يتساءلون على نحو متذمر، بعدما طرقوا أبواب المعنيين للاستفسار عن مستجدات ملف إسكانهم، ليصرحوا أنهم "سئموا الانتظار في ظل اضطرارهم العيش بدور تنذر بمآس إنسانية". مشهد عام للمدينة القديمة بالبيضاء هكذا حاول بعض سكان المدينة القديمة في الدارالبيضاء التعبير عن واقع حالهم، ل"المغربية"، كما أن "قضية نقلهم من الأحياء القديمة كان مرتبطا بشهر مارس الماضي، غير أن جمود المساطر الإدارية حاليا للحسم في ملفهم لا ينبئ بأي تغيير وشيك"، حسب ما عبر عنه البعض بلهجة متوترة. السكن ب"ملعب رياضي" أو "مؤسسات تعليمية"، بدعوى الحل المؤقت لمجموعة سكان تتهددهم مبانيهم المتهالكة بالموت، ليس واقعا مبشرا، يقول بعض سكان درب باشكو ل"المغربية"، في محاولة منهم رصد القلق الذي يعيشونه، خاصة بعدما لامسوا أن المساطر الإدارية التي بدأت قبل أشهر لم تأخذ منحى الاستعجال، للحسم في قضية إسكانهم بشكل نهائي. "المغربية" تحدثت إلى بعض سكان درب "باشكو" وسكان درب "المعيزي" ودرب "السينغال"، الذين لم يترددوا في القول إن "أقصى حد لمعانتهم هو الموت تحت ركام الحجارة" وهو حدث عاشوه أكثر من مرة، إثر تهدم عدد من المنازل فوق سكانها، ما يعني أن "هذه الفاجعة هي أكبر سبب يدفع بالمعنيين إلى التعجيل في حل قضية السكان المتضررين من الدور المتصدعة"، يضيف السكان بلهجة مشوشة. بين جدران مشبعة بالرطوبة يركن بعض السكان أغراضهم القديمة، تحسبا لأي طارئ، وفي تلك المساحة الضيقة لمنازلهم، يتنقلون بين غرفة وأخرى لعلهم يتفادون تساقط شذرات من أسقف متقادمة على رؤوسهم بين الفينة والأخرى. "فكما يضيق بهم الخناق مع قلة الإمكانيات، يتحايل السكان على ظروفهم المريرة بمحاولات بسيطة، غالبا ما تساعد بقدرة إلهية في تجاوز المحنة مؤقتا"، يفيد هؤلاء السكان كأنهم يؤكدون تحديهم للحياة بكل ما تحمله من معاناة، وإن كان الصبر ليس كافيا لمتابعة خوض غمار حرب لا تضمن انتصارهم دائما. في تحد للواقع بين أزقة درب "باشكو" هناك آثار لبعض المنازل التي هدمت جراء استفادة سكانها من مساكن بديلة، ومنازل أخرى مازالت قائمة لأسباب لا يدركها السكان أنفسهم، رغم الخطر الذي يكتنف جدرانها الآيلة للسقوط في أي لحظة، وهنا مكمن حيرة وقلق السكان الباقين في الدرب، بعد أن منعوا من إجراء أي إصلاح أو ترميم إثر صدور قرار بالإفراغ، لكن دون أن يتوصلوا بقرارات مكتوبة تنص على ترحيلهم في أجل محدد. التجول في أنحاء دروب المدينة القديمة، يوحي للزائر بقتامة الفضاء الذي تعتريه الفوضى، خاصة أن الكثير فضلوا الإقامة في خيمات بلاستيكية بجوار دورهم المتهالكة، وآخرون أجبروا على البقاء فيها تفاؤلا بأن "الأزمة" قصيرة المدى ستنتهي على مراحل، مادام غيرهم استفاد قبلا. إن ازدياد عدد الخيمات على نحو مضطرد، دليل على تفاقم وضع المباني وتمدد هوة التشققات بها، ومن ثمة ارتفاع عدد المتضررين، في غياب حلول سريعة تحد من اتساع رقعة الخيم"، يفيد سكان ل"المغربية" محاولين الكشف عن خفايا معاناتهم مع تلك المنازل المتصدعة والخيام المتمزقة بفعل التقلبات المناخية (رياح وأمطار وحرارة الشمس)، وتحت ضغط هذه الإكراهات الاجتماعية يلحون أن يتدخل المعنيون بملف إسكانهم قصد تمكينهم من المساكن البديلة التي أصبحوا يعتبرونها "مطمحا صعبا"، خاصة أن "الفقر ينحت في أنفسهم أزمات نفسية مثل القلق والتذمر واليأس"، وهم بهذا لا يملكون غير انتظار ما ستسفر عنه الأيام، أو الخروج للاحتجاج للتعبير عن حجم حاجتهم لاستقرار اجتماعي. استفسارات وتساؤلات حينما تلقى بعض السكان أخبارا حول تحديد عدد الشقق الممنوحة للمستفيدين في 39 شقة خلال المرحلة المقبلة، بدل 350 شقة، ثارت حفيظتهم من جديد، ليطرقوا الأبواب مرة أخرى لعلهم بسعيهم يستطيعون استيعاب المجريات، لكنهم اصطدموا حسب ما رووه ل"المغربية"، أن "مسألة ترحيلهم عن دورهم المتصدعة واردة في كل الأحوال، لكنها غير مرتبطة بمواعيد محددة، أو إجراءات مسطرة في برامج استعجالية، للتخلص من مشاكل المدينة القديمة"، يقول بعض السكان بأسلوب ينم عن استغراب. من جهة أخرى، صرح عبد الغني الكرد، رئيس جمعية "الإخاء والتضامن"، ل"المغربية"، بالقول إن "العديد من السكان منعوا من إصلاح بيوتهم المتداعية للسقوط بحجة أن هناك قرارات