العديد من الموريتانيين والمغاربة الصحراويين ماتوا تحت التعذيب أثناء اعتقالهم من طرف البوليساريو في مخيمات خصصت للمحتجزين أشبه بمعسكرات إرهابية مغلقة، في تندوف، فوق التراب الجزائري. مدن الزويرات، وانواذيبو، والمناطق الشمالية لموريتانيا، كلها تعرض سكانها للاختطاف من طرف ميلشيات البوليساريو من أجل تكوين شعب لقيط "لأني أحد ضحايا جلادي البوليساريو، جمعت في ذاكرتي ما استطعت من صور من أدمت سياطهم أجسادنا ظلما وعدوانا ودون رحمة ولا شفقة، صور التعذيب تلك صدم لهولها وبشاعتها أغلب الصحراويين"، يقول أحد العائدين من جحيم البوليساريو، فضل عدم ذكر اسمه حفاظا على كرامة أبنائه المقيمين حاليا في مدينة العيون. يحكي أنه كان له صديق حميم يسمى سالم بركة محمد مولود امريزيك، استقطبته المخابرات الجزائرية من فرنسا، وأقنعته أن يكون أول صحراوي من العمال المهاجرين بالديار الأوروبية يقرر الانضمام للبوليساريو، وعملوا على إقناعه بطريقة رهيبة، جعلته مجبرا على مغادرة حياة الأمن والرفاهية بفرنسا، والعودة إلى مخيمات البوليساريو وعذاب الصحراء. يقول صديقه "نفذ رغبة المخابرات الجزائرية تحت الضغط وليس عن طيب خاطر، لأن المخابرات الجزائرية كانت تبحث عن شخص ذي مواصفات وجدتها في سالم، إذ كانت تريد أن تجد شخصا يتحدر من الصحراء المغربية، ويحظى بسمعة طيبة في فرنسا وذا مصداقية، حتى يرسلوا رسالة واضحة إلى المسؤولين الفرنسيين، مفادها أن هناك من الصحراويين من يريدون العودة إلى البوليساريو، رغم قساوة العيش هناك لتحقيق حلم البوليساريو، وأن قصة الوهم الجزائرية هي قصة حقيقية، عليهم الاهتمام بها والتضامن معها". سافر سالم بركة من فرنسا إلى مطار الجزائر العاصمة عن طريق المخابرات الجزائرية، ثم بعث مباشرة إلى تندوف، وتلقى تدريبا عسكريا هناك وبقي في المخيمات. وذات مساء، رجع إلى خيمته، ووجد عند زوجته أحد عناصر مخابرات البوليساريو، وكان يعلم أنه دائما كان يأتي لخيمته بعد خروجه، وكان يشك بأنه يربط علاقة مع زوجته التي ذاقت حياة الرفاهية في فرنسا. اشتد حينها غضبه، لكنه يعلم أن ذلك الشخص له من نفوذ السلطة لدى البوليساريو ما يجعله يفعل ما يشاء بكل سكان المخيمات المحتجزين. طرده سالم وهدده بأنه إذا وجده في خيمته مرة أخرى فسيغتصبه بالقوة وسيضاجعه كما يضاجع زوجته. خرج عنصر المخابرات مستهزئا من وعيد سالم، وبعد أسبوع من الحادث، اختطف سالم بركة من خيمته في منتصف الليل على يد ميلشيات من كلاب القيادة، وتعرض للتعذيب على يد المخبر الذي طرده من خيمته، ونكل به وعرضه لتعذيب وحشي. كان ذلك في نهاية 1977، حتى فارق الحياة تحت التعذيب، وترك زوجته حاملا، وضعت بعد حادث الاغتيال طفلة لم يكتب لها أن ترى والدها إلى جانبها يحضنها ويرعاها. وبعد اغتياله ظلت زوجته لا تعرف عنه شيئا لمدة ثلاث سنوات، حتى توصلت من أحد الصحراويين المحتجزين برسالة طلاق موقعة من طرف قيادة البوليساريو، يشعرونها فيها أنه يمكنها أن تتزوج، دون أن تعرف شيئا عن مصير زوجها الأول، الذي هاجرت معه من فرنسا إلى المخيمات، إلا بعد مرور أكثر من 5 سنوات على حادث الاختطاف والاغتيال. وتقاسمت القدر التعيس مع ابنتها اليتيمة، التي عاشت في مخيمات الذل والهوان أكثر من 18 سنة، دون أن تنسى قتلة أبيها، وبعد أن نضج وعيها، فكرت الشابة في الهروب من جحيم المخيمات ولم تفلح، إلى أن اهتدت إلى طريقة مضمونة، وهي تقدمها بطلب المشاركة في برنامج تبادل الزيارات الذي ترعاه الأممالمتحدة، إذ زارت الشابة اليتيمة جدها وأعمامها وعماتها المقيمين بمدينة طنطان، وفضلت عدم العودة إلى المخيمات، وعاشت معهم سنوات، إلى أن انتقلت رفقة عمها إلى العيش بمدينة مايوركا الإسبانية، وهي تكره قيادة البوليساريو، الذين قتلوا والدها ظلما وعدوانا. في غياب ابنتها، التي تمكنت من الهروب من جحيم المخيمات، استسلمت زوجة سالم لقدرها التعيس، الذي فرض عليها قبول حياة الذل والهوان في مخيمات يسيرها أناس ليست لهم كرامة ولا إنسانية، وقضت باقي عمرها في تندوف، بعدما استحال عليها الفرار من جحيم البوليساريو.