أصبحت الطائرات بدون طيار السلاح الأنسب، من عدة أوجه، في بلد ضج من الحروب ووجد نفسه فجأة أمام ميزانية تعاني من العجز. تقوم هذه الطائرات المزودة بالصواريخ بدور أكبر، من أي وقت مضى، في عمليات مكافحة الإرهاب، بينما يسعى الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لخفض الوجود العسكري في العراق وأفغانستان، ومع اتساع نطاق تركيز واشنطن ليشمل ملاذات أمنة للمتشددين مثل الصومال واليمن، حيث لا توجد قوات برية أمريكية بشكل دائم. وتستعين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.اي.ايه) بالطائرات دون طيار من طراز "بريديتور" و"ريبر" المسلحتين بالصواريخ "هلفاير" فوق خمس دول على الأقل هي أفغانستانوباكستان والصومال واليمن وليبيا. ولا تقر الوكالة علنا بهذا البرنامج، كما يستخدم الجيش الأمريكي الطائرات بلا طيار، خاصة لعمليات الاستطلاع في العراق وفي أماكن أخرى. وقال مسؤولون أمريكيون، حاليون وسابقون، إن هناك احتمالا كبيرا في اتساع نطاق استخدام الطائرات بلا طيار، لمهاجمة متشددين مشتبه بهم مناهضين للولايات المتحدة. وقال مسؤول أمريكي، طلب عدم نشر اسمه، "يمكن أن يزداد دور وكالة المخابرات المركزية خلال السنوات المقبلة، في ظل تعامل الحكومة مع المخاطر الإرهابية الناشئة". وفي أحدث الهجمات، التي نفذت باستخدام هذه الطائرات، قتل 48 متشددا، يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، في مناطق قبلية بباكستان. وبهذه الهجمات، ارتفع عدد الضربات، التي تقوم بها الطائرات بلا طيار، إلى نحو 260 في باكستان، منذ عام 2004، منها نحو 50 هذا العام وحده، طبقا لإحصاء أجراه مركز أبحاث "أمريكا الجديدة". وقال مسؤول أمريكي إن أغلب تلك الضربات، وتحديدا نحو 225 ضربة، جاءت بعد يوليوز عام 2008، عندما قررت الولاياتالمتحدة تعقب المتشددين في باكستان بصورة أكثر كثافة ومن جانب واحد. ويقر محللون ومسؤولو مخابرات أمريكيون سابقون بصفة عامة بزيادة الاعتماد على الطائرات بلا طيار، لكنهم يحذرون من أن لها عيوبا، بينها سقوط قتلى من المدنيين، واحتمال استخدام التكنولوجيا ضد الولاياتالمتحدة ذاتها يوما ما. وقال جون ناجل، ضابط متقاعد بالجيش الأمريكي "هذه التكنولوجيا ستنتشر وستستخدم ضدنا في السنوات المقبلة". وبدأ استخدام الطائرات بلا طيار، التي يجري التحكم فيها عن بعد ضد المتشددين، بعد هجمات 11 شتنبر عام 2011، وزاد خلال آخر سنة للرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، كما أن أوباما تبنى استخدامها بحماس. وأعلن أوباما، في كلمة ألقاها في 22 يونيو الماضي، أثناء إعلانه بدء سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، التي زاد عددها العام الماضي "عندما نشعر بالتهديد علينا الرد بقوة، لكن عندما يكون استهداف تلك القوة ممكنا فيجب عدم نشر قوات برية كبيرة في الخارج". كانت كلمة أوباما تشير، فيما يبدو، إلى نهاية عصر حملات مكافحة التمرد واسعة النطاق، التي كان يتبناها عدد من الضباط، منهم ناجل، والتي كان يشارك فيها عشرات الآلاف من القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق وأفغانستان. وتركز استراتيجية البيت الأبيض الجديدة، لمكافحة