*أعز ما يطلب بالنسبة لزوار المدينةالمنورة والمسجد النبوي على وجه التحديد أن تتاح لهم فرصة أداء الصلاة والدعاء في الروضة الشريفة *في معرض أسماء الله الحسنى يوجه الشباب الذين يشرفون على المعرض والزيارات الزوار حسب اللغة التي يتقنونها والتي سيحدثهم بها المرافق
أعز ما يطلب بالنسبة للمسلمين زيارة الديار المقدسة، وأعز ما يطلب بالنسبة لزوار المدينةالمنورة، بل المسجد النبوي على وجه التحديد أن تتاح لهم فرصة أداء الصلاة والدعاء في الروضة الشريفة. كنت قد أشرت في الحلقة الثانية إلى أن الله عز وجل وفقني بعد صلاة فجر يوم الخميس 14 دجنبر، وصليت ركعتين في هذا المكان، الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه روضة من رياض الجنة، ولأن الشعور والمرء في هذا المكان بالذات يختلف عنه في أي مكان، بل حتى في المدينةالمنورة نفسها، التي كما حكيت سابقا تشعر زوارها وسكانها بالطمأنينة المفتقدة في غيرها من البقاع. (لهذا) عشت على أمل العودة إليه ما دمت في المدينةالمنورة، وأؤدي الصلوات الخمس في المسجد النبوي اغتناما للفرصة التي أتيحت ولكل المسلمين الذين أنعم عليهم الله بزيارة الديار المقدسة. كنت متجها رفقة الزميلين عبد الحميد جماهري، مدير تحرير صحيفة الاتحاد الاشتراكي، وعمر الدركولي، رئيس تحرير صحيفة العلم، إلى المسجد النبوي، واتفقنا على أن نؤدي صلاة العصر في مكان قريب من الروضة الشريفة عسانا نوفق في الولوج إليها، ونصلي بها ركعتين. لم يدر بخلد أي واحد منا أن نوفق في ذلك قبل أداء صلاة العصر، لكن ما حدث لم يكن في الحسبان، فعوض أن نصلي في مكان قريب من الروضة الشريفة تيسر لنا أمر الولوج بسهولة منقطعة النظير، استغربنا، نعم لم نصدق أنفسنا، كنا فرحين، اتضح ذلك لنا دون أن نتحدث في الموضوع لأننا داخل المسجد، وأي مسجد إنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعد تحية المسجد وفي انتظار الأذان انهمك كل واحد من الموجودين في الروضة الشريفة في تلاوة القرآن والدعاء والتسبيح، إنه تنافس شريف في مكان شريف، فالفرصة التي أتيحت لابد من اغتنامها، بعد انتهاء الأذان وأداء ركعتين ظل الخشوع مسيطرا على الأجواء، أجساد الناس جميعا في مكان واحد، لكن كل واحد منهم في خلوة لم تخرجه منها سوى إقامة الصلاة. أدى الجميع صلاة العصر، ثم انطلقت مرحلة الاستفادة الفردية من الوجود في مكان قال عنه الحبيب عليه أزكى الصلاة والسلام "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي". الناس في الروضة الشريفة غيرهم في أي مكان، وكما أشرت في الحلقة الثانية، فإن الشعور فيها يفوق الوصف، إن لم يكن عصيا عليه، فالمرء يتجرد من نفسه، يثور عليها، بل هو من يتحكم في تلك اللحظة، وكأنهما عاشا المرحلة التي نسميها تسليم السلط، شغل المرء الشاغل هو اغتنام الفرصة التي أتيحت له ولم تتح للكثيرين، فهي لحظة من اللحظات الخاصة جدا في حياة المرء، يعيش الفرد في الروضة الشريفة من أجل الصلاة والدعاء ثم الدعاء ولا شيء غير الدعاء وكله أمل في أن يحظى بالقبول. أهمية المكان والظرف تشعرك وكأنك لست أنت، بل وكأنك تمشي فوق السحاب، ليس تكبرا، ولكن من فرط السعادة، تحمد الله تشكره، تدعو لنفسك، ولمن حملك أمانة الدعاء، تشعر بانجذاب للمكان ترغب في البقاء أكبر مدة ممكنة، لأنك لست متيقنا من أنك ستعود خلال ما تبقى من زيارتك للمدينة المنورة، ووقت المغادرة في اتجاه مكةالمكرمة يزحف، لكن لا مفر من المغادرة، وفسح المجال لمن هم خارج الروضة ينتظرون فرصة العمر. غادرنا الروضة الشريفة، مررنا في اتجاه قبر الرسول عليه الصلاة والسلام من أجل التحية ومغادرة المسجد النبوي، في باحة المسجد هنأنا بعضنا وعبرنا عن سعادتنا بالتيسير الذي لم نتوقعه.
