في سابقة من نوعها في تاريخ القضاء المغربي، تقاطر المئات من القضاة من مختلف جهات المملكة للوقوف بالشارع أمام محكمة النقض بالرباط، صباح أول أمس السبت، تحت أشعة الشمس من الوقفة الوطنية للقضاة (كرتوش) وذلك للمطالبة بالاستقلال الفعلي للسلطة القضائية استجابة لمطلب نادي قضاة المغرب، الذي دعا إلى تنظيم وقفة وطنية للقضاة "دفاعا عن استقلال السلطة القضائية". ومنذ العاشرة صباحا، توافد عدد كبير من القضاة الشباب والمخضرمين، من كل الدرجات من أعضاء النادي على مقر محكمة النقض، إذ وصل عددهم إلى 2345 قاضيا وقاضية، حسب المنظمين، قدموا من مختلف محاكم المملكة مؤازرين بعدد من المحامين والفاعلين الجمعويين والعدول والملحقين القضائيين. واصطف القضاة الغاضبون أمام الباب الرئيسي لمحكمة النقض، مرتدين بذلهم الرسمية، حاملين لافتات كتبت عليها شعارات تطالب ب"استقلال السلطة القضائية، واحترام القاضي، ورفض استمرار مماطلة الحكومة في تنفيذ برامج الإصلاح في مقدمتها تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للقضاة، تنفيذا للإرادة الملكية، ودعوة الحكومة إلى فتح باب الحوار حول الملف المطلبي للنادي"، في مشهد أعاد إلى الأذهان تاريخ تأسيس النادي في 20 غشت 2011، في الشارع وتحت أشعة الشمس الحارقة. ونصب القضاة عارضة طويلة عنونت ب "وثيقة الكرامة والاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية"، وجهت إلى الرأي العام، تضمنت الثوابت والمنطلقات الفكرية والدستورية لوقفة السادس من أكتوبر وأهدافها، كما جمعت توقيعات القضاة المحتجين، ودعت إلى "إنهاء الاستمرار في مخالفة الدستور، بإبقاء السلطة القضائية منتمية للسلطة التنفيذية". وقال ياسين مخلي، رئيس نادي قضاة المغرب، في كلمته بالمناسبة، إن القضاة "يطالبون بمنهج ديمقراطي، يحترم حقوق الإنسان، ويضمن استقلال النظام القضائي في صياغة القوانين"، معتبرا أن "الوقفة الاحتجاجية وقفة حضارية تهدف إلى تكريس المفاهيم الكونية لاستقلال القضاء". من جهته، قال شريف الغيام، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالحسيمة، وعضو المجلس الوطني للنادي، في تصريح ل"المغربية"، إن "ما يفوق ألفي قاض وقاضية حضروا ليطالبوا بالاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية، في إطار تمثيلية وطنية لجميع المكاتب الجهوية من الجنوب والشمال والشرق والغرب"، مضيفا "لسنا بحاجة إلى نصوص قانونية دستورية متقدمة، بل في حاجة ماسة إلى حسن تنزيلها على أرض الواقع، بعد أن أصبح للنادي وجود قانوني، وله الحق اليوم في التمسك بهذا المكسب الدستوري الذي أعطاه بصفته جمعية مهنية تهم الدفاع عن القضاء وعن استقلاله". في السياق ذاته، قال عبد العزيز البعلي، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدارالبيضاء، ل"المغربية" إن "وقفة القضاة تسجل حدثا تاريخيا بكل امتياز، غذ نقف أمام محكمة النقض للمطالبة بالتعجيل بالإفراج عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية لأنه يجسد استقلال السلطة القضائية على أرض الواقع، ولأن القنوات الرسمية أغلقت أبوابها وصمت آذانها عن مطالب النادي المشروعة، وبهذا نوجه رسالة لفتح باب الحوار والتواصل مع النادي لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، بعيدا عن منطق الغالب والمغلوب"، مضيفا أن "القضاة اليوم يعبرون عن وعيهم بدقة المرحلة وحساسيتها، التي تتطلب التنزيل السليم لمقتضيات الدستور، وهو المكون الذي يجب أن تتحد حوله جميع مكونات الجهاز القضائي، لأنه مطلب مجتمعي، وآلية لتحقيق العدالة، وشرط لممارسة الديمقراطية". وعقد المكتب التنفيذي للنادي اجتماعا استثنائيا بعد نهاية الوقفة، أصدر عقبه بيانا سجل من خلاله "استمرار الحكومة في سياسة صم الآذان وإغلاق جميع منافذ الحوار"، مع تأكيده على "استعداده الدائم للحوار شريطة أن يكون حوارا جادا ومجديا ومسؤولا". ودعا النادي "كافة المؤسسات المعنية إلى تحمل مسؤوليتها الكاملة في إيجاد حل عادل لملفه المطلبي"، مشددا على "عزمه مواصلة جميع الأشكال الاحتجاجية المشروعة".