الإرهاب على الحد من الاعتماد على قوات كبيرة على الأرض، كما يرى نائب الرئيس جو بايدن. وجرى استبدال الوحدات القتالية بقوات خاصة وطائرات دون طيار. وقال مسؤول أمريكي كبير، طلب عدم نشر اسمه، "في الغالب تكون الطائرات بلا طيار في بعض الأحيان أكثر الأدوات ملائمة، نظرا لطبيعة الهدف الذي تلاحقه، وهناك أحيان أخرى لا تكون كذلك". ومما يوضح ذلك أن أوباما رفض استخدام الطائرات دون طيار في قتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في أوائل ماي الماضي، وفضل بدلا منها إرسال وحدة خاصة من القوات البحرية. وفي أبريل الماضي، سمح بأسلوب آخر، إذ جرى اعتقال زعيم لحركة الشباب الصومالية المتشددة يدعى أحمد عبد القادر وارسامي في البحر، وجرى استجوابه لمدة شهرين، قبل نقله إلى سجن أمريكي. ورغم ذلك، أقر المسؤول بأن الطائرات بلا طيار تمثل خيارا جذابا خارج ميادين الحرب المعلنة، إذ "تريد أن تكون أكثر قدرة على الانتقاء، وأكثر حرصا في استخدام" القوة الفتاكة. وقال المسؤول الرفيع إنه في العراق ومع تقليص العمليات جرى تخصيص المزيد من الطائرات بلا طيار لجمع المعلومات وأغراض أخرى. وأضاف أن إجمالي ترسانة الطائرات الأمريكية بلا طيار زاد أيضا وتابع "هذا تطور طبيعي بدرجة أو بأخرى، لأنه كلما توفر المزيد من المعدات. يكون هناك ميل لاستخدامها بدرجة أكبر". وقال بول بيلار، أستاذ في جامعة جورجتاون ومحلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إن الطائرات بلا طيار "وسيلة أكثر فاعلية وأفضل تركيزا" فيما يتعلق باستخدام القوة العسكرية ضد المتشددين. وأردف قوله "لكن علينا أن نضع في اعتبارنا، ونحن نتخذ كل قرار بشأن توجيه ضربة باستخدام طائرة دون طيار ضرورة الموازنة بين النتائج الايجابية الفورية للضربة والعواقب المحتملة لها، على المدى الطويل، في ظل مشاعر الاستياء التي ربما تثيرها". وقال مسؤولون سابقون بالمخابرات الأمريكية إن أحد عيوب استخدام الطائرات دون طيار يتمثل في خسارة معلومات استخباراتية محتملة من استجواب المشتبه به أو العثور على أوراق ووثائق تكشف معلومات مهمة. ورفض المسؤول الأمريكي الكبير الانتقادات الموجهة لضربات الطائرات بلا طيار وقول إنها تتسبب سقوط قتلى من المدنيين، وقال إن هذه الطائرات كثيرا ما تكون أكثر دقة من الأسلحة الأخرى الخاصة بمكافحة الإرهاب. وكان يقتل، من حين لآخر، مارة أبرياء في ضربات هذه الطائرات، لكن أعداد القتلى في مثل هذه العمليات انخفضت بصورة كبيرة فيما يبدو خلال السنوات القليلة الماضية. وقال مصدر على معرفة بالبرنامج إن نحو 30 مدنيا و1400 متشدد قتلوا في باكستان منذ أن توسع بوش في استخدام الطائرات بلا طيار، في يوليوز 2008. ووجد تحليل من مركز أبحاث مؤسسة "أمريكا الجديدة" أن معدل مقتل المدنيين "من غير المتشددين" تراجع من نحو 20 في المائة في 2004 إلى خمسة في المائة العام الماضي. وأرجع ناجل الفضل إلى وزير الدفاع الأمريكي السابق، روبرت جيتس، والجنرال ستانلي مكريستال، القائد الأمريكي السابق في أفغانستان، في الضغط من أجل تحسين وسائل الربط بين جمع المعلومات وعمليات الطائرات بلا طيار، ما أدى إلى ضربات أكثر دقة وخفض عدد القتلى من المدنيين.