قال الشاعر والروائي والقاص، محمد نوماق، إن "الكتابة خيوط تنسج من أحداث حياتي اليومية، لتشكل عباءة تصوف شعري تلبسني، كلما فاضت مشاعري، وتقمصني وحي الشعر. وأضاف أنه لا يملك طقوسا ومراسيم للكتابة، مبرزا في حوار مع "المغربية" أن قلمه لا يجد سكته الانسيابية في الكتابة إلا مع جنسي القصة والرواية، حيث لا شواطئ ولا حدود للإبداع، موضحا أنه جاب غمار الكتابة في كل الأصناف الأدبية من قصة بصنفيها إلى الرواية، تم محطة الشعر، وخاض كذلك مغامرة السيناريو، التي وصفها بأصعب الأجناس الأدبية. كيف وجد الشاعر محمد نوماق نفسه وهو يدبج مسودات ديوانه الأول، الذي اختار له عنوان "هلوسات مجنون بسحر امرأة"؟ وكيف كانت حالته النفسية وهو يحيا في عالم وكيان المرأة؟ - ليست لي طقوس ومراسيم للكتابة، بل هي خيوط تنسج من أحداث حياتي اليومية، لتشكل عباءة تصوف شعري تلبسني، كلما فاضت مشاعري، وتقمصني وحي الشعر . أما الهلوسات فخرجت من رحم امرأة اختزلت كل النساء من أمي إلى حواء، بسحر عالمها كنت مجنونا ومازلت، لها الفضل في كتابة الديوان ولمه وتصفيفه، فكانت بحق ملهمتي . من أي العوالم الأدبية انطلق الشاعر نوماق إلى جنس الشعر، وماهو الفرق بين الكتابة الشعرية، والاشتغال على نصوص قصصية وروائية، باعتباره قاصا وروائيا في المقام الأول. -لا يجد قلمي سكته الانسيابية في الكتابة إلا مع صنف القصة والرواية، حيث لا شواطئ ولا حدود للإبداع، جبت غمار الكتابة في كل الأصناف الأدبية من قصة بصنفيها، القصة المطولة " قُيُوح " والقصة القصيرة "أوهن البيوت" مجموعة قصصية. أما رواية "الكتاب"، التي تحكي عن هجرة اليهود المغاربة في الستينيات من القرن الماضي نحو إسرائيل، وخيبة أملهم في الأرض الموعودة، فهي امتداد لذلك الميل السردي بداخلي، الذي يشدني للتخيل والإبداع والحكي. وفي تحد صارخ دخلت تجربة كتابة السيناريو، على اعتبار أنه أصعب الأجناس الأدبية، وبفضل توجيهات بعض المخرجين والفنانين توجت خزانتي بسيناريوهين اثنين: مختفون: دراما من صميم واقعنا ومجتمعنا المغربي بكل تفاعلاته . المنسوخ: رؤية من الخيال العلمي في شكل فكاهي هادف. ويظل الشعر عندي محطة استراحة أتصوف فيها كلما لبسني وحي الشعر وهلوسته، فديواني (أشداق ملئ بالكلام) هو ربيع عربي وثورة من أجل الحرية. لا أستطيع تقييم أعمالي، لكنها تظل اجتهادات قد تغني الحقل الأدبي وتثريه إن كتب لها النور، فما يعيق طبعها ونشرها هو الجانب المادي فقط . وضعت مقاربة سيميائية بين المريمين، واحدة طاهرة، وأخرى مدنسة، في قصيدة تحمل عنوان "مريم الثانية"، لماذا هذا التشبيه في ديوان يستلهم مفرداته من المعتقد الديني؟ -هما مقاربتان مختلفتان، إحداهما مستوحاة من الطرح والمعتقد الديني المتجذر في كينونتي، والمضفي على كتاباتي جلباب التصوف، في رؤيتي لإيمان وعفة وطهارة مريم البتول زمن المعجزات. والآخر لمريم عصر ليست فيه معجزات، تنزلق نحو الخطيئة لينتهي بها المطاف في قبر مجهول خارج المقبرة، تخيل سيناريستي دراماتيكي يقارن بين ماهو أديولوجي وواقعي. ونحن نغوص في هلامية الهلوسة المفتونة بسحر المرأة، نلاحظ غياب الأنا بتباريحها وآلامها الذاتية، وكأننا نقرأ لشاعر ليست له معاناة جسدية مع الإعاقة. كيف تمكن الشاعر محمد نوماق من تحطيم هذا القيد وتذويبه وإطفاء جذوته بعطر نسائي؟ - في مجتمع غالبا ما يستلهم رؤياه من الماديات والمظاهر، يسود اعتقاد بأن الشخص المعاق هو محاكاة للآلام والمعاناة والهموم، والتصقت به هده الرؤية – للأسف - ، التي غيبت وأخفت جانب الإبداع والابتكار والموهبة . تعايشت من عامي الأول مع إعاقتي الجسدية واستطعت أن أجعل منها ميزة لتألقي ونجاحي، وأثبتت بالتحدي والصمود أن ما كل تام غير منقوص، وما كل منقوص غير تام . لذا فكل كتاباتي لا تعوقها إعاقتي، ولا تحمل تأوهاتي ومعاناتي، إذ لها مكان في سيرتي الذاتية إن شاء الله . ماذا عن قصتك التي هي قيد الطبع "قُيُوحْ"؟ -هي جراح وقروح يحملها جسدنا المترهل، تعفنت لتخرج حكيا عن دهاليز وكواليس المسرح السياسي وطابوهاته. نوستالجيا تكسر جدار الصمت البرليني، وتعري واقع بعض الشخصيات، من أجل الاستمرار في التشبث بالكرسي. نوستالجيا تنقل التفاصيل المؤلمة والجارحة على لسان عجوز أحيل على التقاعد قسرا، فقرر أن يبوح. قصة وإن كانت من نسج الخيال، إلا أنها تمس وتلامس واقعا نعيشه ونتعايش معه. العديد من الكتابات الموسومة بالشبابية تفتقد العمق، لكن قارئ ديوان "هلوسات مجنون بسحر امرأة" يجد نفسه أمام معجم لفظي دال. معجم تصويري وإيحائي معا. هل الشاعر يبني منجزه الشعري من خلال فيض المعنى والمبنى؟ لست ناقدا أو باحثا في الدراسات الأدبية وتصنيفاتها، إلا أنه باعتقادي كل الألوان الأدبية ظلت محتفظة بمكانتها وقيمتها، فالشعر كان وما يزال لونا أدبيا تعبيريا، ينقل عبر تاريخه الطويل هم الشعوب وأحاسيسها وآلامها، وتطور معها وتفاعل، مستحضرا لوازم وضروريات كل حقبة تاريخية بمميزاتها . وتأتي القصة والقصة القصيرة والرواية كأجناس آخر باتت تزاحم الشعر ، وتأخذ مكانة لها هي، أيضا، لذا انتشرت انتشارا واسعا حتى قيل إن الرواية صارت ديوان العرب بدل الشعر، وحقيقة الأمر أن هذا الأخير كان هو المتربع على عرش التعبير الأدبي، ولما برزت الرواية بوصفها جنسا تعبيريا، أيضا، بدأت تأخذ مكانتها هي أيضا، وقد يكون السبب في ذلك ربما أن للشعر قواعد وضوابط لا يحكمها إلا المتمرس السابح في بحوره المتمكن من أوزانه وقوافيه، أما الرواية فيكفي مخيلة واسعة ولغة سليمة وبسيطة – وهناك من يتخطى عتبة اللغة ليكتب بالدارجة أو الأمازيغية – لذا صارت الرواية أقرب للمتناول . أشكر لجريدتكم اهتمامها بالأدباء والمبدعين عموما، خاصة من هم تحت الظل ولا تصلهم الأضواء الكاشفة إلا نادرا.