سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ياسين عدنان: اشتبكت مع الجغرافيات والمدن في هذا المنجز الشعري بروح الرحالة الجوال وبمزاج العابر قال إن دفتر العابر ثمرة ما كان يدونه في رحلاته السابقة وعجن كل ذلك بماء الشعر
قال الشاعر والأديب المغربي، ياسين عدنان، إن منجزه الشعري الموسوم ب"دفتر العابر" ليس مجموعة قصائد يضمها كتاب، بل كتاب / نص وقصيدة / ديوان. شرع في كتابته في إطار ورشة إبداعية جمعته بفنان تشكيلي فرنسي بمراكش في مارس 2007، وجرى الانتهاء منه في شهر غشت 2011 خلال إقامة أدبية بكاليفورنيا. كيف أتت فكرة تأليف ديوان شعري يحمل بين دفتيه روح السفر، ولماذا اخترت تحديدا دفتر العابر؟ جاءت الفكرة من أوراق كنت أسجلها في أسفاري، وكنت أرى أنها قد تصلح للاستثمار الشعري كقصائد أولا قبل أن تستهويني فكرة الاشتغال على هذه الالتقاطات والالتماعات، ضمن قصيدة "نهرية" طويلة هي التي شكلت "دفتر العابر". طبعا نحن مغرمون بالإقامة، وقلما ننتبه إلى أن الأصل في الحياة هو العبور. لهذا حاولت أن أشتبك مع الجغرافيات والمدن والمحطات في هذا الكتاب بروح الرحالة الجوال وبمزاج العابر. طبعا أنا شغوف بالسفر، ودائم الترحال في حياتي العادية. لهذا انطلقت من هذا الشغف تحديدا، وأيضا مما كنت أدونه في رحلاتي السابقة وعجنت كل ذلك بماء الشعر، وكانت الحصيلة هذا الكتاب الشعري. يعد "دفتر العابر" مُنجزك الشعري الرابع بعد "مانيكان" و"رصيف القيامة" و"لا أكاد أرى" وهي دواوين ألهمت العديد من النقاد المغاربة والعرب الذين استقبلوها بحفاوة. فماذا تقول عن ديوانك الجديد الذي اعتبره البعض قراءة شعرية في أسفار ياسين عدنان؟ وهل صحيح أن الديوان يبدأ بالسفر وينتهي إليه؟ طبعا هو كتاب شعري عن السفر والعبور. هناك تروبادور يتنقل بين العواصم والمطارات، محاولا استكشاف العالم بروح أندلسية تعتبر الآخر جزءا لا يتجزّأ من الذات. أنت تعرف أننا أصحاب تراث غني في مجال أدب الرحلة، لكن جرت العادة أن نكتب رحلاتنا على شكل سرود ومحكيات. بالنسبة إلي في هذا الكتاب اخترت أن أصوغ رحلتي شعرا. وهو ما عشته كتحد حقيقي خلال السنوات التي كنت أشتغل فيها على هذا النص. كيف تلج فضاء أدب الرحلة من باب الشعر؟ هذا هو رهان "دفتر العابر" الأساسي. كانت أربع سنوات استغرقها إنجاز هذا الكتاب الشعري. أربع سنوات من المخاض؟ ألا ترى أن هذه المدة الزمنية طويلة، خصوصا حينما نتحدث عن جنس الشعر؟ أبدا ليست طويلة. أولا الكتاب يتجاوز المائتي صفحة، وبالتالي فهو ليس ديوانا صغيرا من القَطْع الرائج هذه الأيام. أيضا أنا لست متفرغا لكتابة الشعر لكي أخصص له كل وقتي. ثم إن مزاج الكتابة لا يطاوع المرء دائما. لكنني أيضا لست من دعاة الكتابة السريعة المتسرعة ونشر النصوص طازجة بين القراء هكذا دون مراجعة ولا تنقيح. أفضل الاشتغال على قصيدتي بدأب. وإذا كان "دفتر العابر" قد رافقني لأربع سنوات على مستوى الكتابة، فإن تنقيحه أخذ مني سنة كاملة. لنكن واضحين، إن جمهور الشعر بدأ يقل يوما عن يوم وعلينا أن نحمي هذه القلة الباقية من القراء بالجدية وعدم الاستسهال. لأن النصوص المكرورة المتشابهة التي تملأ الرحب صارت وبالا على الشعر. القارئ للديوان يصادف تقديما من نوع خاص، حيث حظي شقيقك الشاعر والأديب والإعلامي، طه عدنان، بإهداء متميز. هل هذا يندرج ضمن المجاملات الأدبية، أم أن صوت شقيقك الشاعر طه عدنان فرض نفسه باعتباره أحد أهم شعرائنا المغتربين؟ بل هو مجرد إهداء. إهداء لا بد منه. لأن طه آمن بهذه المغامرة منذ البداية وحرضني عليها ودفعني دفعا إلى الاسترسال فيها. أيضا طه مقيم ببروكسل منذ سنوات طويلة، وهو فعلا اختار وضع المهاجر في الوقت الذي أدمنتُ الأسفار. ربما نص الإهداء هو ما أثارك ودفعك إلى طرح السؤال: "إلى طه، اخترتَ الهجرة وزُيِّن لي السفر". طبعا نقرأ في القرآن الكريم: "زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين". وأنا تعمدت استعمال هذه الكلمات لأن نداء السفر يداهمني في العادة كشهوة حارة لا كمتعة باردة. ياسين عدنان شاعر وقاص وإعلامي وفاعل جمعوي وناشط حقوقي، كيف يتحكم في برنامجه اليومي الذي يتوزع على مجموعة من الانشغالات المهنية والجمعوية والثقافية؟ الإنسان متعدد بطبيعته، وأنا أجد ذاتي في التعدد. أرفض أن أبقى لفترة طويلة بنفس القبعة على الرأس. لهذا أغير مواقعي باستمرار وأحب أن أفتح نفسي على الجديد المدهش كلما وجدت إليه سبيلا. حتى على مستوى القراءة، أنا أفتح أكثر من كتاب دفعة واحدة. تجدني أقرأ رواية وديوان شعر وكتابا فكريا في الوقت نفسه. أما كيف يمكن للمرء أن ينجز عدة أشياء دفعة واحدة، فهذا ممكن إذا انتبه إلى وقت المقهى. المقهى وحش يفترس الوقت. وشخصيا أرى أن المقهى تدمر الوقت المغربي بشكل مخيف. لذا أحرص على عدم اللجوء إلى أرصفة المقاهي وطاولاتها وكراسيها إلا من أجل موعد ضروري أو سويعة استراحة مستحَقّة. الكثير من المتتبعين لبرنامج "مشارف"، الذي يعد قيمة مؤكدة ومضافة في المشهد الإعلامي المغربي، يتبرمون من التوقيت المخصص له، بل ذهب بعضهم إلى القول "برنامج كبير في قناة صغيرة"، ما هو تعليقك على هذا الرأي؟ وما سر نجاح مشارف؟ إنه الشغف يا صديقي. الشغف نفسه الذي كنا نحكي عنه في "دفتر العابر". الشغف بالأسفار أعطى هذا الديوان. والشغف بالثقافة وأسئلتها أعطى هذه اللياقة التي ظل "مشارف" محافظا عليها. لم يسبق لي أن استضفت أديبا أو مبدعا فقط من أجل الدردشة أو هكذا مجاملةً. كل حلقة يجب أن يكون عندها سؤال خاص. قلقٌ ما. مشروع معين. تجربة متميزة. مقترح جمالي لافت. أو تصور فكري واضح. ويجب أن أقتنع شخصيا بسؤال الحلقة وأقلبه على أوجهه المتعددة قبل أن أطرحه على الضيف. المشاهدون ليسوا أغبياء، لذا لا يمكن أن تنطلي عليهم الأسئلة الملفقة، ولا يمكنك إقناعهم بسؤال أنت غير مقتنع به في الأصل. هذه الجدية في اختيار السؤال هي ما أحرص عليه، هي الشعلة التي أحرص على إشعالها مع بداية كل حلقة، والأمور الأخرى تأتي وحدها في ما بعد: تؤمِّنُها بالقراءة طبعا، بالإعداد الجيد والمعرفة العميقة بالضيف وإنتاجه. لكنها تأتي وحدها بسلاسة وبلا تعثر، حينما يكون سؤال الحلقة مضيئا مشتعلا.