم باحترام للسلطة القضائية المستقلة، كما سيأتي بيانه لاحقا.
وإذا كان المجلس الدستوري قد حسم في الجهة التي تضع السياسة الجنائية وهي البرلمان، وأكد هذه القاعدة بمقتضى قراره السالف الذكر، الذي ورد فيه: "إن المشرع، باعتباره المختص بوضع السياسة الجنائية، يحق له تتبع كيفيات تنفيذ هذه السياسة قصد...". وكذلك بمقتضى قرار آخر له يحمل رقم 16-992. صدر بنفس التاريخ جاء فيه: "حيث إن صلاحية وضع السياسة الجنائية، التي تعد جزءا من السياسات العمومية، ... تظل من الصلاحيات المخولة إلى السلطة التشريعية ..."، فإن هذا المقتضى هو مجرد تأكيد للاختصاصات التشريعية التي خولها الفصل 71 من الدستور للبرلمان فيما يتعلق باستئثاره دون غيره من السلطات بالتشريع في مجال التجريم والعقاب (القانون الجنائي) والمسطرة الجنائية. وذلك باعتماده على تعريف للسياسة الجنائية من قبل (ليدويغ فيورباخ) الذي اعتبر أن "السياسة الجنائية هي التدابير الزجرية التي تتخذها الدولة لمحاربة الجريمة"). وهو ما أكده قرار المجلس الدستوري 991-16 السالف الذكر بالقول: "حيث إن صلاحية وضع السياسة الجنائية، التي تعد جزءاً من السياسات العمومية، من خلال سن قواعد وقائية وزجرية لمكافحة الجريمة، حماية للنظام العمومي وصيانة لسلامة الأشخاص وممتلكاتهم وحرياتهم، وكذا تحديد الكيفيات والشروط القانونية لممارسة قضاة النيابة العامة لمهامهم، تظل من الصلاحيات المخولة إلى السلطة التشريعية".
وإذا كانت المادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تنص على عرض التقرير الذي يقدمه رئيس النيابة العامة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أنظار لجنتي العدل والتشريع بغرفتي البرلمان ومناقشته من طرفهما، فإن المجلس الدستوري قد حدد الأهداف من هذه المناقشة وشروط إجرائها. ففيما يتعلق بالأهداف فقد نص عليها قرار المجلس رقم 991-16، وأكد أن تقارير رئيس النيابة العامة "تعتبر من التقارير التي تهم الشأن العام القضائي، يجوز للجميع الاطلاع عليها ومناقشتها، ولاسيما البرلمان المختص بوضع السياسة الجنائية .... يحق له تتبع كيفيات تنفيذ هذه السياسة قصد تعديل المقتضيات المتعلقة بها وتطويرها إذا اقتضى الأمر ذلك".
لذلك فإن المجلس الدستوري حدد الغاية من مناقشة البرلمان لتقرير رئاسة النيابة العامة، لم يذكر من بينها مساءلتها، علما أن المساءلة الدستورية كمهمة رقابية التي يقوم بها البرلمانيون بالنسبة محصورة في عمل السلطة التنفيذية أي الحكومة.
وبما أن مهام وأدوار النيابة العامة هي من مهام وأدوار السلطة القضائية التي نص الدستور على كونها مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. وهو الاستقلال الذي أكد علية المجلس الدستوري بمقتضى قراره عدد 991-16 بالقول:
"حيث إنه، لئن كانت الجهة القضائية التي تتولى رئاسة النيابة العامة، تظل – "وفقاً للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة – مسؤولة عن كيفية "تنفيذها للسياسة الجنائية الموضوعة من قبل السلطة الدستورية المختصة، فإن "إعمال هذا المبدأ لا يمكن أن يتم، فيما يخص السلطة القضائية المستقلة عن "السلطتين التشريعية والتنفيذية، بنفس الكيفيات وبذات الأدوات التي يتم بها في "مجالات أخرى، بالنظر لطبيعة السلطة القضائية واستقلالها وآليات اشتغالها "والسبل المقررة لتصحيح أخطاء أعضائها ...".
لهذا فتقرير رئاسة النيابة العامة المعروض على لجنتي العدل والتشريع بالبرلمان تتم مناقشة من أجل أن يتمكن البرلمان من الإلمام بالنتائج تنفيذ السياسة الجنائية التي وضعها، حتى يتمكن عند الاقتضاء – من تعديل النصوص القانونية أو تحسينها وتطويرها على ضوء ذلك، وبناء على التوصيات التي قد يتضمنها التقرير.
