أعلن عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، أن الدستور جاء بمبادئ قوية في مجال الحقوق والحريات والمساءلة والحكامة الجيدة، وأسس لمؤسسات حكامة جيدة بصلاحيات قوية وباستقلالية أكيدة، وكلف القانون بتفعيل هذه المقتضيات. وقال أبودرار، الذي استضافته مجموعة ماروك سوار، في إطار "منتدى 90 دقيقة للإقناع"، إن منهجية عمل الهيئة شمولية وتشاركية مع مختلف الفاعلين، مشيرا إلى أن الهيئة وطيلة فترة عملها، لم تسجل أي محاولة للضغط عليها أو التأثير على قراراتها، داعيا المواطنين إلى الاستفادة من قانون حماية المبلغين عن الرشوة. وأكد أبودرار أن المجهودات المبذولة من قبل المغرب في مجال محاربة الرشوة، تجري متابعتها باهتمام، ليس فقط من طرف أصدقائه العرب، بل من طرف منظمات دولية، بما فيها ترانسبارنسي الدولية، لأنهم يرون أن هناك جدية وطموحا لمحاربة الظاهرة. ------------------------ شارك في الحوار حسن عطافي – فؤاد اليماني- عادل غرفاوي (المغربية) وعبد الهادي الكادي- إبراهيم مخليص- عبد الواحد الرميش (لومتان) تصوير: سوري ما هي قراءتكم وتحليلكم لخطاب العرش الذي أكد فيه جلالة الملك على ضرورة تفعيل المؤسسات المنصوص عليها في الدستور؟ - كعادته، خطاب العرش جاء، من جهة، بمثابة حصيلة لما جرى في المغرب لمدة سنة، ومن جهة أخرى استشراف للمستقبل، أي تقديم خريطة طريق للمستقبل. وكان الخطاب الملكي شاملا، إذ تناول مجموع الإصلاحات التي أنجزت، والتي ستنجز. وتكمن أهمية الخطاب في كونه يضع الإصلاحات التي شهدها المغرب السنة الماضية، انتهاء بالإصلاح الدستوري، في إطار عمق تاريخي لمجموعة الإصلاحات التي أنجزت في المغرب، منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش، بدءا بمسألة المصالحة، والمدونة، ومجموعة من القضايا الأخرى، وانتهاء بالإصلاح الدستوري. من جهة أخرى، ما فتئ جلالة الملك يلح ويضع لمسات على خارطة طريق تنزيل مقتضيات الدستور، رغم أنني لا أحبذ لفظ تنزيل، لأنه يعتبر بمثابة شيء فوقي، بل المعنى المقصود هو تفعيل أو تطبيق. الدستور جاء كذلك بمبادئ قوية في مجال الحقوق والحريات والمساءلة والحكامة الجيدة، وكما سبق وذكرت، أسس لمؤسسات حكامة جيدة بصلاحيات قوية وباستقلالية أكيدة، وكلف القانون بتفعيل هذه المقتضيات. وفي ما يتعلق بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، كانت الإشارة القوية إلى ضرورة تفعيل المقتضيات الخاصة بالحكامة الجيدة، وبالخصوص الإسراع بإصدار القانون المنظم للهيئة الوطنية للنزاهة وللوقاية من الرشوة ومكافحاتها، وهي مسألة ذات أهمية كبرى، وبالنسبة إلينا دفعة لعملنا في هذا المجال. هذه بعض الانطباعات، لأن الخطاب يتناول قضايا كثيرة تتوزع بين القوانين، وتفعيل الدستور، والسياسة الخارجية والعلاقات مع إسبانيا. لذا آثرت أن أركز على الجانب الذي يهمني أكثر، وهو المتعلق بالحكامة الجيدة. * ما هي أهم إنجازات الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة منذ دسترتها في يوليوز 2011؟ - يجب أن نعلم أن مأسسة هذه الهيئة ليست نهاية التاريخ، بل تعد البداية. وأود هنا التذكير بأنه جاء في الدستور أن هناك فترة انتقالية تتمم خلالها الهيئات السابقة عملها، إذن فالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة المدعوة إلى الاختفاء، لتعوض بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، استمرت في الاشتغال على الملفات التي اشتغلت عليها من قبل. كما أنها عملت على صياغة تقرير برسم السنتين الماضيتين تستعد لنشره، هذا وقد ساهمت في حماية الضحايا، والشهود، والخبراء والمبلغين عن الرشوة. كما أنها ساهمت إلى جانب وزارة العدل في خلق أقسام متخصصة في مجال الجرائم المالية والاقتصادية، وهي التي