على بعد حوالي خمسين كيلومترا من الرباط, وبالضبط بجماعة (كريفلة) في اتجاه مدينة الرماني, يرقد جثمان العلامة والفقيه, مؤسس الدولة المرابطية الشيخ عبد الله بن ياسين. على خطى هذا العالم, قررت جمعية البحث التاريخي, بمبادرة من الأستاذ محمد العربي المساري, ورئيس جهة الرباط-سلا-زمور-زعير بوعمرو تغوان, تسيير رحلة علمية نهاية الأسبوع الماضي إلى مدفنه بمشاركة مؤرخين وباحثين. وصلت القافلة بعد ساعة من الزمن إلى تلة تطل على سهول قبائل زعير وبحيرة سد, وعلى قمته ينتصب مسجد لم يكتمل بناؤه, وأمام حيرة الحاضرين يتدخل بوعمرو تغوان "هذا هو الضريح" فتشرئب الأعناق شغفا لرؤية مدفن من شغل الدنيا في زمانه. ضريح عبد الله ياسين, ملتصق بالمسجد, وحسب التكهنات ف"الضريح كان الملهم لبناء المسجد", لحظة صمت لا يكسرها إلا تدخل الأستاذ العربي المساري قائلا "تفضلوا لنقرأ الفاتحة على الروح الطاهرة للعلامة والفقيه عبد الله بن ياسين". وتوجد على حائط الضريح لوحة تذكارية كتب عليها "هنا يرقد الفقيه الصالح والعالم عبد الله بن ياسين ... شهيد حرب بورغواطة ... كان شديد الورع في المطعم يعيش من لحوم الصيد, صائما منذ دخول بلاد صنهاجة إلى أن توفي رحمه الله عام451 هجرية". ثم انطلقت الجولة الاستكشافية مقلبة صفحات التاريخ, وفي خضم ذلك يتعرف الوفد على قبر رجل دفن مباشرة أمام باب ضريح عبد الله بن ياسين, إنه "قبر محمد الناصري بن العارف بالله محمد الزمزمي بن العارف بالله المحدث الإمام محمد بن الشيخ العارف بالله مولاي جعفر الكتاني الإدريسي الحسني, ولد بالمدينة المنورة سنة1334 ه وتوفي بطريق سلا في فاتح ذي الحجة سنة1394 ه ودفن بها تلبية لوصيته". وغير بعيد عن الضريح (حوالي100 متر) ما تزال (مطفية) لحفظ الماء قائمة كما بنيت في عهد بن ياسين, وهي كما يقول الأستاذ حسن حافظي علوي "قديمة قدم المدفن", مضيفا أنه من خلال قناة أو خطارة, وبعملية حسابية تنبني على "الحساب بالأصبع" يتم تزويد المطفية بالمياه عبر قنوات مازالت آثارها بادية للعيان كما وضعت بالآجر (القرميد) الأحمر في عهد بن ياسين. + مدخل لغوي لفهم سر مدفن عبد الله بن ياسين + وحاول حسن حافظي علوي, في محاضرة ألقيت في أعقاب هذه الرحلة بمقر جهة الرباط-سلا-زمور-زعير أن يفك لغز مدفن هذا العلامة الذي يطلق العامة على ضريحه "سيدي عبد الله مول الغارة". وأضاف أن هذا اللقب دفعه للبحث في "لسان العرب" حول هذه التسمية, فربما أطلق عليه العامة "مول الغارة" اعتبارا لمهلكه في حروبه ضد بورغواطة, فالغارة من الإغارة, "تخليدا للرسالة التي حملها ابن ياسين على عاتقه والمتمثلة في رفع لواء السنة وتكريس المذهب المالكي على حساب المخالفين من شيعة وخوارج". أما "مول" وتعني صاحب الشيء, فلفظ الغارة يوحي هنا بالمجهود الذي بذله بن ياسين في محاربة البورغواطيين, وعلى هذا يكون بن ياسين "صاحب الغارة", صاحب صولات وجولات على "المارقين", لأنه "أثخن في العدو".