وهو ما يؤسس لعلاقات التوازن بين سلطات الدولة دون المساس بصلاحيات البرلمان في الاختيارات التشريعية التي يراها مناسبة.
وأما كيفية مناقشة اللجنتين البرلمانيتين للتقرير، فقد ذهب قرار المجلس الدستوري إلى أنها يجب أن تتم "مع مراعاة مبدأ فصل السلط والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة". وهو ما يستفاد منه كذلك، أن المناقشة لا تتم لغاية تقييم أداء النيابة العامة، مع كل ما يستتبع ذلك، وإنما تلك المناقشة يجب ان تستحضر مبدأ استقلال السلطة القضائية والالتزام بالاحترام الذي يقرره القانون لهذه السلطة، بالنظر للهدف من المناقشة التي لا تتم لغاية المساءلة، وإنّما لتعديل أو لتطوير السياسة الجنائية.

رابعاً: تقديم تقرير رئيس النيابة العامة
لم يحدد القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية كيفية إحالة تقرير رئيس النيابة العامة على لجنتي البرلمان، بل أنه لم يتحدث عن أي إحالة، واستعمل عبارة يتلقى المجلس الأعلى للسلطة القضائية التقرير. قبل عرضه ومناقشته من قبل لجنتي البرلمان.
وإذا كان المجلس الدستوري قد حسم في عدم قيام رئيس النيابة العامة بمهمة العرض والتقديم، فإنه لم يتناول تحديد كيفية توصل البرلمان بالتقرير، ولا تعيين الجهة المخول لها توجيه التقرير إلى البرلمان.
وبالنظر إلى أن تقرير رئيس النيابة العامة يعتبر تقريرا يهم الشأن العام القضائي يحق للجميع دراسته، فإن تعميمه يعتبر ضروريا لتحقيق هذه الغاية الدستورية.
وأن البرلمان عندما صادق على لمادة 110 من القانون التنظيمي:
-هو من نص ان التقرير يجب ان يعرض عليه باعتباره أول الجهات المعنية بدراسة تقرير النيابة العامة لارتباطه باختصاصاته في وضع السياسة الجنائية.
-هو نص على ان يتم عرض ذلك التقري بعدما يتم عرضه على المجلس الأعلى للسلطة القضائية معطيا للأسبقية لذا الأخير في الاطلاع على ذلك التقريري.
-هم من لم ينص على ان ضرورة و إلزامية ان تتم عملية العرض من طرف رئيس النيابة العامة ، كما هو الحال بخصوص رئيس المجلس الأعلى للحسابات الذي يلزمه الدستور بان يقدم ، هو كرئيس للمجلس المذكور، تقريرا أمام البرلمان وفقا للفقرة الأخيرة من الفصل 148 من الدستور.
ومن جهة أخرى، فرغم أن القانون التنظيمي الذي أعطى للبرلمان صلاحية مناقشة تقرير رئيس النيابة العامة لم يلزم هذا الأخير بتوجيه التقرير إلى البرلمان، فإن المبدأ الدستوري لتعاون السلطات يقتضي منه أن يتخذ المبادرة لوضع التقرير رهن إشارة البرلمان لتمكين لجنتي العدل والتشريع من القيام بمهمتهما المتعلقة بدراسة التقرير.
وبطبيعة الحال فإن وضع التقرير رهن إشارة البرلمان ليست إحالة دستورية مثل الإحالات المنصوص عليها في بعض فصول الدستور كالفصل 78 و132 و148 من الدستور، أو الإحالات المنصوص عليها في بعض القوانين التنظيمية كالمادتين 61 و109 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمادة 21 و22 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية.
ومن جهة أخرى، فإن المبادرات بتَعميم التقرير أو إحالته على أي جهة أخرى ترجع لرئيس النيابة العامة بوصفه السلطة الدستورية الملزمة بوضع التقرير، والمسؤول عن تنفيذ السياسة الجنائية. فهو الذي يقدم التقرير للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، علماً أن هذا المجلس يتلقى تقارير من جهات أخرى لا تنتمي للسلطة القضائية حددتها المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى لتلك السلطة كالوزير المكلف بالعدل ومؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة الدستورية، وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. وبالتالي فإن هذه التقارير تظل تقارير خاصة بالسلطات والجهات التي وضعتها أو أصدرتها ولا تعتبر تقارير للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. هذا الأخير حددت المواد 61 و108 و109 التقارير التي يصدرها هو كمجلس والتي يرجع إلى رئيسه حق إحالتها إلى الجهات الواجب إحالتها عليها، وحق تعميمها على باقي الجهات وعلى العموم حين يقتضي الأمر ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.