في ظل غياب جهات رسمية تقوم بالمهمة أحدثت ترانسبرنسي المغرب منذ غشت 2007 مرصد الرشوة والنهوض بالشفافية في المغرب، ومن مهام تقديم المعلومة للمواطنين فيما يخص مواجهة حالات الرشوة، وتجميع المعطيات المتعلقة بالرشوة وإحداث نظام لليقظة يرصد كل ما يكتب وينشر حول جرائم الرشوة وممارسات الفساد المختلفة، كما أحدث خلية صغيرة تشتغل مرة في الأسبوع لمساعدة ضحايا الرشوة بهدف إرشادهم ومساندتهم. وبعد مرور سنة من التجربة ظهرت الحاجة إلى تطوير العمل خصوصا في مجال حماية فاضحي الفساد، ومن الخلاصات التي قدمتها ترانسبرنسي المغرب المشرفة على المرصد، أن قلة الوارد من الشكايات طيلة سنة (نحو 30 شكاية) يرجع إلى نقص التواصل والإخبار حول وجود هذه الخلية. وأضاف مدير المرصد أن مضمون الشكايات الواردة لا ينطبق دائما مع توصيف ممارسة الرشوة، وهو ما يقتضي وضع مسطرة لترتيب وتصنيف دقيق للحالات قصد معالجتها بطريقة جيدة، على أن الملاحظة التي تم التركيز عليها هو أن المواطنون/المشتكون يجهلون في أغلب الحالات بحقوقهم وواجباتهم، مما يجعلهم فريسة سهلة لمحاولات للابتزاز وطلب الرشوة، إضافة إلى حاجة أصحاب الشكاوى لدعم ونصيحة على المستوى القانونية تمكنهم من تلمس الطرق الممكنة، بما يتيح لهم اختيار أحدها وإيصال صوتهم للسلطات المعنية.وهو ما دفع بترانسبرنسي المغرب إلى وضع دليل لمساعدي ضحايا الرشوة ومركز للمناصرة والاستشارة القانونية، فأما الأول فهو يقدم معلومات مفيدة حول المساطر الإدارية الأكثر استعمالا كجواز السفر وشهادة السكنى ورخصتي السياقة والبناء، وذلك حتى يمارس المواطنين حقوق مواطنتهم عن بينة وقطع الطريق على مستغلي جهل الناس بالمساطر والشروط المطلوبة، ثم يجرد الدليل عناوين وهواتف لمؤسسات رسمية ومن المجتمع المدني يمكن تبليغ الشكاوى لديها، وتضم 8 جهات حكومية و13 جمعيات حقوقية. وفي الجزء الثاني من الدليل عرض لبعض نماذج الشكايات والرسائل لكي يستأنس بها المتضررون عند تقديم تظلماتهم بشأن ممارسات الرشوة أو انعدام الشفافية، مع تقديم نموذج توضيحي على شكل قصة لكيفية مواجهة مشكل الرشوة. من جهة أخرى وبتزامن مع إصدار الدليل أعطت ترانسبرنسي المغرب ابتداءا من دجنبر الجاري انطلاقة مركزا للدعم والاستشارة القانونية، وذلك على غرار المراكز الموجودة في عدد من بلدان العالم، سيما في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية. ومن الأهداف الرئيسية للمركز تقديم الدعم والاستشارة القانونية بشأن المساطر التي يخشى المواطنون أن يتعرض خلالها لضغوطات لتقديم الرشوة، ووضع آليات لاستقبال الشكاوى (خط هاتفي، موقع على الانترنت، بريد إلكتروني، بريد عادي)، واستقبال وتصنيف ودراسة الشكايات حول ممارسة الرشوة، وتقديم مساعدة قانونية للمشتكين، وتوجيه أصحاب الشكايات للسبل الواجب سلوكها والهيئات المناسبة...