تنتظر الأم بفارغ الصبر أن ترى طفلتها يافعة معتمدة على نفسها في عدد من أمور حياتها اليومية، لكنها في خضم هذه الفرحة تنسى أن هذه الطفلة تصبح مراهقة أي في مرحلة تحتاج إلى اهتمام أكثر بانشغالاتها، التي قد تؤثر على سلوك الفتاة المراهقة. إنها فترة أيضا للتحولات الهرمونية والجسمانية، تتحول فيها الطفلة إلى شابة ناضجة، أو هكذا ترى نفسها، في الوقت الذي تصبح تصرفاتها محط مساءلة ومناقشة. ويعتبر المتخصصون الاجتماعيون أن مرحلة المراهقة هي واحدة من أكثر مراحل الحياة تأزما، خاصة عند الأسرة التي تلاحظ تغيرات كثيرة لم يسبق للطفلة أن قامت بها من قبل، وبما أن الطفلة هي كذلك في أعين الوالدين مهما بلغ سنها، فذلك ما تستغرب له، ما يخلف شعورا بالقلق والخوف على فلذة الكبد من انزلاق أو انجراف قد يتسبب في أذى لها. "بلوغ سن المراهقة، عند الفتاة، هو عاصفة كبيرة تعيشها الأسرة قبل الطفل، الذي كبر"، تقول نورا التي ترى طفلتها تكبر أمام عينيها، لكنها تحار أمام أفكارها واختياراتها وقناعاتها. وتخاف نورا من أن تتسبب، بتدخلاتها وتوجيهاتها لابنتها، في مشاكل أو اضطرابات نفسية لها، موضحة أن "الكثير من المراجع والكتب تؤكد على التزام نوع من التعامل الحذر والمنضبط مع المراهق حتى لا يتعرض إلى أي هزات نفسية قد يستعصي تجاوزها في ما بعد، وهذا ما يقلقني، لأنني أصبحت، ليس أمام طفلة كنت قادرة على ضبطها، بل أمام فتاة يافعة كبرت، وتعتبر نفسها لا تختلف عني في شيء، ولابد أن تكون المعاملة معها بأسلوب آخر يعتمد الندية والحوار والإقناع". ولذلك، يرى المختصون أن أي توجه أو سلوك يتحرك بدوافع العواطف والأحاسيس، خاصة حين تكون التصرفات السلوكية للمراهق غير منضبطة، وليس لها إطار محدد، يكون هو السبب الحقيقي في حصول الكثير من المشاكل الأخلاقية، فكثيرات من المراهقات لا يعتبرن أوامر ونواهي الوالدين على أنها ملزمة لهن، بل يجب أن تخضع هذه الأوامر إلى تحليل من قبلهن، قبل اتخاذ القرار الذي يقتنعن به، وإن كان يتعارض مع رأي الأب أو الأم. إن سلوك الفتاة المراهقة ينتظم ويتشكل بالتدريج، ويتجه نحو النضوج والاكتمال، إلا أن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب فترة زمنية أولا، يكون فيها للصبر والتحمل، من قبل الوالدين أو المربين، نصيب كبير حتى لا تنفلت الأمور. وأثبتت الدراسات أن سن المراهقة يستحدث عند الفتاة، خصوصا بين 12 و13 سنة، نوعا من الوعي المختلف في مجالات عديدة، وبالخصوص ما يتعلق بالوعي الوجداني، والوعي الفطري، كما تتأثر، بشكل واضح، بأخلاق وسلوكيات الآخرين نتيجة انخراطها في الحياة الاجتماعية، التي تزخر بالنماذج، ما يبدو في نظرها، عالما جديدا، مليئا بالأسرار والمفاجآت، وتبحث فيه عما تراه ينسجم مع ميولها ورغباتها النفسية في حياتها الشخصية والاجتماعية الجديدة. ومع مرور الوقت، يتغير سلوك الفتاة المراهقة تدريجيا، حتى يصبح، في الحياة، انعكاسا لصورة الوضع البيئي، الذي يحيط بها. كما يمكن أن يشكل عالم المراهقة، عند الفتاة، عالما دون مشاكل، طالما كانت الأفكار إيجابية، ولم تلوثها عوامل الانحراف، يقول علماء النفس. ولهذا ينصحون بالتعامل الإيجابي، من قبل الأم بالخصوص، لأنها الأقرب والأكثر تفهما، وهذا التعامل يجب أن يقوم على الحوار، وعلى خلق نوع من الصراحة المتبادلة، التي تطمئن الطرفين، دون أن تشعر المراهقة بأي ضغط عليها لتقبل بهذا السلوك أو ذاك، أو أي قمع لحريتها في التصرف. بل ينبغي أن يكون هناك توجيه مرن بأسلوب هادئ، يقي من ذلك الاعتراض الدائم والتجاوز، الذي كثيرا ما تتشبث به الفتاة، فقط لأنها تعتقد أنه طريقة لإثبات الذات، وتحقيق الاستقلالية.