“الفلكيون والفلك بتازة: سيدي أحمد الطواش التازي نموذجا” للباحث في الحضارة المغربية: مَحمد العلوي الباهي ملقاة كأرضية للدورة الأولى من: “مسابقات الفطناء لأخبار من اشتهر بتازة من العلماء“ تنظيم المجلس العلمي المحلي بتازة لفائدة مؤسسات التعليم الثانوي والجامعي بالمدينة يوم السبت.23. ربيع الأول 1430 موافق 21 مارس 2009 أولا: تمهيد حول موضوع المحاضرة: ” الفلكيون والفلك بتازة- سيدي أحمد الطواش التازي نموذجا”.هذه – أيها السادة الكرام- محاضرتي اليوم في رحاب أنشطة المجلس العلمي المحلي “وجمعية تازة للتنمية والتضامن”. وأبدؤها بتساؤلين:أولهما:لماذا موضوع الفلك ؟وآخرهما: لماذا سيدي أحمد الطواش؟. أما علم الفلك : فيرجع إلى إرادة مسايرة تقدم العصر وأنشطته الدولية التي ينخرط فيها المغرب. فبالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط وفي إطار منظمة اليونسكو والاتحاد العالمي لعلم الفلك تم في رابع عشر فبراير الماضي افتتاح فعاليات السنة الدولية لهذا العلم ، بمشاركة باحثين فلكيين مغاربة من جامعات القاضي عياض بمراكش والحسن الثاني بالدار البيضاء، ومحمد الخامس بالعاصمة. وفي هذا اليوم قدم مشروع ما تنوي المفوضية الأوروبية بناءه في المغرب (بجبال الأطلس) أو إسبانيا أوالشيلي أوالأرجنتين من أكبر مرصد فلكي في العالم. وإنما رشح المغرب لهذا المشروع لمؤهلات الجغرافية الهائلة وكفاءاته العلمية متخصصة الهامة. وهذه المحاضرة – بما يصاحبها من تنشيط هادف- مساهمة في إظهار ما للمغرب في الحاضر من المؤهلات والكفاءات السالفة الذكر وما له في الماضي من تراكمات هامة في الموضوع. وهي دعم للجهود المبذولة لتعزيز ملف بلدنا حتى يفوز باختياره لاحتضان بناء المرصد الفلكي النتظر. وأما سيدي أحمد الطواش: فلأنه عالم فلكي، علاوة على ما له من مواهب أخرى ، في الفقه والشعر، والتصوف، والتربية وغير ذلك. وللتعريف به أقول: هو سليل الدوحة النبوية وأحد أعلام المغرب وأحد رجالات تازة الأجلاء في مطلع القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، مشهود له بالولاية والصلاح، صوفي دارك وعالم متبحر. جده محمد الهادي الحسني نزح من العراق إلى المغرب في النصف الأول من القرن الثامن الهجري على عهد السلطان أبي سعيد عثمان سادس ملوك بني مرين، الذي استقبله بكل حفاوة وإكبار وأكرمه وأجزل صلته ولد سيدي أحمد الطواش عام 1119ه (1708م) في تازة، وتلقى تعليمه الأولي بها ،ثم التحق بالقرويين، وأصبح من كبار علمائها. توجه إلى المشرق قصد الحج والدراسة، ولما عاد إلى تازة زاره كثير من علماء المغرب للتهنئة، وأنشدوا في ذلك قصائد رائعة، أقرأ لكم مطلع واحدة منها.. وهي للعلامة الشيخ أبي القاسم معنينو الذي جاءه من سلا فقال: الآن تازة برق نورها سطعا وطالع السعد في أرجائها طلعا ولازم الأنس أهلها بمقدم من كل العلوم إليها حكمها رجعا الماجد الشيخ أحمد الطواش بحر العلوم لنا من صدره نبعا هيهات أن يدرك الرجال رتبته في الرأي والعلم والحق الذي تبعا توفي عالمنا بتازة – مسقط رأسه- عام 1204 ه (1790م). وبجانب ضريحه “بالشقة” ستشيد قريبا “المؤسسة الخيرية سيدي أحمد الطواش التازي” كمشروع حضاري ومركب ديني وثقافي واجتماعي للساهمة في تنمية المنطقة، وذلك بمساهمة مشكورة من أحد حفدته السيد عبد الله عبد القادر التازي الطواش المقيم بالمملكة العربية السعودية. ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أشير إلى أن سيدي أحمد الطواش هذا كان من بين الأعلام التازية المغمورة. وبعد بدء حفيده السيد عبد الله عبد القادر في البحث عن تراثه ،ومخلفاته العلمية المخطوطة، ظهر فجأة بالرباط في طبعة فاخرة التأليف الأول في ذلك. وبحول الله وقوته سيظهر الكتاب الثاني من تازة وسأتشرف بتأليفه تحت عنوان: ” تازة ونوستالجيا سيدي أحمد الطواش”. وما نحن بصدده في موضوع علم الفلك ليس إلا من فصول هذا الكتاب. ثانيا:محاور المحاضرة: محاور المحاضرة خمسة كالآتي: المحور الأول: سيدي احمد الطواش التازي كعالم فلكي. المحور الثاني: الشقة الساعية كما حددها هذا العالم. المحور الثالث: سمت القبلة بتازة. المحورالرابع: العالم الفلكي جابر الغياثي التازي. المحورالخامس: الفلكيون والفلك بتازة. المحور الأول:سيدي أحمد الطواش التازي: كعالم فلكي أصبح من المؤكد أن الفقيه سيدي أحمد الطواش التازي كان كذلك “عالما من علماء الفلك”. وعلم الفلك هذا يشتمل على فروع متعددة تساعد الفقهاء على ضبط الأحكام والقيام بالواجبات الدينية والدنيوية. وتشمَل هذه الفروع: التوقيت، سمت القبلة، الأنواء،(1) الأزياج، الهيئة، وضع آلات الرصد والتقويم والعمل بها، ورؤية الهلال. واستنادا إلى نص صريح بين أيدينا، فقد تضلع سيدي أحمد الطواش التازي في علم المواقيت، الوثيق الصلة بالفقه الإسلامي،والذي يُعمل في أساسه على الرياضيات والفلك والجغرافية الرياضية، وبهذا العلم تضبط أوقات الصلوات والصيام ومعرفة القبلة وأزمنة الأيام نهاراتها ولياليها والطوالع وبروج الكواكب ومقادير الظلال والارتفاعات والانحرافات (2) ..إلخ. ففي تقييد العلامة القاضي سيدي أحمد سكيرج لبعض المسائل، ما نصه: [وجدت بخط العارف بالله سيدي أحمد الطواش، مسألة لمعرفة كم من ساعة يغيب القمر من الليل في النصف الأول من الشهر؟ وعلى كم من ساعة يطلع في النصف الثاني من الشهر؟ ..(3)] إلخ. وقد شرح المسألة وكيفية إتمام العملية بحسابات رياضية دقيقة. وأتبعها بمسألة أخرى في معرفة: “في أي منزلة هي الشمس؟” وقد كان حافظا لأراجيز شعرية يتخذها كقواعد علمية لحل كل مسألة أراد الاشتغال عليها.. أحد النصوص في “علم التوقيت” التي نقلها القاضي سيدي أحمد سكيرج من مؤلفات سيدي أحمد الطواش التازي فمن مسألتي هذه الوثيقة نعلم علم اليقين أن سيدي أحمد الطواش التازي كان عالما من علماء الفلك عارفا بمواقع النجوم ودائرة الأفلاك، ملما بالآلات الفلكية كالأسطرلاب والمزاول والأرباع (المجيبة والمقنطرة) وعلى دراية بالمادة الفلكية والوسائل الرياضية لاستعمالها. وله في هذا وفي فنون أخرى تآليف مخطوطة. نحن حريصون على اكتشافها وما بين أيدينا ليس إلا جزءا من كل. ولعل من تأليفه بعض ما تكتنزه المكتبات داخل