باعتبار "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب الكتاب"، أقدم رحلة مدونة باللغة العربية كتب بعد صدور قرار النفي على الأندلسيين، وورد فيها وصف فرنساهولندا ومدنهما الكبرى، ارتأت "المغربية" نشر فصول منه في حلقات. الحلقة الحادية عشرة نظرت إليها، ونزل بها فرح وانشراح، كأن زال من قلبها غشاء. وقالت علي بحسن الكلام، وذهب عنها الغيظ والغضب الذي كان فيها للمسلمين، وقالت لي كم سنة ظهر في الدنيا نبيكم؟ وهل هو تاريخ السنين من ميلاده كما هو عندنا من ميلاد عيسى عليه السلام؟ قلت: بلغ حساب تاريخ أهل ديننا في هذه السنة إحدى وعشرين وألف من الهجرة، وهي السنة التي خرج فيها نبينا (ص) من مكة لشهرة دين الله تعالى. قالت: والسنة عندكم كعادتنا في أيامه؟ قلت لها: أما السنة عندكم فهي شمسية، وفيها من الأيام ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم، والسنة عندنا فهي قمرية وفيها من الأيام ثلاثمائة وأربع وخمسين يوما بتقريب. قالت: والنساء عندكم محجوبات؟ قلت لها نعم، قالت: وكيف يكون العشق عند البنات ومن ينكحهن؟ قلت لها: لن يراها أحد ممن بخطبها حتى تكون له زوجة. ومعنى قولها وسؤالها عن العشق: قد تقررت العادة ببلاد الفرنج والفلمنك أن كل من يريد أن يتزوج بنتا فهو له مباح من قرابتها أن يزورها وينفرد بها للكلام لتحصل المحبة بينهما، فإذا ظهر له أن يخطبها، وللبنت أيضا، حينئذ يقع الكلام على النكاح. وإذا ظهر له غير ذلك فلا يلزمه شيء فيما فات من مخالطتها. وقد يكون للبنت غير واحد من يزورها على الوجه المذكور. ووجب للمسلم أن يشكر الله على دين الإسلام ونعمته وصفائه. وأما ما ذكرنا للبنت في شأن الأصنام، فقد قال في التوراة التي بأيديهم الآن، أعني بأيدي اليهود والنصارى، قال في الكتاب الثاني المسمى بالأشظ في الباب العشرين منه: قال سيدنا موسى عليه السلام إن الله تعالى أمره أن ينزل من جبل الطور، وأن يقول عن الله تعالى لبني إسرائيل: أنا إلهكم أخرجتكم مصر من ديار لأسر، لا تتخذوا آلهة غيري، ولا تعملوا صورا من صور السماء العلية ولا من صور الأرض ولا من تحت الأرض، لا تسجدوا لها، ولا تعبدوها لأني إلهكم، غيور، ولا تحلف حانثا. الثالث: قال: وعظموا المواسم. والرابع: وأطع والديك، ليطول عمرك. الخامس: لا تقتل. السادس: لا تزني. السابع: لا تسرق. الثامن: لا تكذب، ولا تشهد بالزور، لا تفتري. التاسع: لا تتمنى دار صاحبك، ولا زوجته، ولا ماله. وهذه الأوامر أخذها النصارى من التوراة، وزاد العاشرة، وقالوا: العاشر: أن تحب الله فوق كل شيء، وتحب لغيرك ما تحب لنفسك. فهذه العشرة أوامر الربانية، فالملل الثلاثة متفقون عليها وهي عندنا في القرآن العزيز متفرقة. والنصارى لم يعلموا بالأمر وهو الأصل. وقد نهى النبي (ص) عن الصور، وقال: المصورون في النار. وقال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صور. والحمد لله الذي جعل الملة المحمدية نقية سالمة من هذا الذنب العظيم.