أثار حصول الكاتب المغربي الطاهر بنجلون على جائزة «الأركانة» المغربية للشعر، والشاعر محمد الأشعري على جائزة «البوكر» العربية، للرواية، بعض الجدل في منابر مغربية وعربية ثقافية مختلفة . إذ استغرب البعض أن يحصل بنجلون على جائزة «عالمية» في الشعر وهو المعروف على نطاق واسع، في الأوساط الأدبية الفرانكوفونية على الخصوص، كروائي، وليس كشاعر . وهو الحاصل على جائزة «الكونكور» الفرنسية، عن روايته: «ليلة القدر» تحديدا. واستغرب البعض الآخر حصول محمد الأشعري على جائزة الرواية العربية «البوكر»، وهو المكرّس، في الأوساط الأدبية والثقافية المغربية والعربية، شاعرا حداثيا، منذ سبعينيات القرن الماضي . فالطاهر بنجلون كرس جل جهده ووقته لكتابة الرواية وبعض الإصدارات الفكرية العامة، إضافة إلى كتاباته الصحفية والتحليلية المنتظمة بالجريدة الباريسية الشيهرة: «لو موند». أما كتابته الشعرية فهي قليلة، إذا ما قورنت بإبداعه الروائي، ومعظم شعره ظهر في بداية حياته الأدبية (وقد أعيد طبع مجاميعه في كتاب واحد سنة: 2007 الأمر الذي زاد، ربما، من الاهتمام به) . ومن هنا التساؤل عن معنى منح «بيت الشعر في المغرب»، صاحب «الأركانة»، جائزتَه لروائي مكرّس، أصدر العديد من الروايات ك»حرودة» و»الانعزال المنفرد» و»موحى المجنون، موحى الحكيم»، و»أعلى درجات العزلة» و»صلاة الغائب» و»طفل الرمال» و»ليلة القدر» (وعنها حصل على الكونكور) و»الرجل المرتشي» و»ليلة الخطأ» و»أن ترحل» و»العيون المحتشِمة» و»متاهة العواطف» و»ملجأ الفقراء» و»هذا الغياب المُعمِي للضياء»... وغيرها. وقد ترجمت معظم رواياته إلى اللغة العربية والعديد من اللغات العالمية (44 لغة). وهذا الذي جعله يشتهر روائيا أكثر منه شاعرا، عدا عن كتبه النثرية في القصة القصيرة والنصوص المسرحية والمحكيات والدراسات الفكرية العامة والمقالات الصحافية العديدة. أما في مجال الشعر، فلم يُصدر إلا دواوين قليلة مقارنة بمنجَزه الروائي، ومنها: «حديث الجمل» (ترجمه د. محمد برادة إلى العربية) و«أشجار اللوز من جروحها تموت» و«رجال تحت كفن الصمت» و«ندوب الشمس» و«جنين وقصائد أخرى» و «أحجار الوقت وقصائد أخرى» ... أما محمد الأشعري، فقد اشتهر، في المغرب وفي الوطن العربي، منذ السبعينيات، كشاعر، وليس كروائي . فقد أصدر مجموعة من الدواوين الشعرية، ك «صهيل الخيل الجريحة» و»عينان بسعة الحلم» و»سيرة المطر» و «مائيات» و»سرير لعزلة السنبلة» و»حكايات صخرية» و»يومية النار والسفر» . وهي الدواوين التي ترجم بعضها أيضا إلى لغات عدة . أما في الرواية، فلم يصدُر له، حتى الآن، سوى روايتين اثنتين فقط، هما: «جنوب الروح» و»القوس والفراشة» التي نال عنها جائزة «البوكر» الدولية للرواية العربية . وله أيضا مجموعة قصصية تحمل عنوان: «يوم صعب» ، وكتابات نثرية متنوعة وإسهامات صحفية (ركن «عين العقل» الشهير في جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، على سبيل المثال) . يبدو إذن أن هناك مفارقة في حالة الأديبين المغربيين: روائي مكرس يفوز بجائزة شعرية، وشاعر مكرس يفوز بجائزة روائية . ويبدو أيضا أن من استغربوا الأمر/ المفارقة، نظروا إلى الحادثتين من زاوية الشكل والكم، ولم يتم تناول الموضوع من الناحية الفنية والكتابة الأدبية. أي أن الذين استكثروا على الطاهر بنجلون حصوله على جائزة «بيت الشعر»، لم يتناولوا شعره بالنقد والتحليل لتبيان إن كان يستحق، أدبيا وجماليا، الجائزة أم لا. كما أن من اندهشوا لنيل الأشعري جائزة «البوكر» الروائية، يبدو أنهم قارنوا إنتاجه الشعري بالروائي (أكثر من سبعة دواوين بروايتين) ولم يحللوا، بالتالي، روايته «القوس والفراشة»، ليبينوا، من خلال نقد علمي موضوعي، أدبيتها التي تؤهلها لنيل الجائزة أو العكس . الاستغراب إذن كان مبنيا على ظاهر كم المنتَج الأدبي في الحالتين، لا على موقف نقدي يوضح أدبية النصوص وشعريتها وجدارتها للفوز بالجائزة أم لا . هذا ولا بد من الإشارة إلى أن هناك من النقاد من أشار إلى النفحة الشعرية العالية التي تتميز بها كتابة الطاهر بنجلون الروائية، كما أن «بيت الشعر» ربما عز عليه أن يرى صاحب «حرودة» يُتوّج عدة مرات، خارج بلاده ، ولا يتم الالتفات إليه في المغرب من حيث التكريم بالجائزة، ولو مرة واحدة . ومن جهة أخرى فإن صدور رواية «القوس والفراشة» للأشعري، قد استُقبل بحفاوة لافتة في أوساط الصحافة والنقاد والقراء على السواء ؛ يبرهن على ذلك كم المقالات والدراسات التي أنجزت عنها، وعدد اللقاءات والندوات وحفلات التوقيع التي نظمت بالمغرب، للاحتفاء بها . على كل حال، ليس من المستغرب، في تقديري، أن يبدع الأديب الموهوب، بنفس درجة الجودة والإتقان، في جنسين أدبيين مختلفين أو أكثر . والظاهرة ملاحظة عند العديد من الكتاب والأدباء في الوطن العربي وغيره . والعبرة ليست في الكم أو غلبة كمّ جنس على آخر لدى الأديب، وإنما في نوع المنتَج الأدبي ومدى أدبيته واستيفائه للشروط والقواعد الفنية والجمالية والأسلوبية والتيماتيكية الخاصة بالجنس الأدبي المعني، أو عدم استيفائه لها . ثم إن الرواية والشعر، في نهاية المطاف، ينتميان كلاهما، إلى حقل فني/معرفي واحد هو حقل الأدب . فإذا أضفنا إلى ذلك أن من بين التيارات الجديدة في الأدب، تيارَ «النص المفتوح» العابر للأجناس الأدبية (وحتى الحقول الفنية والمعرفية الأخرى)، والداعي إلى إلغاء الحدود بينها، صار الاستغراب، في الحالة التي نتناولها غير ذي موضوع . أليس كذلك؟