المغرب وخارجه من كتب ومصنفات مبتورة الأول أو الآخر، أو مجهولة المؤلف . المحور الثاني:”الشقة الساعية” في علم الفلك كما حددها سيدي احمد الطواش اشتغال سيدي أحمد الطواش التازي بعلم الفلك جعلني أتعمق في هذه المسألة وأبحث في جوانبها. وقد وجدت شيئا مذهلا وهاما يعد اكتشافا غير مسبوق في الحياة العلمية لهذا الرجل وفي تاريخ علم الفلك بتازة. وهذا الاكتشاف بفرض نفسه بحججه الدامغة وقوة الواقع الجغرافي للمنطقة والمدلول التاريخي للوثيقة. لقد تأملنا المسألتين الفلكيتين اللتين اشتغل عليهما الفقيه الفلكي سيدي أحمد الطواش التازي الشقاوي، نسبة إلى “الشقة”. و”الشقة” هذه موقع بالضاحية على أمتار جنوب أسوار مدينة تازة كان يقيم فيه سيدي أحمد الطواش وبه ولد ونشأ وتعلم وفيه توفي ودفن. جاء في معلمة المدن والقبائل: “الشقة خندق بين جبلين فيه واد. وعلى حافتيه بناءات ودور كانت قبيلة غياثة تتحصن به” (4). فالشقة بجانب الخندق حصن لمراقبة أي هجوم زمن الحروب. ومراقبة النجوم في غير ذلك. وكانت قصبة مصورة ولها بابان. وكان الفلكي الطواش يستعمل سطح داره بهذا الموضع كمرصد للنجوم، فيضع الأزياج - وهي جداول فلكية تحسب حركات الأجرام السماوية ومواقعها -، ويرصد الكواكب الثابتة والمتحركة ويضبطها بطرق هندسية مستعينا بما يتوفر عليه من آلات الرصد والتقويم. فمن هنا يمكننا بجلاء القول بأن الفلكي سيدي أحمد الطواش قد استخدم في استنتاجاته الفلكية اسم “الشق” كمصطلح جغرافي للاستدلال بما هو ثابت على الأرض من شق بين جبلين. ووجد أن هذا الشق يوافق: ساعة الصفر في منتصف الليل وهو يتوسط ساعات اليوم ويمثل خط الطول.وعلى يمينه اثنا عشرة ساعة شرقا وعلى يساره مثلها غربا. وخط الشقة هذا هو خط غرينيتش العالمي على أيامنا هذه. فغرينيتش في لندن بأنجلتراتوافق الشقة في تازة بالمغرب المرجع:المنجد في اللغة والأعلام وهما على خط طول واحد منحدر من شمال إلى جنوب الكرة الأرضية. وغرينيتش (Greenwich) مدينة في أنجلترا جنوب غرب لندن وفيها مرصد فلكي شهير. وبالنسبة له حدد خط الطول: صفر. في سنة 1087 ه 1676م فهل يكون الفلكي سيدي أحمد الطواش بعد مرصد غرينيتش بقرن من الزمن تقريبا قد حدد فعلا خط الطول بمرصده بدوار الشقة بتازة حيث إقامته الصيفية،..؟ هذا ممكن ما دمنا نعلم الآن أن توقيتنا هو توقيت غرينيتش. ويمكن أن يكون قد سمى هذا الدوار بالشقة كاصطلاح فلكي مستمد من الجغرافي (الخندق) لموافقته لخط الطول “صفر” فقد يكون الناس قد نسوا حقيقة اصطلاح “الشقة” لضياع نصوصه... فالخندق الذي نحن بصدد الكلام عنه بين جبلين يجري بالماء ويسمى ب”واد الهدار” لهدير مائه.