سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في قدومنا إلى مدينة 'طلوشة' تولوز حاليا: ما وقع لي فيها من مناظرات مع القساوسة رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب لأحمد بن قاسم الحجري الأندلسي المعروف بأفوقاي
باعتبار "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب الكتاب"، أقدم رحلة مدونة باللغة العربية كتب بعد صدور قرار النفي على الأندلسيين، وورد فيها وصف فرنساهولندا ومدنهما الكبرى، ارتأت "المغربية" نشر فصول منه في حلقات. مشيت إلى بلاد "طلوشة" تولوز حاليا، وهي من المدن لكبار بفرنجة على شاطئ النهر العظيم الذي يمر منها إلى برضيوش على النهر في قارب وليلة قبل يوم السفر رأيت في النوم جماعة شياطين تدور بي من كل جانب فجعلت أقرأ "قل هو الله أحد.."، وأشير إليهم فتهرب الشياطين عني، ثم ترجع إلي وأنا أعيد قراءة وتذهب عني، فأصبحت متغيرا من أجل الرؤيا، وقلت الشياطين عداء في لتأويل. وركبت في القارب، ونويت أقرأ في ذلك اليوم سورة "قل هو الله أحد" ألف مرة، وأدع الله تبارك وتعالى، وببركتها يدع عني شر الأعداء. وكان القارب عامرا بالرجال، وبينهم قسيسان مترهبان، وعرفني واحد من الذين كانوا بالقارب، وكنت، كما تقدم، حين دخلت روانا لبست للضرورة لباس الفرنج، وذكرني للقسيس، فناداني وقال لي: إجلس بإزائي، فجلست، فقال لي أنت مسلم، قلت: مسلم لله الحمد، وكان يتكلم بلسان الطليان، وهو قريب من لسان بلاد الأندلس الأعجمي. قال لي: لقيت في البندقية بعضا من أهل دينكم فرأيتهم يعملون شيئا كأنه عبثا لا أصل له في دين، قلت: ماذا رأيت منهم؟ قال إذا نزلت بهم نجاسة أو بول يغسلون ذلك المحال بماء، فسألتهم عن السبب لموجب لذلك فلم نجد عندهم خبرا، وقلت له السبب في ذلك أن كل مسلم عليه غرض أن يصلي لله تعالى في كل يوم خمس صلوات، كل صلاة في وقتها، ما بين الليل والنهار، ومن فرائض الصلاة أن يكون طاهرا في جسده ولباسه، لأنه يناجي الله ربه، وينبغي أن يكون على أفضل حالة، ولما كان يخرج من الإنسان من السبيلين نجسا بسبب الشجرة التي أكل منها أبونا آدم عليه السلام من فاكهتها ما نهاه الله عنها ومن أجل ذلك رجع جسده يدفع ما يخرج منه ما لا كان قبل فورتنا ذلك، فإذا وقع شيء مما يخرج من الجسد ثوبه أو لحمه يزيله بالماء الطاهر، ليكون الإنسان بحضرة مولاه طاهرا. وما في باطنه ينبغي له ألا يتفكر فيما يقرأه وهذا هو الأصل، والسبب الموجب في غسل النجاسة. فاستحسن الجواب غاية حتى قال للذين كانوا في لقارب بلسانهم كلام الخير عني. وبحثني في مسائل دقيقة ونسيتها. ولما صدر منه أنه قال لأصحابه عني خيرا وأنا على غير دينه فما رآني في نفسه من الرأي إلا أن أشد وأقوى، إذ لم يكونوا نصارى. قال ذلك لتكون عقوبتهم في لآخرة أشد وأقوى، إذ لم يكونوا نصارى. قال ذلك أيضا بلسانهم. وكنت أفهمه. وكان من الحق أن أقول له حين ذكرت أن الإنسان يحتاج أن يكون طاهرا في الباطن. بأن أقول له: طهارة القلب بألا يكومن مشركا بالله. وكان مع الراهب صاحبه على الرهبانية، ومذهبه وكان يقول بلسانه أن يتكلم معي بالتثليث في الألوهية ويجيب ويقل له: ما يليق ذلك. ومشينا اليوم كله، وعند المغرب خرجنا جميعا من القارب إلى دار منزلة بحاشية الواد، وكنت في أعلى الدار في موضع خارج عن البيت الذي نزلنا فيه أقرأ لأتم الألف من "قل هو الله أحد" وبعثت للقسيسين شيئا من الخبز معجون بسكر وبيض، وناداني وقال أنا صائم هذه الأيام، هذا الذي بعثت لي فيه بيض، ولا نأكل ذلك في أيام الصوم. واشتغل يذكر ما هو فيه من مخالفة النفس، وأنه لا يلبس كتانا، ولا يأخذ بيده دراهم، ولا يأكل كثيرا، وأخذ في مدح نفسه ومذهبه. فقلت له مثلك ما يجد الشيطان والنفس سبيلا للوسواس ظاهرا، إلا إذا كان على وجه الحسنة. قال كيف من باب الحسنات، لأني ما فهمت ذلك؟