الروضة الشريفة تنادي من جديد تعددت المفاجآت خلال إقامتنا في الديار المقدسة، ومن بينها إخبارنا بأن المشرفين على التنظيم تمكنوا من الاستجابة لطلب تقدم به بعض أعضاء الوفد، وبالتالي صار من الممكن الصلاة في الروضة الشريفة بعد صلاة العشاء في زيارة خاصة يوم السبت 16 دجنبر الماضي. كان الخبر السعيد مسيطرا على الأحاديث الثنائية والجماعية، إنها زيارة الروضة الشريفة وفي ظروف مختلفة، الزيارة الخاصة أفضل ما يتمناه المرء، تشعر وأنت تتطلع إلى وجوه أعضاء مختلف الوفود العربية التي كانت لحظتها في فندق كراون بلازا أنهم ينتظرون صلاتي العصر والمغرب على أحر من الجمر ليقترب موعد صلاة العشاء ثم الزيارة الخاصة للروضة الشريفة. لا أدل على ذلك من أن كل الوفود حضرت إلى بهو الفندق قبل الموعد المحدد، أكاد أجزم أن الانضباط واحترام الموعد حدث لأول مرة، حلت ساعة الانطلاق، منا من لم يصدق نفسه وانطلق مهرولا، وإن لم يكن يعرف الجهة التي سنلج منها، كثيرون هم الذين رغبوا في أن يكونوا في المقدمة رغم أنهم كانوا على يقين أنهم سيصلون في الروضة الشريفة، إنه التنافس، لفت المنظمون أكثر من مرة إلى التريث وأخذ كبار السن بعين الاعتبار للحفاظ على تجمع الكوكبة. كان الله في عونهم ليس من السهل ضبط مجموعة تتكون من أكثر من مائتي شخص انتقلت قلوبهم قبل أجسادهم إلى مكان قلت عنه أعز ما يطلب. جرى الاتفاق ونحن في باحة المسجد النبوي على أن ندخل من باب الهجرة، ونصلي العشاء بين الجميع ونلتقي بعد ذلك في مكان جرى تحديده. حلت لحظة التجمع والانتظار وكان الكثيرون خلالها على عجلة من أمرهم، يتقدمون رغم أنهم لا يعرفون ما جرى الاتفاق بشأنه بين المنظمين والمسؤولين عن المسجد النبوي، وحتى لما طلب منا أن نجلس في انتظار لحظة الدخول إلى الروضة الشريفة بعد أن ينهي باقي الزوار دورهم هناك من لم يرحم نفسه بالجلوس وظلت عيناه شاخصتين ينتظر اللحظة الموعودة. في تقديري لم يكن ذلك من باب الفوضى، بل هو حالة نفسية خاصة، إنه التطلع إلى الصلاة في روضة من رياض الجنة، والإنسان في مثل هذه اللحظات يكون في وضع مختلف، لذلك قلت إن الإنسان في بعض المواقف غير الإنسان. كانت مدة الانتظار طبيعية فالزيارة وإن كانت خاصة فهي لم ولن تتم على حساب آخرين، وهو موقف تفهمناه واستحسناه أيضا.