إفراغ، تقتضي ترحيل سكانها مقابل تعويضهم بمساكن بديلة، لكن هؤلاء السكان وجدوا أنفسهم مجبرين على كراء شقق أخرى أو الإقامة مع أهاليهم". وأضاف الكرد، أن "السكان يتساءلون عن موعد تمكنيهم من هذه الشقق البديلة التي على إثرها أذعنوا لقرارات الإفراغ دون أي امتناع، خاصة بعدما قدمت لهم وعود بأن هناك 350 شقة ستوزع على المستفيدين في شهر يناير الماضي". في السياق ذاته، ذكر الكرد أن الشقق المزمع منحها للسكان لم تتجاوز 39 شقة، غير أن هؤلاء المعنيين بالاستفادة لم يتوصلوا بدورهم بأي ضمانات تحسم في إسكانهم وفق موعد محدد". وأفاد الكرد أن جمعية "التضامن والإخاء" تحرص على التنسيق مع سكان المدينة القديمة، بخصوص ملف إسكانهم، بشكل يراعي خصوصيات كل أسرة معنية، قصد تسهيل إجراءات ترحيلهم، في انتظار تدخل المسؤولين لإتمام باقي الإجراءات". وأوضح أن "الجمعية استطاعت تهدئة السكان الذين ضاقوا ذرعا من الترقب، كما تمكنت من خلق تواصل بين جميع الأحياء والدروب القديمة، وهو الأمر الذي ساعد في وقت سابق المعنيين التعرف على واقع الأسر المتضررة من المباني المتهالكة، خاصة أن هناك ملاكا أصليون وآخرين مكترون". وأكد الكرد أن " الدائرتين 4 و1 هما المعنيتان ب 39 شقة، التي قيل إنها ستوزع قريبا، في حين هناك العديد من الأسر تجهل مصيرها، رغم توفرها على كل الشروط المخولة لها بالاستفادة، ما قد يسفر عن خروج السكان للمطالبة بتسريع وتيرة تعويضهم. ولم يغفل الكرد القول إن "المنتخبين وممثلي المواطنين، لا بد لهم من التدخل لتسهيل تدابير تعويض سكان المدينة القديمة، بما فيها تسهيل تلك العراقيل التي تعترض ملفاتهم عند طلب قروض بنكية، إذ تتأخر الإجراءات أحيانا، فيتحمل تبعاتها سكان المدينة المعوزين". حلول عالقة إن مجمل المشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها أحياء ودروب المدينة القديمة، فرضت على سكانها مجابهة الظروف، إذ خرجوا في وقفات احتجاجية سابقة للتأكيد أن مشاكلهم عديدة، وحلولها ضعيفة، إن لم تكن صعبة، وهم متطلعون إلى حدوث نقلة نوعية في حياتهم الاجتماعية، على الأقل إلى حد بلوغ الاستقرار النفسي، بدل العيش في متاهات الحيرة والقلق. لقد جعلت إكراهات الزمن، إلى جانب الواقع المتردي الذي تنعكس تجلياته في تلك المباني المبقعة بالرطوبة والمتآكلة جدرانها والمرقعة أسقفها بالمتلاشيات والخردة، سكان المدينة القديمة يتأرجحون بين الأمل في تحسين أوضاعهم، وبين اليأس وصمت المسؤولين عن ملفات إسكانهم، ومع ذلك يؤكدون تشبثهم بما وصفوه ب"الحق غير التنازل عنه"، لأنه وليد حاجة ملحة وليس اختيارا مزاجيا. إن السكان، حسب ما استشفته "المغربية" عند تكرار زيارتها لهم في عدة مناسبات سئموا من تناثر الحجارة فوق رؤوسهم كلما هبت رياح قوية أو تساقطت الأمطار، والانتقال إلى مكان بديل ينأى بهم عن مخاطر الموت تحت الركام، هو ما يصبون إليه بحماس، لهذا فأولئك الذين حصلوا على وعود بتعويضهم، متوترون من تأخير عمليات الترحيل، فيما أولئك الذين لم تدرج أسماؤهم في لوائح المستفيدين، خائفون من "المصير المجهول". في الإطار نفسه، حاولت "المغربية" الاتصال بشركة "صونداك"، لمعرفة معلومات حول ما يتداوله السكان بينهم في تأخر مساطر ترحيلهم، غير أن أحد المسؤولين بالشركة تحفظ عن الإدلاء بأي تصريح، بدعوى أنه غير مرخص له بذلك وأن المسألة تحث على رفع طلب للحصول على إذن، لمد "المغربية" بالمعلومات. كما اتصلت "المغربية" بمقاطعة سيدي بليوط، للأخذ برأيها، خاصة بعدما قال السكان إنها "هي الأخرى تتحمل جزءا من المسؤولية حول ملف إسكان سكان المدينة القديمة"، ليتعذر الحصول على أي جواب، بعد محاولات اتصال متكررة. فالحديث مع سكان المدينة القديمة على اختلاف دروبها، مثل درب "باشكو" ودرب "الفصة" ودرب السينغال" ودرب "المعيزي" ودرب "الرماد" وغيرها، يكشف عن قصص اجتماعية مريرة، يعبر عنها البعض "بنبرات متوترة وإيماءات حائرة"، في تأكيد أن أوضاع الناس في هذه الدروب القديمة، أصعب بكثير، لا يعيها إلى من اضطرته الظروف إلى ترك بيته وهو يحمل في نفسه أملا بالاستقرار، ليلجأ إلى أقربائه أو الكراء، في انتظار غير محسوم لمسكن بديل، صار بلوغه "أمرا شاقا"، حسب ما عبر عنه السكان ل"المغربية" بلهجة قانطة.