والموقع السكني يسمى أصلا ب”بني وجان”. ولعلنا نكتشف مستقبلا نصا آخر لسيدي أحمد الطواش يثبت فرضيتنا. وحتى ذلك الحين يبقى التعريف بالشقة عند الفلكيين كالآتي:( حسب “منجد اللغة والأعلام”): وجاء في منجد اللغة والأعلام كذلك: « الشُّقة الساعيَّة في علم الفلك منطقةٌ يحدُّها خطا طول بينهما خمس عشرة درجة وهي الساعة الواحدة »(5) « الشُّقة صفر يتوسطها خط غرينيتش الذي يعين الساعة بالنسبة إليه اصطلاحا »(6) وخلاصة القول لقد اجتمعت هذه “الشقة” مع غرينيتش على خط الطول: صفر. والعالم الفلكي سيدي أحمد الطواش اكتشفها – بفارق بسيط – قبل زمننا هذا ب: 250 سنة. وقد ضبطت حاضرا – بالتدقيق مع التقدم العلمي الهائل- مع ميل بسيط شرق تازة. ومرة أخرى فإن وثائق العالم الفلكي سيدي أحمد الطواش التازي تتضمن نصوصا، صريحة في الموضوع. المحور الثالث:سمت القبلة بتازة عند بداية تشييد أي مسجد، لابد من إحضار الفقهاء وعلماء الفلك، قصد تحديد سمت القبلة من خلال النجوم الثابتة، ومطالع الشمس ومغاربها، ومطالع القمر. ومعرفتهم الدقيقة بحساب طول البلد وعرضه (أي ما نسميه اليوم بالإحداثيات الجغرافية) (7) وبما أن صحة الصلاة تتم في شرطها الثالث بالاستقبال الصحيح للقبلة. فقد اتفق فقهاء تازة وفلكيوها بمساعدة آخرين من خارجها (في زمن لم نحدده بعد): على بناء محراب – عبارة عن قوس مفتوح في الاتجاه الصحيح للقبلة متجها إلى الشرق حيث مطالع الشمس .- هو بالنسبة لهذه المدينة سمت قبلتها المهتدى به لأداء الصلوات في المساجد والبيوت وغير ذلك.. وهو الشاهد الذي تنصب محارب المساجد في نفس اتجاهه. والبوصلة التي يهتدى بها لمعرفة الاتجاهات الأربعة: فأمامه الشرق وخلفه الغرب وعن يمينه الجنوب وعن يساره الشمال: وقد كتب عل جبهته فوق قوسه الآية الكريمة: ﴿فَوَلّْ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ (البقرة-150) قوس محراب مفتوح على القبلة كسمت لها بتازة. كان قائما إلى حدود شهر أكتوبر 2005 بجانب ربوة ضريح العلامة سيدي علي بن بري. وقد شيد هذا البناء كصرح معماري حضاري وأثر ديني تراثي في طرف المدينة وفي منتهاها الحضري خارج أسوارها على مرتفع يطل على القادم من الشرق. و قديما كان يوجد مثله في الكثير من المدن الإسلامية الكبيرة . زرته أكثر من مرة وعاينت أبعاده في رسم مخطوط، وأخذت له صورا معبرة بقيت كشاهد وحجة للتاريخ. وقد تعرضت هذه البناية للهدم يوم الثلاثاء 7 رمضان 1426 (11 أكتوبر2005م) ولم تعد موجودة مثل ما يقع للكثير من الآثار. وبفهرس مخطوطات الخزانة العلمية بالمسجد الأعظم بتازة وجدت صورة منسوخة لرسم بياني من مخطوط يحدد سمت القبلة بحسب الأقاليم. وحسب بطاقته التقنية بالفهرس صفحة: 238 فالمخطوط يحمل رقم: 317 ورقمه التسلسلي: 224 وهو في الفقه مبتور الأول يضم 131 ورقة. بخط مغربي. نسخه: محمد الجزنائي العرقوبي في آخر شوال 1099 ه (27 غشت 1688 م) ولم يتيسر لي الإطلاع عليه بعد). والطريف في هذه الوثيقة (التي تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون) هو الرسم البياني الذي لاشك أنه لفقيه مهندس، وما أحوجنا إلى مثل هذه الرسوم الهندسية في تراثنا المعماري الأصيل. المحور الرابع: العالم الفلكي التازي جابر الغياثي أولا:”كتابه في علم الفلك: بالمكتبة الوطنية بالرباط مخطوط في علم الفلك تحت عدد 2187.د يحمل عنوان: “الغياثي” وهو كنية لمؤلفه. يوجد في ثلاثة نسخ يحمل كل واحد منها عنوانا فرعيا على الشكل التالي: 1- نَظم مُقَرِّب المطالب 2- رسالة في الربع المجيب 3- العمل بالربع المجيب لقد أثار انتباهي -أنا الشغوف بتراجم الأعلام- اسم “الغياثي” .