ويشرف على كل هذا العمل يشرف عليه فريق مهني مشكل من قانونين متطوعين وأطر مهنية تستقبل يوميا الشكايات من الاثنين إلى الجمعة. أولى فأولى وإن كان لا بد أن يستمر أصحاب الغيرة على مصلحة الأمة والوطن في الكشف عن الممارسات الفاسدة والمشبوهة فإن الأولى ملء فراغ يستغله الذين يعتمدون على الرشوة كوسيلة لأخذ امتيازات ومنافع شخصية ليس من حقهم والضرب في العمق لمبدأ المساواة أمام القانون، وسيادة دولة الحق، ويتجلى الفراغ في استمرار عدم شفافية عدد من المعاملات والتشريعات في القطاع العام على وجه الخصوص، وأيضا في القطاع الخاص والنموذج الأبرز هو قطاع البناء والعقار، حيث تنتشر الرشوة بشكل بارز، فضلا عن غياب تكتلات مناهضة للرشوة من داخل الدولة، لأن تحركات بعض هيئات المجتمع المدني لن تجدي وإن كانت ضرورية للتنبيه إلى مثل هذه السلوكات، ولكنها لا تملك قوة القانون والسلطة لتغيير السلوكات الفاسدة ومحاسبة أصحابها... امتحان للحكومة لعل من أبرز المهام الملقاة على الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي تم تنصيب أعضائها قبل أيام، تقديم حماية معنوية لفاضحي الرشوة والفساد، وهو ما يستدعي من الحكومة وعلى رأسها الوزير الأول التي تتبع له الهيئة دعمها ماديا ومعنويا لكي تقوم بالأعباء الملقاة عليها، سيما وأن الحكومات المتعاقبة، ومنها حكومة عباس الفاسي تعرضت لانتقادات شديدة في السنوات الماضية تتهمها بالفشل في تحقيق مكاسب حقيقية في مواجهة مكافحة الرشوة والفساد عمليا في الكثير من المجالات من بينها مأذونيات نقل الأشخاص (الكريمات)، وارتشاء رجال الدرك. ولعل هذا ما دفع الوزير الأول عباس الفاسي خلال حفل تنصيب الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة في بداية الشهر الجاري يعلن بأنه طلب من الوزراء لائحة بعدد الرخص والتراخيص والاستثناءات التي منحتها وزارتهم، وذلك بغية وضع معايير دقيقة وموضوعية لمنحها، ولكي لا تتحول إلى معقل للزبونية والاحتكار، وهي تصريح سيخضع لامتحان المصداقية والشجاعة في المضي بهذا الأمر إلى آخر المطاف، لأن ميدان الرخص والاستثناءات (النقل، الصيد، المعادن...) إلى أحد المعاقل الرئيسة للرشوة واقتصاد الريع، والحصول على منافع شخصية غير مشروعة. الوقاية لا تكفي يلاحظ أن ملامح ما قدمته الحكومة على أنه خطة لمحاربة الرشوة قبل بضعة سنوات على عهد وزير تحديث القطاعات محمد بوسعيد ترتكز على مقاربة الوقاية، وليس علاج المظاهر، ويتجسد ذلك من خلال الدعوة إلى تعزيز إجراءات الشفافية في تمرير صفقات الدولة، وتخليق الحياة العامة (قوانين التصريح بالممتلكات وتبييض الأموال وقانون المنافسة...) وتقوية حس المسؤولية والصالح العام، وتقوية نظام المراقبة والتتبع والافتحاص، وتبسيط المساطر الإدارية والتحسيس والتربية... ولكن محاربة هذه الآفة لن تتم بالتحسيس فقط، الذي لم تفلح الحكومة في تحقيقه، بل أيضاً بواسطة تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة، وتحريك آلية التفتيش المعطلة على ما يبدو، ولا أدل على ذلك أن أقوى جهاز للتفتيش في الحكومة ما زال عمله سريا ولا يكشف للعموم، والأمر يتعلق بالمفتشية العامة التابعة لوزارة المالية، بحيث لم يسبق لها أن نشرت للرأي العام تقاريرها حول سير الإدارات العامة ونتائج مهام الرقابة التي مارستها على المال العام وحسن تدبيره وفضح التلاعبات وممارسات الفساد، وعلى رأسها الرشوة والابتزاز...زد على ذلك أن الحكومة لم تبادر إلى اتخاذ إجراءات عملية بتحريك آلية المحاسبة الإدارية والقانونية في التجاوزات المالية والتدبيرية التي كشف عنها التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات في عدد من المؤسسات العمومية والجماعات المحلية، ليظل كسابقيه حبرا على ورق ومادة للاستئناس فقط.