تنظر بالمحاكم المختصة في مجال الرشوة الموجهة لتعويض محكمة العدل الخاصة. هذا، واستمرت الهيئة في الاشتغال على مشاريع قطاعية مع وزارة النقل، ووزارة الصحة، وكما تعلمون فإن هناك تقارير نشرت. ويشار، أيضا، إلى أنها بصدد الاشتغال على ملفين أو ثلاثة ملفات تكتسي أهمية كبيرة، ويتعلق الأمر بالحق في الولوج إلى المعلومة، وتدبير خلافات المصالح والمراجعة المرتقبة للنصوص المتعلقة بالتصريح بالممتلكات. وبالموازاة مع ذلك، عقدت العشرات من اللقاءات ما بين جلسات علنية للهيئة، وأيام دراسية، وغيرها... بغية بلورة أرضية مشروع القانون الذي سيسمح بالانتقال من الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بصلاحياتها الموسعة الشاملة لمجالات التحقيق والبحث، والاستقلالية المعززة. وأقول هنا إن أرضية مشروع القانون جاهزة لوضعها أمام أنظار الحكومة، قبل إدراجها في المسار التشريعي للمصادقة عليها. تقولون إن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة تستعد لنشر تقريرها برسم السنتين الأخيرتين، هل يمكنكم أن تطلعونا بإيجاز على مضمون هذه الوثيقة؟ - بخصوص حمولة هذا التقرير الكلاسيكي، لا يجب أن تتوقعوا أمورا استثنائية، فنحن لسنا معنيين بالتحقيق. وهذا لن يكون مشابها لتقرير مجلس الحسابات، لأن ما كان مطلوب منا هو تقييم ما جرى، ولم ينجز في مجال الرشوة، وصياغة مقترحات وتقديم الأهم في أنشطتنا خلال الفترة المشار إليها. وجوابي عن سؤالكم السابق يلخص إجمالا ما جرى خلال سنة 2010، وخصوصا سنة 2011. في إطار عضويتكم داخل الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، وضعت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة على رأس قائمة مقترحاتها مسألة إصلاح القضاء، وأساسا تعزيز مبدأ النزاهة والنجاعة والاستقلال، وسبق أن أعلنتم أنكم تتوفرون على مقترحات في هذا الشأن ستقدمونها لهذه الهيئة، هل لكم أن تطلعونا على الملامح الكبرى لهذه المقترحات؟ - فعلا، قمنا بذلك، إذ قدمنا مذكرة رسميا للهيئة العليا للحوار الوطني من أجل الإصلاح العميق لمنظومة العدالة، وهي مقترحات شاملة، إذ كانت تتقاسم الآراء مع مجموعة من المقترحات التي في الساحة. وتؤكد هذه المجموعة على ضرورة استقلال القضاء استقلالا كاملا، خصوصا السلطة التنفيذية ووزارة العدل، ثم على مسألة التأهيل والتكوين للقضاة وجميع المهن القضائية. كما تؤكد على مسألة التخليق وتنفيذ الأحكام، والمحاكمة العادلة، وعدم الإفلات من العقاب، وهذه كلها مقتضيات ضمناها في مذكرتنا، وطلبنا أن نعرض هذه المقترحات في إطار الهيئة العليا، وكذلك في إطار هيئة الحوار الوطني الموسعة، واللقاءات الجهوية المبرمجة. هل كانت لكم مقترحات مضبوطة في ما يخص ضبط آليات الرشوة داخل قطاع العدل؟ - الآليات مضبوطة، لكن ليس هناك عصا موسى لمحاربة الظاهرة. أما بخصوص المقترحات هناك مقتضيات تتعلق بمسألة الكفاءة والجدارة، سواء في الوصول إلى مناصب المسؤولية، وفي الترقي. كما أن هناك مسألة الشروط المادية والمعنوية الموفرة للقضاة ولجميع المهن حتى تقوم بمهامها، ومسألة تطبيق القانون، والمراقبة، وتقديم الحساب، والتصريح بالممتلكات، الذي يجب أن يكون مضبوطا، ويشمل ممتلكات القضاة وعائلاتهم وغيرهم، وبالتالي نجد أنها وسائل معمول بها، تحتاج إلى تفعيل المراقبة والزجر، في حالة ثبوت القيام بأعمال من قبيل الفساد، والمحاباة، وانعدام الصرامة، والابتزاز. وفي جلسات الحوار الجهوية، هناك بعض الجلسات ستكون مخصصة لمسألة التخليق في مجال العدالة، وجميع المهن المرتبطة بها، القضاة، والمحامين، والموثقين، وغيرهم. هل تقدمت الهيئة بمذكرة اقتراحات في قطاع العدالة فقط، أم شملت المذكرة قطاعات أخرى، مثل قطاع الصحة؟ - منهجية عمل الهيئة شمولية وتشاركية مع مختلف الفاعلين. ففي التقرير الأول قمنا بتشريح الوضعية، بتقييم الإطار القانوني والمؤسسي، وتقييم السياسات العمومية في هذا المجال، وأدلينا بمجموعة من المقترحات، بلغ عددها 113 مقترحا، وشرعنا في متابعة كل مقترح. لا ننتظر فقط أن يقوم بذلك البرلمان أو الحكومة، بل نحن نأخذ مبادرات ونعطي مقترحات. فعلى سبيل المثال هناك قانون حماية الشهود والمبلغين، ونظرا لأهميته وأسبقيته، تقدمنا بمشروع متكامل وتوافقنا فيه مع الأمانة العامة للحكومة، ووزارة العدل، وصدر القانون، طبعا ستظل هناك مقتضيات لتفعيله، لكن على أي حال بالنسبة إلينا القانون يفي بالحاجة. يجب تعضيد هذا بمقاربة قطاعية، وفي هذا الصدد، أخذنا المسوحات التي ينجزها المجتمع المدني (مسوحات النزاهة)، والتي يدلي فيها المواطنون برأيهم حول القطاع الأكثر رشوة. ومن خلال الانطباعات المعبر عنها، نجد أن قطاع العدالة وقطاع الصحة، أي القطاعات التي تمس المواطنين بشكل مباشر، هي التي تأتي على رأس القائمة، في حين هناك بعض المسائل التي لا تمسهم مباشرة، رغم أنه تكون فيها الرشوة متفشية مثل العقار، فإنهم لا يفصحون عنها في المرتبة الأولى، لأنهم يدخلون تلك الرشوة في الاستثمارات التي يقومون بها. مع ذلك، تناولنا قطاعا بقطاع، ورغم أننا أعطينا في العدالة مقترحات، إلا أننا لم نقم لحد الآن بدراسة معمقة حول هذا القطاع، لكي نقر بوجود الرشوة من عدمها فيه، ومن يقوم بذلك، لكن سيأتي وقتها. وفي قطاع النقل، قمنا بإنجاز دراسة متكاملة نشرت، وكذلك في قطاع الصحة أنجزنا دراسة، والآن نحن بصدد قطاعين، هما التعليم والسكن والعقار. الدراسات الأولى التي صدرت قبل حوالي سنة باللغة الفرنسية، تترجم إلى اللغة العربية، وستنشر على البوابة الإلكترونية للهيئة في القريب العاجل. إذن، نحن لم ننجز الدراسة من أجل الدراسة، لكن بهدف إيجاد خريطة مخاطر، فإذا أخذنا قطاع الصحة، وبعد أن نستجوب جميع العاملين والمرضى وذويهم، سنحدد مكمن المخاطر، و(النقط السوداء)، ونحاول أن نعطي أجوبة بخصوصها. وسنركز على مجموعة من القضايا، ونعمل بالمثال الحسن، بمعنى سننجز بعض التجارب النموذجية، إذ سنحاول أن نجعل مثلا من مستشفى جامعي، أو مركز صحي، أو مستوصف، نموذجا، إذ سنرصد جميع الإمكانيات حتى تكون هناك شفافية، والمراقبة متوفرة بصرامة، ثم سنعمل بعد ذلك على تعميم هذه التجارب شيئا فشيئا. أنا أكره أن يقول لك شخص إنه لا يمكن وضع حد لظاهرة الرشوة، لأننا لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي، بالعكس يجب أن نبرهن للمواطنين أن الأمر ممكن، ويكون مستشفى خال من الرشوة، ومقاطعة خالية من الرشوة، إذا تضافرت الجهود، وقمنا بما يتعين، وسيكون ذلك بمثابة قدوة للآخرين. ماذا يمكنكم قوله حول تطور الرشوة والمجهودات المبذولة لمحاربتها؟ - إذا أردنا أن نحكم على هذا الجانب من وجهة مؤشر تصور الرشوة، فهو لا يقيس امتداد هذه الظاهرة، ولكن التصورات التي ينسجها الأشخاص حول هذه الظاهرة، فإننا في مكاننا في هذه الأثناء، علما أننا لم نعلن بعد عن استراتيجية، كي نشرع في تطبيقها حتى يتسنى للأشخاص قياس التقدم المحرز. وكلما استمر الناس في عدم معرفة أين نريد أن نصل؟ وكيف؟ وبأي موارد؟، فلا يمكن القول سوى إن الرشوة مستمرة. وهذا ما يجعلنا في المرتبة 80 من أصل 183، أي في المرتبة تقريبا التي كنا فيها من قبل. هل يعود هذا في تقديركم إلى غياب الإرادة السياسية في مجال محاربة الرشوة؟ - لا أعرف إن كان هناك غياب للإرادة السياسة، وأميل إلى القول إن هناك اعتقادا بأن محاربة الرشوة لا تشكل أولوية، وهذا الأمر لا ييسر مهمتنا. وبالإضافة إلى هذا، فقد شددنا دائما على التأثير السلبي لغياب الموارد على عملنا، ورغم حصولنا على ضمانات بتوفير كل الإمكانيات للهيئة، إلا أننا مازلنا ننتظر. وهناك إكراه آخر، يتعلق بحرية العمل، إذ لم يعد مقبولا أن يتعثر عملنا بسبب مشاكل مسطرية. هل تعتقدون أن هذه الإكراهات ستختفي بعد دسترة الهيئة؟ - بالضرورة، أو على الأقل إذا أردنا تطبيق الدستور الجديد. الواضح جدا في هذا الباب، أن القانون الأساسي الجديد يمنح الهيئة الاستقلالية الضرورية لجعلها مؤسسة دستورية، أي أنها لم تعد تحت وصاية السلطة التنفيذية أو البرلمان. وهذا يعني ضرورة منح الهيئة الوسائل القانونية والمادية والبشرية لإنجاح مهمتها. اشتغلتم في عهد الحكومة الحالية والحكومة السابقة، هل هناك فعلا وعي باستقلالية الهيئة من طرف الحكومتين، ومن هي الحكومة التي كانت أكثر اقتناعا باستقلاليتكم؟ - لم تكن هناك أي محاولة للضغط علينا أو التأثير على قراراتنا من طرف الحكومتين. ما قيد استقلاليتنا هي قضايا ذات طابع إداري بيروقراطي محض، هي التي نسعى إلى إيجاد حلول لها، لكي تكون لنا حرية التصرف، وطبعا المحاسبة اللازمة، ونكون منفتحين على جميع آليات المحاسبة، فنحن لسنا أول هيئة تقوم بذلك، هناك هيئات على صعيد العالم تحاسب المؤسسات ماليا وإداريا، دون أن يكون هذا مدعاة لتقييد أيدينا. هناك عدة نماذج في العالم لمؤسسات محاربة الفساد، ما هو النموذج الذي ألهم الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة؟ - إن الهيئة لا تخضع لأي نموذج، ويمكن أن أقول إن مؤسسات مكافحة الرشوة في العالم لا تشبه بعضها البعض، بل هناك أنواع مختلفة ومتعددة. ومؤسستنا تتميز بشيئين اثنين، أولهما أنها إلى حدود الآن فهي تكتفي بالوقاية فقط. ثانيهما، أن المجتمع المدني ممثل فيها ضمن هيئات من المداولات. إذ تتكون الهيئة العامة بنسبة كبيرة من المجتمع المدني وممثلي مهن القطاع الخاص. وهذا ما يجعل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ربما هي المؤسسة الوحيدة في العالم التي لديها هذه الخاصية. وهذا هو ما يميزنا ويجعل الهيئة تحظى باهتمام كبير من قبل العديد من البلدان. ومع ذلك، فنموذجنا له حدوده، إذ أن الهيئة لا تملك حق تطبيق العقوبات والتحقيقات، مع العلم أن هناك نماذج في العالم التي لها الصلاحية في جميع عناصر السلسلة، من الوقاية، والتعليم، وإجراء التحقيقات والتنفيذ. لكن بشكل عام، يبقى تطبيق العقوبات من اختصاص القضاء. وفي ما يتعلق بالتحقيق، وبخصوص التحقيقات، هناك مؤسسات تعنى حتى بالتحقيقات القضائية، فيما يقتصر البعض الآخر على إجراء التحقيقات قبل القضائية (الإدارية والفنية أو التسييرية) التي تساعد العدالة وتقول لها، على سبيل المثال، إن هناك مؤشرات تدل على وجود شكوك قوية حول الرشوة. ثم يجب أن نعرف أن التحقيق يساعد في عملية الوقاية. ومنذ بدأ المجلس الأعلى للحسابات بإجراء التحقيقات الجادة ونشر التقارير، أصبح الناس أكثر احتراما لقواعد الحكامة الجيدة، وهذا لا يعني أننا قطعنا مع الرشوة واختلاس المال العام... ولكن أصبح لدى الناس وعي بجدية الأمر وصاروا، قبل كل شيء، يتحققون من مشروعية ما يقومون به. من بين آليات محاربة الرشوة، جرأة المواطنين في التبليغ عن الرشوة. في نظركم، كيف ساهم صدور قانون حماية المبلغين عن الرشوة في الحد من الظاهرة، وما هي الضمانات التي يوفرها هذا القانون للمبلغين؟ - صدور القانون الجديد حول حماية الضحايا والشهود والمبلغين، هو بداية، وفيه إشارة إلى المواطنين، نقول لهم من خلاله إن السلطات بما فيها السلطات القضائية، عازمة على حمايتكم إن أنتم شئتم أن تخبروا، أو أن تشهدوا، أو أن تبلغوا، أو أن تشتكوا. عندما يصدر القانون، هناك مجموعة من المقتضيات التي تصدر خلفه، فالقانون يضمن للمواطن المشتكي أن يحافظ على سرية هويته، كي لا تعرف، حتى لا يتعرض لضغوطات أو ابتزاز أو انتقام أو تهديد. وتعمل السلطات من خلال هذا القانون على حماية المواطن المبلغ في جسمه وممتلكاته وأهله، وتمنحه رقما هاتفيا يتصل فيه في أي وقت، من أجل الإدلاء بمعلومات جديدة، أو ينبه إلى وجود تصرفات مريبة. كما يمكن التنصت على مكالمات المواطن المبلغ، كي تعرف السلطات من يتصل به، أو يهدده، ويمكن أن يصل الأمر في الحالات القصوى كأن يشكو مواطن مافيا للتهريب في ما يتعلق بالرشوة، وعلاقة بعض أعضاء هاته المافيات بأشخاص في القضاء والأمن، إلى تغيير مقر سكنه وعمله وهويته لحمايته. إذن، يجب أن تتوفر هذه الإجراءات، وهي موجودة فعلا بعد صدور القانون وتفعيل مقتضياته، وبالتالي يجب أن تعرف لدى جميع المواطنين، من خلال التحسيس بهذا القانون، وأن يجري تفعيله، إذ بعد ضبط حالات في هذا الشأن، يمكن للمواطنين أن يسترجعوا الثقة في مقتضيات هذا القانون، ونجاعته. كيف تلقيتم داخل الهيئة أخبار تساقط مسؤولين كبار، أخيرا، متلبسين بتسلم الرشوة منهم قضاة ومحافظ وآخرون؟ - بما أنها حالات عرضت على القضاء، لا يمكن لي أن أعلق عليها، لكن أظن أن هناك علاقة بين هذه الحالات، وبين صدور قانون حماية المبلغين عن الرشوة، وبالخصوص لاحظنا أن أفراد جاليتنا الذين يعيشون في الخارج، وبما أنهم يعيشون في وسط يعمل بهذه المقتضيات، لديهم ميل لاستعمالها، وفي حالة تعرضهم لابتزاز ما، فإنهم يسجلون شكاياتهم في الموضوع لدى مصالح الأمن أو وكيل الملك، ويخبروهم بجميع التفاصيل، ويجري فعلا تفعيل هذا القانون، ويعتقل الشخص المشتكى به متلبسا. إذن، فهذا القانون من شأنه أن يحرر الألسن، وأيضا المبادرات في هذا المجال، وأظن أنه ما يزال هناك بعض الوقت لكي نحكم عليه بصفة نهائية. أنشأتم منذ سنتين تقريبا الموقع الإلكتروني Stopcorruption.ma"، هل يمكنكم أن تتحدثوا عن أول تقييم وعدد الشكايات، التي وردت عليكم من خلال هذا الموقع؟ "Stopcorruption"- كان مقياسا رائدا، لأنه أنجز في إطار شراكة مثالية مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ووزارة التجارة والصناعة، والوكالة الوطنية لإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة. كان الهدف منه دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة ضد الرشوة وحمايتها وتمكينها من الدفاع عن نفسها ضد الفساد. واتخذت هذه الإجراءات قبل صدور القانون الخاص بحماية الشهود والمبلغين عن الرشوة. ويضمن الموقع عدم الكشف عن الهوية، إذ إن الشخص له مفتاح ولوج الموقع يسمح له ليس فقط بتقديم الشكاية، لكن أيضا بالبقاء على اتصال وتبادل الآراء المستمر مع الأشخاص المسؤولين على حالته. يجب أن نعرف أن الأمر يتعلق بمجموعة من البرامج الدولية، التي جرى العمل بها في ألمانيا، وكانت أول تجربة لها في كينيا، والثانية في المغرب. وكان أول أثر لهذه التجربة ارتفاع عدد الشكايات، التي أصبحت بالمئات بعد أن كانت بالعشرات. وبالتالي، إذا كنا توصلنا في بداية السنة الأولى لإنشاء الموقع ب 60 شكاية، فإن العدد ارتفع إلى 80، ثم إلى 100 خلال السنة الثانية. ومع هذه البوابة فقد وصلنا بسرعة إلى مئات الشكايات. اليوم تلقينا 1139 شكاية في ظرف 18 شهرا، بينما توصلنا فقط ب 170 شكاية من خلال الأسلوب العادي. ما هي طبيعة هذه الشكايات؟ - إنها متعددة فعلا، وخلاصة القول إن هناك كثافة أكثر. هل وقع الرد على بعض الشكايات؟ - بالطبع، يجب أن نعلم أيضا أن الموقع سجل مليوني زائرا، وهذا يعني أن الناس تريد أن تعرف أكثر الموقع، حتى ولو لم تستخدمه. هناك العديد من الحالات في الشكايات التي توصلنا بها على الموقع، لأن طبيعة الشكايات في المغرب عامة. عندما يشكو شخص جاره، يوجه الشكاية للجميع: من رئيس الحكومة إلى البرلمان، إلى وزير العدل، ووزير الداخلية ... إذا نجد أنفسنا ملزمين للقيام بعملية الفرز واستبعاد الشكايات التي لا تخصنا. هناك أمر آخر يجب الإشارة إليه، أنه في الفترة الأولية لتشغيل الموقع، قررنا دراسة الشكايات المتعلقة بالمقاولات الصغرى والمتوسطة فقط، لأننا أردنا استهداف المقاولات الصغرى والمتوسطة في علاقتها مع الأسواق، في تعاملها مع القطاع العام، والوكالات الحضرية... لقد تابعنا مئات الشكايات. والمثال الكلاسيكي هو الشكايات المقدمة من قبل المقاولات الصغرى والمتوسطة التي طردت من السوق العمومي، والتي تظن أنها طردت خطأ. والميزة الأخرى لهذه البوابة أن الشخص ليس ملزما باتباع الطريق القانوني فقط، فإذا كانت لدى شخص شكاية، لدينا سبل أخرى يمكن أن نسلكها، إذ نتصل بالشخص المتشكى به لمعرفة الحقيقة من الوقائع المنسوبة إليه. في ما يتعلق بالمحاسبة، سجل مراقبون بعض التراجع في خطاب الحكومة المتعلق بفتح بعض ملفات الفساد، وهو الطرح الذي زكاه التصريح التلفزيوني لعبد الإله بنكيران، الذي قال فيه "عفا الله عما سلف". هل هذا التعبير "وتجميد" ملف "الكريمات" يمكن أن يؤثر على تعاطي المواطنين بخصوص فتح ملفات الرشوة؟ - موقف الهيئة واضح من المسألة الأولى المتعلقة بالإفلات من العقاب، فالهيئة وضعت دائما مسألة وضع حد للإفلات من العقاب كواحدة من الروافد المهمة للوقاية، وليس فقط كضرورة لتطبيق القانون. فإذا كان الفساد لا يترتب عنه أي عاقبة، فمعناه سنشجع تفشيه. أظن أن الدستور واضح في هذا الباب، فإذا أخذنا الفصل 36، فإنه يقول بواضح العبارة "يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بتنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل المخالفات ذات طابع مالي. وعلى السلطات العمومية الوقاية طبقا للقانون من كل أشكال الانحراف المرتبطة بالإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها والزجر عن هذه المسألة". إذن نحن لا نختار في هذا الأمر، دستوريا نحن ملزمون بوضع حد للإفلات من العقاب. في المسألة الثانية المتعلقة بملف "الكريمات"، قلنا إن الأهم من الإعلان والإفصاح عن مجموعة من "الكريمات"، إعطاء البديل، هذا هو الأهم. وهذا الأمر طبعا يتطلب تهييئا، لأن هناك قوانين ومساطر وحالات يجب أن تدرس من أجل تدبير هذه العملية، لذا يجب كما قلت إعطاء البدائل. نتحدث عن أن المغرب يتوفر على منظومة قانونية جيدة في مجملها، لكنها تحتاج إلى تنسيق أفضل لما يستجد، خصوصا المراقبة الداخلية التي تحتاج مكوناتها إلى إعادة التأهيل حتى لا يكون هناك تداخل، ما هي الإجراءات التي اتخذتموها لتفادي هذا المشكل؟ - هذا الأمر كان من بين المسائل التي ننادي بها باستمرار وأصبحت أكثر إلحاحا. لأن هيئات الحكامة أصبحت دستورية، ولديها صلاحيات نسبيا واضحة المعالم، ما يحتم عليها أن تتفاعل، وأن تتعاون وتنسق في ما بينها. وهذا طبعا يتطلب منا أن نلتقي، وشرعنا فعلا في بعض اللقاءات في هذا المجال، حتى نعطي مقترحات في مجال آليات التنسيق في ما بين هذه المؤسسات. كل هذه الهيئات مازالت قوانينها لم تعرض بعد، لأن هناك مجموعة من القوانين تخصها، بما فيها القوانين التنظيمية التي لها الأسبقية. بالموازاة مع هذه القوانين، يجب التفكير في آلية للتنسيق بين هيئات الحكامة، وما بين هذه الهيئات وبين آليات المراقبة والحكامة الداخلية، لأنه لا توجد هناك إدارة من دون مفتشيات، وهيئات للمراقبة، وعلى سبيل المثال هناك المفتشية العامة للمالية، والمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشيات العامة للوزارات، والمجلس الأعلى للحسابات، والمجالس الجهوية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. هل سيستغرق الأمر سنوات عديدة؟ - أعتقد أن الحكومة تعمل على جدول قانوني، ويجب تحديد العدد الكبير من الإصلاحات المقترحة. وإذا كنا لا نود تحقيق إصلاحات جذرية، سنطلب من الخبراء وضع مشاريع قوانين، وسنحصل على حوالي 20 قانونا وحوالي 15 قانونا آخر، وسيتطلب ذلك نقاشا طويلا. وأؤكد أن مشروع النص المتعلق بالمؤسسة تطلب منا عشرات اللقاءات. نحن بصدد التحضير لمؤسسات، ونوجد حاليا في مرحلة متقدمة لتأسيسها، وتعد مرحلة خلقها مهمة، لأنه يجب الاعتماد على التنسيق، وليس لدي أي تخوفات على هذا المستوى. على ذكر الانتخابات، ونحن مقبلون على إجراء الانتخابات الجماعية، هل فكرت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في استراتيجية عمل نموذجية للقطع مع ظاهرة الرشوة، وبالتالي، تكون هذه الانتخابات بداية النهاية للقضاء على هذه الظاهرة بصفة نهائية؟ - لم نفكر فقط، بل قمنا بمبادرة في هذا الاتجاه، من خلال دراسة متكاملة حول الحكامة في الشأن الحزبي والانتخابي، والسياسي، والجماعي، وطرحناها كمبادرة في خضم الانتخابات السابقة، واجتمعنا مع الأحزاب مرارا، وأقنعنا عددا كبيرا منها كي يوقع على ميثاق شرف. البعض لم يوقع، لكن الأغلبية الساحقة والهيئات الكبرى وقعت، وكان الإجماع على أن المقتضيات التي طرحناها وجيهة. لقد أنجزنا تقريرا في الموضوع نشرناه، وسنقوم بالتجربة نفسها، خلال الانتخابات المقبلة، وحاليا هناك مقتضيات أخرى للمراقبة بشكل جدي، إذ دخلت عملية مراقبة الانتخابات في مرحلة مهنية. ألا تعتقدون أن تكوين لجان لتقصي الحقائق في البرلمان سيخلق نوعا من التداخل مع عمل الهيئة إذا ما استمرت عملية تشكيلها؟ - الكل رهين بالتنسيق، ونحن طرحنا هذه القضية، ومن بين المسائل التي نلح عليها في قانوننا، أن تكون هناك إلزامية لإمداد الهيئة بالمعلومات، وتكون إلزامية أيضا في أن نمد بكل النصوص المطروحة للنقاش ومشاريع القوانين إلخ، وكذلك أن نخبر بكل شيء. في هذه الحالة لا أرى أي تعارض، لأن مجلس المستشارين ومجلس النواب، لا يشكلان لجان تقصي الحقائق هكذا، فهناك أداة معمول بها في هذا الشأن، وتجري هذه العملية عندما يلاحظون أنه يجب أن يكونوا فكرة على ما يجري لاعتبارات مختلفة، وهذا هو الطبيعي. البرلمان بغرفتيه لا يتوفر بالضرورة على الخبرات اللازمة في مجال التقصي والتحري، إذن من الطبيعي أنه يجب أن يكونها كلما دعت الضرورة لذلك، ويكون على رأسها أناس مؤهلون لذلك. ما نلح عليه، هو أن نعتمد على الخبرات، لأن هذه المؤسسات، ومنها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، مؤسسات دستورية، وهي موجودة كي تساعد، وهي منزهة عن أن يكون لها تأثير حزبي أو سياسي، وتتمتع بالاستقلالية. مثلا، إذا أراد مجلس المستشارين أن يتقصى الوضع في مؤسسة مالية، يمكن له أن يستدعي المجلس الأعلى للحسابات، ويخبره بما يريد البحث فيه، على أساس أن ينجز له المجلس تقريرا في الموضوع، أو يطلب من الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي أصبحت الهيئة الوطنية للنزاهة، بإنجاز بحث في موضوع شكه بوجود أفعال تتعلق بالرشوة أو بأفعال غير واضحة، وبالتالي يعملان معا يدا في يد. إذن فالتنسيق ممكن، ويمكن للبرلمان أن يستفيد من خبرات هذه المؤسسات، وبالتالي فهذه المؤسسات كلها يجب أن تعمل وكأنها في سمفونية، كل واحدة منها تعزف على آلتها، حتى يكون هناك تناسق، لكي نخرج المقطوعة إلى الوجود. أين يوجد المغرب على مستوى محاربة الرشوة، هل حقق تقدما أم مازال هناك تأخر في هذا المجال؟ - لمواجهة الرشوة، جرت العادة أن يقع توجيه الصحافيين والمعلقين نحو المشاكل، في الوقت الذي يجب التوجه إلى الحلول. بالنسبة للمواطنين الذين يرغبون في أن نحقق تقدما، يجب الإشارة إلى ما يمكن فعله. وإذا كان التركيز حول أن المشكل خطير وأنه معقد، فيجب أن تكون النتيجة هي ما يجب فعله، لأنه تقريبا نوع من الاستسلام. ونقول إن هناك وسائل يمكن الاعتماد عليها، ويجب أن نعمل على إيجاد الحلول. بهذه العقلية، نؤكد أن المغرب يتوسط الترتيب في ما يخص الرشوة بين الدول العربية، فيما تحتل الدول الفقيرة مراتب متأخرة، وتليها الدول التي تواجه مشاكل، من قبيل الصومال والسودان والعراق، وبالتالي، الجهات التي لا تتوفر على موارد تعاني رشاوى صغيرة تتعلق بالخدمات العمومية. تتصدر الدول الغنية قائمة الدول التي تعاني الرشوة، والتفسير الذي يمكن تقديمه هو أن معيار الرشوة يتوجه نحو الرشاوي الصغيرة، ولا يحدد الرشاوي الكبيرة، لأن الذين يتعاطونها لا يقرون بها. نحن إذن، نوجد في مستوى متقدم ضمن قائمة الدول التي تعاني الرشوة. وأنا أفضل التركيز على مقياس التقدم في مجال مواجهة الرشوة، وهو ما يتأتى تحقيقه حاليا، وتحقق في البرازيل مثلا. نحن نعبر عن نوايانا في تطبيق هذا الإجراء أو ذاك في محاربة الرشوة، بإمكانيات محددة، ومسؤوليات واضحة، وندعو الإعلام إلى أن يواكب هذا العمل، للوقوف على النتائج المحققة، وبهذه الطريقة نتوجه نحو الحلول، وليس المشاكل. وبالنسبة للمجهودات حول محاربة الرشوة، أنا أترأس الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الرشوة، ويمكنني القول إن المجهودات المبذولة من قبل المغرب تجري متابعتها باهتمام، ليس فقط من طرف أصدقائنا العرب، بل من طرف منظمات دولية، بما فيها ترانسبارنسي الدولية، لأنهم يرون أن هناك جدية وطموح لمحاربة الظاهرة، نحن حققنا خطوات عدة في المجال، ونعرف بوضوحنا لأننا نسمي هذه المشاكل ونكشف عنها. في أحد أحاديثكم، اشتكيتم ضعف الميزانية، هل تحددون رقما معينا تتمنون أن يكون مرصودا لميزانية الهيئة؟ - مازالت الميزانية ضعيفة، وأظن أنه لا يوجد هناك أي مبرر كي تكون ميزانية الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ربع أو خمس ميزانية هيئة أخرى، لن أذكرها بالاسم. يجب أن ترصد للهيئة على الأقل ميزانية مماثلة لما هو معمول به في هيئات الحكامة الأخرى، إذ لا يمكن أن تكون هيئة تحصل على 15 مليون درهم أو أقل، وهيئة تحصل على 50 أو 60 مليون درهم. لست من الأشخاص الذين يؤمنون بزيادة الأموال أو مضاعفة الموظفين، لكن ينبغي أن تكون هناك موارد معقولة لمواجهة جميع القضايا. كم عدد الأطر التي تشتغل في الهيئة؟ - نحن 20 إطارا، وفي مؤسسات أخرى يصل العدد إلى المئات. يجب أن نتوفر على الأقل على هيكل إداري موسع، وأن يكون عدد الخبراء كافيا، وأيضا، موارد لجلب الخبرات الخارجية. وأنا من بين أولئك الذين يدافعون بقوة عن الخبرة الخارجية، طالما أنه لا يمكن لشخص أن يكون خبيرا في كل شيء. ما نحتاجه هو النواة الصلبة، وتحديد المواصفات والمتطلبات ودفاتر التحملات.. وجلب الخبرة الخارجية. كلمة أخيرة - أولا، أعتقد أن الدستور خول لنا آلية متينة لمباشرة العمل الحقيقي، في إطار المعنى الحقيقي للحكامة الجيدة، ومحاربة الرشوة.. ويمكن القول إنها استراتيجية معلن عنها ومصرح بها تتضمن أهدافا، وإجراءات، وموارد وآجال ومسؤوليات، إلى جانب تسليم الحسابات، وبطبيعة الحال مساهمة المجتمع المدني. ثانيا، يتعين اعتماد مبدأ الوقاية والعقاب، فسيادة القانون هي شيء مهم جدا، وإلا فإننا لن نستطيع المضي قدما، لأن سيادة القانون هي مفتاح كل الإصلاحات. ثالثا، يتعين تفادي التغاضي عن المشاكل، وإيجاد الحلول بدلا من ذلك. وذلك كل من موقعه سواء كنا مسؤولين، معارضة، أغلبية، مجتمعا مدنيا، إعلاما، مثقفين.. يتعين التركيز على المجهودات لمعرفة ما يجب تغييره مع العلم بأن هذا ممكن. رابعا، التأكيد على الحاجة الملحة لاتخاذ الإجراءات، وأشدد هنا على أهمية أخذ النفس. ولا يمكن إلا أن تكون النتائج في الموعد على المديين المتوسط والطويل. لذلك يتطلب بعض الوقت لتغيير الأمور ولا يتعين الانسياق وراء الخطابات التي تدعو للتشاؤم.