كيف ترون وضعية فاضحي الفساد بالمغرب، هل هناك تشجيع وإقبال أم خوف وتردد؟ لقد عشنا للأسف تجارب في المغرب لأناس أبلغوا عن جرائم الرشوة ومظاهر فساد في بعض المؤسسات، وبدل أن يتم تحريك آلية المتابعة أو فتح تحقيق في النازلة من لدن النيابة العامة للتحقق من صحة الشكاوى التي يتقدم بها بعض المواطنين أو الهيئات، وقع العكس بحيث وقعت عقوبات على هؤلاء المبلغين، وقد لمسنا ذلك في قطاع القضاء في حق المحامين أصحاب رسالة إلى التاريخ، وحالة الجلطي والزعيم في مؤسسة الجيش، وقد تمت مقاضاة الأشخاص الذين بلغوا عن الفساد. وهناك أمثلة أخرى تؤشر على غياب حماية للمبلغين أو الشهود، وعلى غياب الاستقلالية في القضاء، ووجود لوبيات تمارس ضغوطات بحيث تجعل متابعة هؤلاء أمراً سهلاً، وهذا يعني أنه المُبلغ عن الرشوة أو الفساد ولو امتلك الأدلة فإنه لن يجد النتيجة التي يتوخاها، وهذا يفسر أيضا بغياب قانون يحمي المبلغين والشهود. إذ رغم وجود بنود في القانون الجنائي أو النصوص القانونية عموما تتحدث عن حالة التبليغ عن جرائم عادية كالسرقة، ولكنها لا تهم قضايا الفساد المالية الكبيرة والتي تهم المؤسسات العمومية والخاصة، وحتى إن وجدت هذه الإمكانية في القانون الجنائي فإن ثمة لوبيات تحول دون متابعة كبار المسؤولين عما اقترفوا. ما هي الخلاصات التي توصلت بها من خلال تجربة مرصد محاربة الرشوة في موضوع حماية فاضحي الفساد؟ لقد وضع خلية لاستقبال الشكايات ضد الرشوة كنموذج مصغر لمراكز الاستشارة القانونية، وقد تلقينا شكايات مواطنين يواجهون مشاكل على مستوى الإدارات وتتعلق بالرشوة، وتبين لنا أن أغلبهم يجهلون بحقوقهم وواجباتهم، وأحيانا يظن بعضهم أنه لمجرد عدم استطاعتهم إتمام إجراء في الإدارة، أو لم يصدر القضاء حكماً لصالحهم فإن الأمر يتعلق برشوة قد دفعت، وفي العديد من الأحيان لا توجد هناك دليل وقرينة على السلوكات المسجلة ينطبق عليها توصيف الرشوة. وبالنسبة إلى الحالات المتعلقة بالرشوة فإننا نؤطر أصحابها، ونوجههم للجهات الرسمية المعنية، ونساعدهم على تحرير الشكايات... سبق لرئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة أن دعا قبل شهور إلى الحذر من التعامل مع بعض حالات التبليغ عن رشوة أو فساد في الظاهر ولكنها تصفية حسابات في عمقها، ما رأيك؟ أظن أنها مسألة طبيعية، فالهيئة التي يترأسها عبد السلام بودرار نصبت حديثا، ولا يمكنها تبني كل القضايا التي ترفع إليها، وما قلت يظهر أن ثمة عملاً ملقى على الهيئة والمجتمع المدني إزاء حالات التبليغ، بحيث لا يمكن الانسياق وراء كل الحالات الواردة دون أن تقترن بأدلة إثبات. وعلى كل حال فرأي بودرار مرتبط بسياق هيئة بالكاد ولدت، وترتب أوراقها قبل مباشرة معالجة الحالات التي سترد عليها، بيد أن هذا الرأي قد يكون في بعض الأحيان تحفظي، لأنه يبقى دور التحقيق والتثبت من مصداقية حالات التبليغ عن الرشوة من صلاحية النيابة العامة. محمد علي لحلو هو مدير مركز الرشوة وتطوير الشفافية