باعتبار "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب الكتاب"، أقدم رحلة مدونة باللغة العربية كتب بعد صدور قرار النفي على الأندلسيين، وورد فيها وصف فرنساهولندا ومدنهما الكبرى، ارتأت "المغربية" نشر فصول منه في حلقات. الحلقة الثانية عشرة اعلم إنها من أعظم مدن فرنجة على حاشية نهر عظيم، وفيها ثمانون قاضيا ومائتي وكيل، والمفتون، والكتاب بلا حساب، وفيها ديوان يحكم على كثير من البلدان، ومما وقع لي مع بعض القسيسين غي دار قاضي الأندلس، جاء إليها قسيسان لقضاء غرض قيل لهما عني أني مسلم، وجاءاني، وقالا لي: أنت مسلم؟ قلت لهما: نعم، قالا: تعتقدون أن في الجنة أكلا وشربا وتنعما مثل ما في الدنيا. قلت لهما: لم تنكران ذلك؟ قالا لأن من تفل الطعام تكون النجاسة، ومن المحال أن تكون النجاسات فيها. قلت لهما: أما عندكم في كتبكم أن الله تبارك وتعالى حين خلق أبانا أدام عليه السلام أذن له أن يأكل من جميع الفواكه في الجنة، إلا من شجرة واحدة، قال له: لا تأكل منها، لأنك إذا أكلت منها تموت. قالا: هكذا هو. قلت لهم: لولا أكل من الشجرة لكان فيها الآن، قالا نعم هو كذلك، قلت: فكان يأكل من الفواكه ولم يعمل له تفلا، وكذلك لو بقي إلى الآن. وأما التفل ما كان إلا من فاكهة الشجرة المنهى عنها، وكذلك رجع أبونا أدام عليه السلام وجميع من كان من أهل السعادة من أولاده يأكلون فيها، ولا تخرج منهم نجاسة أبدا. قالا الجنة التي كان فيها أبونا أدام كانت في الأرض، والتي تمشي إليها الناس في الآخرة هي السماء قلت: ما كان أبونا أدم عليه السلام إلا في السماء لأن كل ما يكون في الأرض لا يسقى بجنة لأنه مقهور بالعناصر الأربعة، ولابد من التغيير بسببها، ولا بد من النور والظلمة، والجنة من السماء ليس فيها تغيير ولا ظلمة. وهذا برهان أن سيدنا أدم عليه السلام كان في الجنة من السماء، فبهت الذين كفروا. واعلم أن النصارى واليهود يقولون بما في الباب الأول من التوراة. قال إن الله تبارك وتعالى حلق أدم عليه السلام في جنة الأرض، وفيها أشجار تسقى بغير ماء، ومنه تخرج أربعة أنهار، وهي: النيل، والفرات، وقيصون، والدجلة. وهذه الأنهار معروفة الآن أن كل نهر في بلاد مختلفة عن غيره، ومعروف ابتداؤه. وهذا دليل أن هذا النص باطل بالبرهان، مثل الشمس. ومعنى الأحاديث النبوية في ذلك_والله أعلم_ أنها تخرج من الجنة، فيفهم ذلك من البركة التي أودعها الله تعالى فيها لأن الاعتقاد في الجنة أنها في السماء لا في الأرض، والأنهار ابتداؤها وانتهاؤها على الأرض.