شكل فوز الكاتب والشاعر المغربي، محمد الأشعري، بجائزة البوكر العربية، مفاجأة للعديد من الكتاب والمثقفين، خاصة أن الكاتب معروف كشاعر أكثر منه روائي، وأن عمله المتوج "القوس والفراشة"، هو ثاني عمل روائي له بعد "جنوب الروح" الصادرة سنة 1996 رغم إصداره للعديد من الدواوين الشعرية، ومزاولته لكتابة المقالة الصحفية إلى جانب القصة والرواية، فإنه لم يسبق أن توج بجائزة من قبل، حتى في المغرب. لا يعير للجوائز أي اهتمام، ولا يعتبر أنها هي التي تصنع الأدب أو مجد الكاتب. يخلص للكتابة، ولا يسعى للانتصار على أي أحد، بل يسعى للانتصار للقيم الجمالية والإنسانية، التي يؤمن بها. في أول حوار له مع "المغربية"، بعد فوزه بجائزة البوكر، يكشف الأشعري عن علاقته بالكتابة، ويتحدث عن اتحاد كتاب المغرب، وعن الحراك الثقافي، الذي يشهده المغرب. كيف تلقيت خبر فوزك بجائزة البوكر العربية، خاصة أن اسمك لم يكن متداولا بشكل كبير؟ الجائزة لم تكن بالمرة هدفا بالنسبة إلي، فحينما كتبت روايتي كتبتها بروح تتجاوز كل أشكال المنافسات على الجوائز. وعندما وصلت روايتي إلى المحطة الأولى استقبلت الأمر بكثير من المسافة، لأن جائزة البوكر، كما تعلمين، ترشح لها دور النشر، وعندما سئلت هل أقبل أن ترشح دار النشر روايتي، لم أرفض ولم أعتبر أن المسألة لها علاقة بطريقتي في الكتابة أو في التزامي بالكتابة، التي ارتبطت بها منذ عقود، وحينما وصلت إلى اللائحة القصيرة، كان الكثير من الأصدقاء يتصلون بي ويقولون لي إنهم مقتنعون تماما بأن روايتي لها حظوظ وافرة، من ضمن الروايات الست للفوز بالجائزة، ولم يكن هذا الأمر يثير لدي حماسا كبيرا، لأن الأدب هو الذي يصنع الجوائز، وليس الجوائز هي التي تصنع الأدب. وفي نهاية الأمر فإن جائزة عالمية مثل هذه، ليست إماراتية، لأنها مرتبطة بالجائزة الأم البريطانية، وتشرف عليها الهيئة الإدارية لجائزة البوكر، لكنها تمول من طرف الإمارات، أهم مكسب منها هو أنها تفتح الطريق أمام الروايات، التي تصل إلى اللائحة القصيرة، لتكون لها حظوظ في الترجمة والوصول إلى قراء متعددين. هذه أول جائزة يحصل عليها الأشعري أليس كذلك؟ أنا لست محترف جوائز. أنا أكتب منذ سنوات ولم أعر للجوائز أي اهتمام. فقد كان يمكن مثلا أن أرشح روايتي لجائزة المغرب للكتاب، لأنه لم يكن هناك إطلاقا أي نص ينافسها، لكنني لم أفعل، ولم يسبق أن رشحت نفسي لأية جائزة. أول جائزة تحصل عليها كانت في جنس الرواية وليس الشعر، الذي أصدرت فيه مجموعة من الدواوين، وعرف بك لدى القراء كشاعر وليس كروائي، فهل ترى أن الرواية أنصفتك عن الشعر؟ ليس هناك إطلاقا أي منطق للإنصاف في الكتابة، أنا أكتب لأن الكتابة بالنسبة إلي مرتبطة بوجودي، ولا يمكن أن أفعل أي شيء آخر غير ذلك، وعندما أحصل على قراء فإن ذلك هو أكبر جائزة يمكن أن يتلقاها الكاتب. فحينما أصل بنص ما إلى مجموعة من القراء، وإن كانوا قليلين، فإن ذلك هو الأهم وليس أي شيء آخر. كتبت الشعر والقصة والمقالة الصحفية، ولكنك في السنوات الأخيرة تحولت إلى كتابة الرواية، "جنوب الروح" سنة 1996، و"القوس والفراشة" 2010، فهل هو اختيار؟ بالعكس، لحد الآن مازلت أكتب الشعر أكثر من الرواية، وفي السنوات الثلاث الأخيرة نشرت ثلاثة دواوين، ونشرت رواية واحدة. ولا أريد أن أخضع نفسي لهذا التقسيم التعسفي في ممارسة الكتابة، فأنا أكتب في أجناس مختلفة، ولا أنتقل، وأظل الكاتب نفسه في أي جنس من الأجناس الأدبية، التي أكتب فيها. نرغب أن تنقلنا إلى أجواء تسلمك جائزة البوكر العربية، خاصة أن حصولك عليها كان مفاجأة للعديدين، الذين يعتبرونك شاعرا أكثر من روائي؟ أنا لم أكن أتنافس لأحصل على مقعد برلماني، ولم أكن في مباراة لكرة القدم. أعرف أن الجائزة كانت لها لجنة مستقلة هي التي ترشح أو لا ترشح هذا أو ذاك للفوز. من الكتاب المرشحين للجائزة، تعرفت على أمير تاج السر، الذي كان معي في الدوحة، وقرأت بعض رواياته، وأعتبره من الكتاب الجيدين في الرواية، وعلاقتي برجاء عالم جيدة، وتعرفت على الكاتب خالد البري، الذي أعرف كتاباته، كما أنني أعرف كتابات ميرال الطحاوي بشكل جيد، أيضا، ولم يكن يضيرني على الإطلاق، أن يفوز أي واحد من هؤلاء، فأنا لم أكن في مباراة. أنا لا أكتب لأنتصر على أحد، أكتب لأنتصر على نفسي، أكتب لأنتصر للقيم الجمالية والإنسانية التي أومن بها. هذا أمر يمكن أن أقوم به في السياسة، أما الأدب فليس مجاله، ولا يخضع لهذه الأشياء. وأهم ما يعطي لهذه الجائزة مصداقية كبيرة في الوسط الأدبي هو كونها تنظم بطريقة مستقلة، وأن لديها لجنة يعلن عنها عند وصول الأعمال إلى اللائحة القصيرة، وتتحمل مسؤوليتها أمام الناس. ومرة أخرى أقول إنها ليست مباراة، وأرفض هذا المنطق، وطبعا هناك من يعتبر الجائزة قضية حياة أو موت، وهناك محترفو الجوائز، الذين لا يعرفون من الأدب سوى هذه الأمجاد الفارغة، وأنا لا أومن بذلك، وهذا لا يعني أنني لست سعيدا بهذه الجائزة، التي فيها اعتراف بالإبداع المغربي. رغم مصداقية الجائزة، هناك الكثير من المؤاخذات عليها، منها اعتمادها على الاعتبار السياسي، وتفضيل تيمات معينة في الأعمال، ما رأيك؟ ما أستغرب له حقيقة هو المرض العربي، الذي يرغب في أن يجعل الناس يتحدثون عن كل الأشياء الخارجية، ولا يتحدثون عن الأساسي، وهو النصوص. أنا لا أدافع عن لجنة البوكر، فهي أقدر مني بالدفاع عن نفسها، لم أقرأ حتى الآن مقالات تقول هذه هي الرواية الفلانية، هناك رواية أفضل منها كان يمكن أن تفوز. تحليل النصوص هو الأساس، أما أن يقال إن اللجنة تحتكم إلى الأمور السياسية، فما هو الأمر السياسي؟ هل الروايات الفائزة بالبوكر رديئة أدبيا ومغرية من ناحية المضمون؟ الذين يتحدثون عن نتائج الجائزة يجب أن يدلوا برأيهم في الأعمال الأدبية، لا أن يعطوا أهمية للأمور الخارجية. وبشكل عام لا تسلم أي جائزة من الانتقادات حول طريقة عملها، وحول المرامي السياسية الحقيقية أو المتوهمة، الموجودة وراء قراراتها، هذا شيء طبيعي، والحروب الصغيرة، التي تثار حول هذا الموضوع كثيرة، وأكاد أقول إنها عادية، لكن ما هو غير مقبول أن نعتبر الجائزة مجرد فرجة، ونتحدث عن الجوانب الفرجوية فيها، وليس عن النصوص التي فازت، والتي لا يتحدث عنها كثيرا. حتى الآن أنجزت عن رواية "القوس والفراشة" أكثر من ثلاثين دراسة، نشر البعض منها بالمغرب وخارجه، ولهذا فمن الواجب الالتفات لهذا المجهود النقدي. هناك من رأى في الحصول على الجائزة مناصفة انتقاصا للكاتب، خاصة في الصحافة الخليجية، ما رأيك؟ لا أرى الأمر من هذه الزاوية، ولا يهمني أن أحصل على الجائزة مناصفة أو كاملة، هذا شيء لا ألتفت إليه إطلاقا ولا أريد أن أعلق عليه. لقد سئلت في وقت الإعلان عن الجائزة هل يضايقني ذلك، قلت إنه لا يضيرني أن أكون مع رجاء عالم في هذه الجائزة، فلا أنا ولا رجاء فزنا بنصف جائزة، فقد فزنا بجائزة ولا ضير في ذلك، ولا أرى فيه أي انتقاص من قيمتي، وأنا من طبعي أحب أن أتقاسم الأشياء. في المغرب اليوم بتنا نشهد نوعا من الحراك الثقافي، والمبادرات حول السؤال الثقافي، كيف تنظرون إلى هذه المبادرات؟ أولا أرى أنه نقاش مشروع، فكلما تكاثرت الأصوات، التي تشير إلى جوهرية الثقافي في حياتنا، كلما كان ذلك جيدا بالنسبة للأوضاع الثقافية، وللأوضاع العامة، فأنا لا أتصور أنه بإمكاننا أن نتقدم كثيرا في المسارات السياسية دون أن نتخذ من المجال الثقافي بؤرة حيوية لتحولات هذا المسار، لذلك أجد أن الحركة المعتمدة على الحوار والمناقشات العلنية مسألة صحية. رغم تشتت تلك المبادرات واشتغال أصحابها بشكل منعزل؟ في الواقع أنا لا أحب كثيرا أن ننظر للثقافة بمنطق الإجماع والوحدة القاتلة. يجب أن نؤمن بالتعددية في المجال السياسي والمجال الثقافي، ولا بد أن تكون هناك فرصة لأصوات مختلفة ومتقاربة، وأحيانا منسجمة، لتكون في صلب هذا النقاش، ولا أرتاح كثيرا لأجواء الإجماع، لا في الثقافة ولا في السياسة. على اعتبار أنك توليت رئاسة اتحاد كتاب المغرب لثلاث ولايات، وكان الاتحاد فيها في أوج عطائه، الآن يعيش الاتحاد في عطالة ثقافية وعلى وقع المشاكل، فهل يمكن لهذه المنظمة أن تساير التحولات التي يعرفها المغرب وهي على هذا الحال؟ يجب ألا ننظر إلى الإطارات الثقافية الموجودة بالمغرب نظرة ستاتيكية جامدة، لا يمكن أن نعيد إنتاج اتحاد كتاب المغرب كما كان في السبعينيات أو الثمانينيات والتسعينيات، هذه مرحلة انتهت، ويجب أن نعلم اليوم أننا أمام تعدد واسع للإطارات والتعبيرات الثقافية، وأن ذلك يفرض على الاتحاد أن يتحول وأن يصبح إطارا متجددا ومنفتحا على أجيال جديدة ومقاربات جديدة للعمل الثقافي، ويجب كذلك على المجتمع الثقافي ألا يستمر في النظر لاتحاد كتاب المغرب كمنظمة مهيمنة على الحياة الثقافية، وبيت أصلي مثل بيت الوالدين علينا أن نعود إليه في كل حين. يجب أن نستحضر اليوم المتغيرات التي يعرفها المغرب، وإمكانات النشر والتداول للمنتوح الثقافي، التي تغيرت أيضا، ولذلك يجب أن نكف عن اعتبار إطار اتحاد كتاب المغرب مسألة مركزية في الحياة الثقافية المغربية، وحتى الاتحاد يجب ألا يستمر في تصور نفسه إطارا مركزيا في الثقافة المغربية، لأن هذا الأمر لم يعد له وجود، وهذا من حسن الحظ، لأن التعدد أمر صحي، وأنا من أنصار هذا التعدد إلى أقصى مدى.