باعتبار "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب الكتاب"، أقدم رحلة مدونة باللغة العربية كتب بعد صدور قرار النفي على الأندلسيين، وورد فيها وصف فرنساهولندا ومدنهما الكبرى، ارتأت "المغربية" نشر فصول منه في حلقات. الحلقة العاشرة سألتني: هل عندي امرأة في بلادي؟ قلت لها: عندي، ثم قالت: وتتزوجون أكثر من امرأة؟ قلت لها؟ جائز ذلك في ديننا، ثم قالت: هل عندك أولاد؟ قلت لها: عندي، وقلت في نفسي: علمت ذلك تنقص المحبة، فلم تنقص شيئا، ورأيتها يوما زينت نفسها وكانت ترعاني، وليس لي خبر بما أضمرت، وسرت إلى الجنان. والبساتين بتلك البلاد ما لها حيطان للتحويط، بل يحفرون خندقا دائرا بالبستان، غريقا لمنع الناس من الدخول إليه إلا من الباب. وسمعتها تنادي، فجئت من داخل الجنان إلى حاشية الخندق، وهي واقفة على الحاشية من الجهة الأخرى، وطريق صغير هابط إلى قعر الحفرة وطالع إلى الجنان. والخندق الكل عامر بالأشجار البرية حتى لا يظهر قعره إلا في بعض الموضع. فتكلمنا هنالك، وفهمت من حالها لا يخفى وتكلم بعض أصحابي في الجنان وقرب من جهتي، وذهبت، وفكني الله بفضله وإحسانه وحمايته وتوفيقه الجميل. وأستغفر الله من الكلام الذي صدر مني، إنه غفور رحيم.. وجاءت بنت من أكابر الفرنج من مدينة فنتي إلى زيارة صنم بقرب المنزل الذي كنا فيه. وبعد الزيارة جاءت إلي امرأة القايد، والبنت التي فرغنا من الكلام عليها. فأقبلوا عليها. وبعد الطعام نادوني، وأعطوني كرسيا، وجلست، وزوجة القائد عن يميني، والبنات قبالتي، والتي جاءت إلى الزيارة كانت أجمل وأزين من التي كانت في الدار، وفي حال لباسها ظاهرة أنها من الأكابر. ومعها بنتان تخدمانها. وقبل أن ينادوني أعلموها بي. ولما جليت نظرتني شزرا، وأظهرت في وجهها الغضب، وقالت لي: أنت تركي؟ قلت لها: أنا مسلم، الحمد لله، قالت: كيف بكم لم تعرفوا الله؟ قلت لها: الملمون يعرفون الله خيرا منكم، قالت: خير منا، قلت لها نعم قالت لي: بما تثبت ذلك؟ فنظرت إليها، ورأيت تحت إبطها كتابا كما هي من عادة بنات التجار والأكابر من الفرنج، كل واحدة تحمل كتابا، مثل تهليل، وفي كل واحد خمسة أدعية أو سور، التي هي فرض على كل بالغ حفظها. قلت لها: البرهان بما قلت في كتابك الذي عندك، و به تثبت ما قلت لك. فأخذت الكتاب ووضعته بين يدي على المائدة، وقالت: هاهو الكتاب. قلت لها: أنظري العشرة الأوامر الربانية. ففتشت في الكتاب، وقالت: ها هي. قلت لها: اقرئي الأمر الأول من العشرة في دين الله فقرأت، وقالت: الأمر الأول من العشرة: قال الله تعالى: لا تعمل صورا، ولا تعبدها، أعبد الله وحده. ولما قرأته قلت لها: المسلمون ما يعلمون صورا ولا يعبدونها ويتحفظون من ذلك... وكذلك الرسامون الذين يرسمون ويزوقون ديار الملوك والجوامع، ولم يصوروا أبدا شيئا فيه روح. قالت: ليس عبادتنا للأصنام لذاتها، إنما ذلك للمشبه به. قلت لها: كان لي كلام أقوله لك في الشبيه والمشبه، ولكن اتركه لنحرك لمسألة أخرى لن تجدي لها جوابا. قالت: ماذا هي؟ قلت لها: الأمر الرباني بالنص قال: لا تعلموا صورا، ولا تعبدوها، قالت: نعم، قلت لها: تعملون أصناما أم لا؟، فكان لها إنصاف للحق وعقل، ونظرت إلى النساء، وقالت لهن: غلبني وما وجدت بما أجاوبه به.