فوقفت عليه لأتصفحه علني أكتشف من هو هذا الغياثي؟ من هو هذا الفقيه المتضلع في علم الفلك؟. في بداية المخطوط وجدت اسمه هكذا: قال الفقيه الأجل العالم الأفضل بن عبد الله الغياثي رحمه الله تعالى ورضي عنه”. واستهله بقصيدة” من واحد وستين بيتا نظمها في علوم الفلك ،وهذا مطلعها المنسوخ: وبالهامش كتابة ربما حاولت التعريف بصاحب الكتاب أو بمالكه. لكن عتم عليها بطلاء مداد، وقد استنتجت من قراءتها الأولية ما نصه: “...عبد الله فارس.محمد بن عبد الجبار بن علي بن أحمد لطف الله به”. “رحمه الله”. (وعبارة رحمه الله أضيفت بعد وفاته.) وبالهامش كذلك: “هذا المجموع رجع ملكا للطاهر بن محمد الوزان يملكه بالشراء الصحيح”. وبالصفحة الأولى طابع عليه كتابة: “تحبيس المخطوط على كل مسلم يحيى اللغة العربية”. المخطوط في علم الفلك، في معرفة المطالع الفلكية والعمل بالكواكب، ومعرفة الأوقات.. من مواضيعه: بهجة الطلاب في العمل بالأسطرلاب.. زمانية الأدراج..عرض البلد.. مكتوب بعناوين ملونة وبخط جميل جدا. به جداول تامة بتحديد العرض والطول في كل من إفريقيا وآسيا وأروبا مثل غانا والتكرور ومقاديشيو وسجلماسة وتازة وفاس ومكناس ومراكش وطنجة وغرناطة وقرطبة والمرية وطليطلة، وتلمسان والجزائر وتونس والقيروان وطرابلس ومكة وفلسطين وبغداد والبصرة والموصل ودمشق.. إلخ. وفي الصفحة 106 نجد رسالة لطيفة في العمل بالكرة تشتمل على ثلاثة عشر بابا منها: ربع المقنطرات وسمت القبلة ..إلخ. وأضاف جامع هذا المخطوط نصوصا أخرى إليه، منها: رسائل لابن البناء، والماردني، والوركاني. نموذج للجداول التي تحدد طول وعرض البلدان من كتاب “الغياثي” مخطوط المكتبة الوطنية بالرباط رقم 2187.د ثانيا:كتابه في التاريخ الغياثي وبمكتبة النجف بالعراق مخطوط يحمل رقم 1738 وآخر بجامعة بغداد تحت عدد: 61 حول تاريخ العراق (في فترة مفقودة من تاريخه). هذا الكتاب تحت عنوان “التاريخ الغياثي” (الفصل الخامس) من سنة 656-891ه/1258-1486 م (8) قام بدراسته وتحقيقه الدكتور طارق نافع الحمداني(9). صفحة الغلاف من كتاب: “التاريخ الغياثي”.ومخطوطه بمكتبة النجف رقم 1738وبجامعة بغداد عدد: 61 وقد كتب في مقدمته: “يعد ذا قيمة تاريخية كبيرة، حفظ لنا معلومات مهمة عن العصور التي أعقبت سقوط بغداد بيد هولاكو إلى سنة 891 ه/1486 م. وهي المعلومات التي بقيت غامضة حتى الوقت الحاضر، كذلك كان هذا الكتاب وما يزال أهم مصدر عنها بالعربية. وليس هناك مصدر آخر يضاهيه في معلوماته عن العراق. وكذلك فقد اعتمده كثير من المؤرخين وعدوه من مؤلفات عراق العرب ونقلوا عنه. عبد الله الغياثي صاحب هذا التأليف، له إحاطة باللغة التركية وإجادة جعلته يترجم منها إلى العربية كتابا في علم الفلك هو: “تاج المداخل في علم النجوم”. تساءل الدكتور طارق نافع الحمداني محقق: التاريخ الغياثي عند كلامه عن إجادة “الغياثي” لعدة لغات إجادة تامة قائلا: “لا نستطيع أن نجزم بأنه انحدر من أصل مشارقي؟” وأضاف متسائلا مرة أخرى: “ربما يكون عراقيا اندمج في بيئة أعجمية خلال المائة التاسعة؟” (10). ويستبعد الحمداني في دراسته أن يكون هذا الغياثي “عراقيا”. فمن يكون إذن؟ عنه يضيف الحمداني قائلا: “ويكتنف الغموض حياة هذا المؤلف. إذ ليست لدينا أية معلومات عن أصله ومولده وأسرته ونشأته الأولى وثقافته”. بهذا يكون الدكتور الحمداني قد أثبت بما فيه الكفاية أن الغياثي هذا ليس من العراق ولا من أي بلد في المشرق. فيبقى لنا التأكد من مغربيته وانتمائه إلى غياثة مدينة تازة (318 كلم، شرق الرباط العاصمة). وكلمة غياثة مشتقة من: (الإغاثة أي الإنقاذ) ومفردها: “الغوث” أو “الغياثي”. فمن هو هذا الغياثي مرة أخرى؟! لقد ورد اسمه في كتابه: “التاريخ الغياثي” في موضعين متخفيا وسط الألقاب:. - الأول: “عبد الله فتح الله البغدادي الملقب بالغياث”. - الثاني: “غياث الدين فتح الله الكاتب البغدادي”. ورغم قلة المعلومات بل ندرتها عن العصر الذي عاشه بسبب الفتن وتواتر المحن التي كانت على أيامه، فإننا نعلم من تاريخه هذا، أنه كان جوالا وصاحب رحلة. فقد أقام في حلب بسوريا حوالي سنة 872ه (1468 م) وجال ببلاد الشرق ومنها العراق وعاش أيام سقوط الخلافة العباسية في مصر على يد السلطان سليم الأول سنة: 923ه/1517م.ولما أقام في بغداد سموه بالبغدادي، ولما عين كاتبا لديوان الإنشاء ببغداد نعتوه “بالكاتب البغدادي “واشتهر حتى عرف “بالبغدادي”. وكثيرهم كان لا يعرف حقيقة اسمه الذي اختفى تحت شهرته ككاتب ومترجم ومؤرخ وعالم فلكي وإطار مهاجر يتوفر على حنكة ومعرفة وكفاءة رشحته ليتبوأ منصب الكاتب الأول في بغداد عاصمة الدنيا. وهو ما يعرف على عهدنا الآن في الدول المتقدمة ب: “هجرة الأدمغة “. وهكذا اشتهرت أعماله به واشتهر بأعماله فكان تاريخه في بغداد يحمل كنيته “الغياثي”. وكان تأليفه في الفلك بالمغرب يحمل كنيته “الغياثي” وذلك على شاكلة ما وقع لابن خلدون وابن بطوطة في تأليفيهما “تاريخ ابن خلدون” و”رحلة ابن بطوطة”. بقي لنا أن نربط ما بين ماله من أثر في المشرق وما له في المغرب في أهم محطاته. لنخلص إليه كشخص مغربي واحد ينتمي إلى ” تازة”. لم يعد يخامرني شك. وأصبحت جازما قطعا أنه مغربي. ومما يزيد في تأكيد ذلك ما في تأليفه “التاريخ الغياثي” عن العراق. من العربية الممزوجة بالألفاظ الأعجمية وبعض المفردات العامية المعروفة في الدارجة المغربية (وهي ألفاظ غريبة عن العراقيين ولا يأتي بها إلا غريب عنهم) (11). ذكر “عبد الله الغياثي” في مؤلفه عن العراق الذي سماه بنفسه كتاب “التاريخ الغياثي”: أن من كتبه في علم الفلك كتاب تحت عنوان: “رسالة للعمل بالربع المجيب” والذي يحمل في نسخته الأولى اسم: “نظم مقرب المطالب” وهذا المؤلف هو عينه مخطوط المكتبة الوطنية بالرباط المتقدم الذكر. وعليه يكون هذا الفلكي الكاتب المؤرخ هو نفسه من أشار إليه الدكتور محمد الراضي ڭنون. في كتابه: “العلامة الشريف سيدي أحمد الطواش التازي” الصادر حديثا (12) عند ذكره لبعض الأعلام الذين أنجبتهم مدينة تازة. وأثبت ” تازيته ” وهو ما ذهب إليه حدسنا المعرفي... فقد