خشوع وفرح طفولي حلت اللحظة المنتظرة، وها هي الروضة الشريفة تفتح لنا ذراعيها من جديد لعدد كبير منا، لكن الوضع مختلف ليس هناك ازدحام على الإطلاق. شرع الناس في أداء الركعتين في هدوء وسكينة ثم الدعاء في خشوع لافت، في الروضة الشريفة لا ينقطع الدعاء والابتهال إلى الله عز وجل، وأنت في لحظة خشوع تخفي الفرح الطفولي الذي بداخلك، وحتى إن بدا عليك فلن يلاحظه الآخرون، فكل واحد منشغل بالدعاء، واغتنام الفرصة التي أكرمه بها الله سبحانه وتعالى. نعم الخشوع هو سيد الموقف، والدعاء ثم الدعاء وبعده الدعاء، فالفرصة أكثر من سانحة والمدة التي قضيناها فوق ما يتوقعه المرء، تنسى من هم بجانبك وتفكر في كل الذين حملوك مسؤولية الدعاء لهم وتتذكر كل الأدعية التي تحفظها عن ظهر قلب، وكل ما تأمل أن يتحقق. تحمد الله تشكره وتكرر الفعل أكثر من مرة، وكل أمل أن تحظى دعواتك بالقبول. أخبرنا المنظمون بضرورة المغادرة، اللافت هو أنه بقدر ما كان الناس يستعجلون الدخول كانوا يتثاقلون عندما جرت دعوتهم لمغادرة الروضة، هناك من واصل الدعاء ومن آثر التقاط صور للذكرى كل واحد له سبب مقنع على الأقل بالنسبة إليه للتأخر في مغادرة المكان. كان الكل فرحا ونحن نغادر الروضة بل إن علامات الفرح "الطفولي" ظلت مرسومة على الوجوه حتى الوصول إلى الفندق، حيث كانت الصلاة في الروضة الشريفة والدعاء بها خلال الزيارة الخاصة مسيطرة على الأحاديث خلال تناول وجبة العشاء، وكان الكل مزهوا خلالها.
زيارة معرض أسماء الله الحسنى كنا نعلم قبل السفر أن البرنامج يتضمن زيارات ولقاءات من بينها زيارة معرض أسماء الله الحسنى، بعد صلاة مغرب يوم الأحد 17 دجنبر توجهنا من المسجد النبوي غربا حيث معرض أسماء الله الحسنى، وهو من المزارات التي تشهد إقبالا مهما، بعد اكتمال العدد جرى تقسيم الحضور إلى مجموعتين، ونحن ننتظر موعد الولوج لفت انتباهنا أن الشباب الذين يشرفون على المعرض والزيارات يوجهون الزوار حسب اللغة التي يتقنونها والتي سيحدثهم بها المرافق من بين اللغات التي تسللت إلى أذني "أوردو"، جرى تكرارها عدة مرات. دقت ساعة الدخول وخلالها ولجنا إلى قاعة الاستقبال ولأن العدد كبير استعان المرشد بمكبر صوت ظل يحمله طيلة الزيارة. في القاعة الأولى للمعرض (قاعة التعريف) جرى عرض عدد من المقدمات التي تخص أسماء الله الحسنى وهي: أن العلم بأسماء الله الحسنى من أشرف العلوم، وأن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه، وأن من أحصى أسماء الله الحسنى دخل الجنة، ومعنى الإحصاء، ثم جرى عرض المجموعة الشمسية ومجموعة من الكواكب الأخرى. ثم جرى في القاعات الأخرى التعريف بمعاني أسماء الله الحسنى وسميت كل قاعة بما تدل عليه الأسماء، إذ هناك قاعة المحبة والحياء، وقاعة الخوف والخشية، وقاعة التعظيم والإجلال ثم انتقلنا إلى قاعة العرض البانورامي قبل الوصول إلى قاعة الوداع، حيث يحيي المرافق وفد الزوار في انتظار وفد آخر. ويجري خلال الزيارة المزج بين ما يقوله المرافق والعرض ما يشد الزائر أكثر طيلة تجوله في المعرض، الذي جرى افتتاحه عام 2014. بعد مغادرة المسجد عدنا إلى المسجد النبوي لأداء صلاة العشاء، فكما قلت في السابق راعت البرمجة أهمية الصلاة في المسجد النبوي التي تعدل 1000 صلاة لذلك كانت الزيارات تنتهي في وقت يسمح لنا بذلك.
في الحلقة المقبلة لقاءات وصلاة الاستسقاء في المسجد النبوي يوم المغادرة اتجاه مكة المكرمة