ذكر أن له نفس المؤلف في: “علم الفلك”مع إضافة اسم “جابر” إلى اسمه حيث قال: “ومنهم العلامة جابر بن عبد الله بن جابر الغياثي التازي، صاحب كتاب: “مقرب المطالب في علم التقويم والتنجيم والكواكب”. وفي المجلد الثالث. الجزء الخاص بعلم الفلك من فهارس الخزانة الحسنية بالرباط، تصنيف للدكتور محمد العربي الخطابي (13) (وقد أهدتني الخزانة الحسنية نسخة منه) جاء في الصفحة 371 منه ذكر مخطوطة تحت عدد :224، عنوانها: “مقرب المطالب في تعديل الكواكب” وهو رجز من نظم جابر بن عبد الله الغياثي السالف الذكر. المحور الخامس:الفلكيون والفلك بتازة عرفت تازة عصورا من الازدهار الحضاري طيلة قرون مضت. عندما كانت القوافل الشرقية والأندلسية تمر عبر مضيقها بحمولتها الفكرية والثقافية والتجارية والاقتصادية لنرصد نحن بدورنا ما تبقى بتازة بلاد “سيدي أحمد الطواش التازي” من تلك الحضارة، ونلخصها في ثلاث أشياء: وهي: المنشآت والأدوات. والكتب المخطوطة، وتاريخ العلماء الفلكيين : أولا: المنشآت والأدوات: ومنها: 1. البرج الأسطواني المسمى “بسرازين” وتعني “الشرقيين” الموجود إلى الآن على أسوار مدينة تازة من الجهة الجنوبية، ويطل على وادي الهدار ويعد أقدم صرح فلكي في المغرب إذ كان يستخدم في أيام السلم كمرصد لمراقبة النجوم. مرصد مدرسة أنملي الباقية آثاره إلى الآن كذلك، وهو عبارة عن برج مربع عال. (مدخل فندق قرب سيدي عيسى حيث كانت مدرسة أنملي ). 1. الساعات الرخامية الشمسية الأربع الموجودة بالمسجد الأعظم بالمدينة لضبط أوقات الصلاة، 2. الأسطرلاب العلمي الفريد في استخداماته الذي كان يستعمل في الرصد وتعليم الطلاب بتازة علم الفلك. وتذكر بعض المصادر أنه مما أخذته الإدارة الفرنسية في عهد الحماية. ثانيا:الكتب المخطوطة: وأكتفي هنا بذكر ما هو مثبت في فهرس مخطوطات الخزانة العلمية بالمسجد الأعظم بتازة. في جزئه الثاني الصفحة:945. حيث توجد لائحة تضم تسعة عناوين كتب مخطوطة وهو كل ما تبقى بهذه المكتبة من كتب الفلك والتوقيت والأسطرلاب. وتحمل الأرقام التسلسلية من 826 إلى 834. ثالثا:تاريخ العلماء الفلكيين: عرضنا بعضا من المنشآت والأدوات والمخطوطات الفلكية بتازة وبقي لنا أن نعرض بعضا من رجالات الفلك والعارفين بفنونه في المدينة التي عاش فيها عالمنا الفلكي الذي نترجم له، ومنهم: 1- المعلم محمد الصدِّيني، نسبة إلى صدِّينة المدينة التي سادت ثم بادت، بجماعة أولاد الشريف، بملحقة بني لنت بالتسول؛ هذا العالم الذي عاش بتازة على العهد المريني، وكان مهندسا فلكيا، رسم مقاييس ساعة مائية جديدة من ابتكاره، نفذ صناعتها الصانع محمد الصنهاجي النطاح، ونصبها بغريفة منار القرويين عام 717 ه 1317م. 2- عبد الرحمن الورتناجي التسولي، من مؤلفاته: ” تقييد في الشهور العجمية وما يحدث فيها ” وهو مخطوط بالمكتبة الوطنية بالرباط، تحت رقم 2023. د. وقد شرحه مؤقت القرويين عبد الرحمن الجادري. 3- أحمد المطرفي الأحلافي، نزيل مدينة تازة على العهد السعدي، له مصنفات عديدة في مختلف الفنون،ومنها: - ” رسالة في العمل بالأسطرلاب ” ، مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، تحت عدد:7102.د - ” جمع المهمات المحتاج إليها في علم الميقات ” موجود بالمكتبة الوطنية تحت عدد 2178 ب. توفي سنة 1001 ه 1592 م. 4- محمد بن الحاج محمد الخصاصي، عاش على العهد العلوي مطلع القرن العشرين، وتولى القضاء بتازة، ودرّس بها مادتي الحساب والتوقيت. كان فقيها حيسوبيا، فرضيا، مؤقتا. وعنه قال الوزير محمد الحجوي في فهرسته: إن والده الحسن الحجوي قرأ عليه بتازة وكان من أعضاء مجالس العلم التي كان يعقدها ويشرف عليها بتازة الفقيه محمد بوحجار. ومن مخلفاته المخطوطة: ” العطر المطيب في استخراج الأوقات بعلم الحساب”. وقد اختاره السلطان العلوي المولى عبد العزيز للإمامة به ومصاحبته. ولد بتازة وتوفي بطنجة يوم 10 ماي 1935. 5- الطاهر الصقلي، مؤقت الجامع الكبير في الأربعينيات من القرن الماضي، وهو آخر الفلكيين التقليديين بتازة ووالد الأستاذة الجامعية في الاقتصاد : بديعة الصقلي، أول امرأة تفوز بمقعد في البرلمان المغربي. 6- الدكتور إدريس بن صاري، عضو أكاديمية المملكة المغربية، وهو من العلماء (التوازة) المعاصرين لنا، مؤسس ورئيس كل من” الجمعية المغربية لعلم الفلك “، ومن “جمعية تازة للتنمية والتضامن”.وهو الآن بصدد التفكير في إقامة مرصد فلكي بتازة بشراكة مع خبراء دوليين، وتمنينا حضوره معنا ليفيدنا بمزيد من المعلومات في هذا المجال إلا أن وجوده حاليا بالعمرة حال دون ذلك. مَحمد العلوي الباهي الهوامش: 1)- علم الأنواء: من أقدم العلوم الفلكية ارتباطا بما يعرف اليوم بعلم المناخ أو الطقس، ويتناول فصول السنة وتواريخها والمهمات من الأيام فيها، وهو يخوض في مواقيت الفلاحة من حرث وغرس وجني للمحاصيل. ونعلم مسبقا أن العلامة سيدي أحمد الطواش التازي علاوة على إتقانه لعدة فنون، فهو فلاح ملتسق بالأرض يغرسها ويستفيد ويفيد الآخرين من إنتاجاتها. 2)- كتاب علم المواقيت، أصوله ومناهجه تقديم وتحقيق د. محمد العربي الخطابي ط.1. المحمدية 1407ه/1986 م. 3)- نشرت هذه الوثيقة في كتاب العلامة الشريف سيدي محمد الطواش التازي. 4)- الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية للأستاذ عبد العزيز بن عبد الله. الملحق 2. ط 1. المحمدية 1397ه/1977 ص 289. 5)- المنجد في اللغة والأعلام ط:2 بيروت 1969. ص 396. 6)-المرجع نفسه. 7)- عبد اللطيف الحوتة علم الفلك بالمغرب: “معلمة المغرب” المجلد: 19 ص: 6525. 8)- نشرته جامعة بغداد سنة 1975 في 461 صفحة من الحجم الكبير مع مختصر له باللغة الإنجليزية في آخره. 9)- أستاذ القانون والسياسة بجامعة بغداد. 10)- الصفحة: 11. هامش:4 11)- وظف بعض مفردات الدارجة المغربية في كتابه هذا الذي كتبه باللغة العربية، وقد أهمل فيه الإعراب وقواعد اللغة العربية كنتيجة (لما اختلط عليه) بتضلعه وتعلمه الكثير من اللغات مثل: التركية والمغولية والكردية والهندية. وقد جاءت بعض المفردات منها في الكتاب. 12)- نشر المؤسسة الخيرية سيدي أحمد الطواش التازي مطبعة الفضيلة الرباط 1429 ه/2008. 13)- طبع في الرباط 1983.