يوجد بالدارالبيضاء، مصلحة طب الإدمان على المخدرات، يعتبر الأول من نوعه في المغرب، لمساعدة المرضى المدمنين، على التخلي عن سموم نخرت كيانهم، وجعلتهم أسرى لها. "المغربية" زارت المركز ووقفت عن كتب، على مدى الجهود، التي يبدلها طاقم طبي شاب، من أجل مساعدة المرضى ضحايا الإدمان. قالت سومية برادة، مديرة مصلحة طب الإدمان بالدارالبيضاء، ورئيسة جمعية "نسيم" لمكافحة الإدمان، في تصريح ل"المغربية"، إن "الإدمان هو مرض كباقي الأمراض، وعلاجه يتطلب رغبة وإرادة كبيرين، من طرف المدمن نفسه، مضيفة أن هذه الآفة، مست أغلب الشباب، من الجنسين، بنسبة 90 في المائة بالنسبة للذكور، و10 في المائة بالنسبة للفتيات، وهم ينتمون لمختلف الشرائح الاجتماعية، ويستعملون جميع أنواع المخدرات". مشددة على أن معالجة الإدمان، أصبحت ممكنة، إذ منذ الثاني من شتنبر2009، أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على افتتاح أول مصلحة لمعالجة الإدمان بالدارالبيضاء، والذي يستقبل يوميا حوالي 40 مريضا، حيث يتلقون فحوصات، وإرشادات طبية من طرف طاقم طبي متخصص في الإدمان". وأضافت برادة أن جمعية "نسيم" لمكافحة الإدمان، تقوم بدور تحسيسي كبير في الأماكن التي يوجد بها الشباب بكثيرة، كالمؤسسات التعليمية والتربوية، والأندية، ودور الشباب، لتكميل الدور، الذي يضطلع به المركز". آفة قديمة انتشار المخدرات، ليس وليد اليوم، وليس في وسط دون غيره، فمنذ القديم بحث الإنسان على أشياء، ينتشي بها، وتخلصه من الأرق والمشاكل، ويستمتع بها بعض الوقت، لكن مع مرور الوقت، تتحول هذه المواد إلى آفة، تقلب حياته رأسا على عاقب، وتغير مجرى حياته، فعوض النشوة، والحرية، والسرور، التي كان يبحث عنها، يصبح مدمنا وسجينا لمواد مخدرة، بل حتى مريضا، لأن المواد المستعملة ذات تأثير كبير على حالته النفسية، والعقلية، وحتى الاجتماعية، كما لا ننسى نظرة المجتمع الدونية للمدمن. المخدرات من الظواهر السلبية، التي انتشرت بصفة كبيرة في مجتمعنا، سيما بين صفوف الشباب، الذين هم عماد المستقبل، فمنهم من يتعاطون لسموم مدمرة غير آبهين بمخاطرها، ومع مرور الوقت، يصبحون مرضى وأسرى لهذه المواد، التي يستعصي عنهم، في ما بعد، التخلي عنها بسهولة، لكن معالجة الإدمان على المخدرات، أصبحت اليوم أمرا ممكنا، بفضل افتتاح مركز لعلاج الإدمان بالدارالبيضاء. عنوان المصلحة على طول شارع طارق بن زياد، بحي المستشفيات، بالقرب من كلية الطب والصيدلة، توجد مصلحة معالة الإدمان. الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، حركة عادية بالشارع، باب المصلحة مازال مغلقا، أشخاص فرادى وجماعات، يفدون على المكان، راجلين، وركوبا على سيارات عادية وأخرى فارهة، شباب صحبة أوليائهم، يتجاذبون أطراف الحديث، ويبدو كأن هؤلاء الآباء يقنعونهم بعرضهم على الأطباء، وشباب آخرون يوجدون وحدهم، جاؤوا طواعية، راغبين في العلاج. في الثامنة والنصف، فتح الباب، وأخذ كل مريض مكانه داخل البهو، ينتظرون دورهم. ممرضون وأطباء، ينتقلون من مكان لآخر، كخلية نحل، تشتغل في صمت. التاسعة صباحا، مديرة المصلحة، تراقب النزلاء في المركز، وتطلع على أحوالهم، من خلال تقارير الأطباء الذين زاروا المرضى، واستمعوا لكل واحد على حدة. بعد الزيارة، وحوالي التاسعة والنصف، ينعثقد اجتماع، من أجل تحديد البرنامج اليومي، لحل بعض المشاكل، والشروع في استقبال المرضى الجدد، وفحصهم. تقول سومية برادة ل"المغربية"، إن المصلحة، تتربع على 1200 متر مربع، ويتكون من طابق سفلي، وطابق أولي، وطابق ثاني، وطاقته الاستيعابية لا تتعدى عشرة أسرة، بينما يستقطب العديد من "المدمنين"، بمعدل 40 مريضا يوميا، يفدون عليه، من أجل إجراء فحوصات، وتلقي العلاج، وحتى المشاركة في الجلسات الطبية، جنبا إلى جنب مع نزلاء المستشفى، الذين تعتبر مساهمتهم المادية رمزية، مقارنة بما كانوا ينفقونه في اقتناء المخدرات، بعض الحالات التي تستقبلها المصلحة بالمجان، حسب شروط معينة تحددها الإدارة". وأكدت أن "المرضى الذين يوجدون داخل المركز كلهم مغاربة، يشرف عليهم ثلاثة أطباء مختصون في الإدمان، وطبيبة نفسانية متطوعة، وطبيبة متخصصة في الطب العام، يأتون مرتين في الأسبوع"، أما عن المرضى، فتقول سومية برادة، الطبيبة النفسانية، إنهم من مختلف الطبقات، ومن الجنسين، يأتي المرضى باحثين عن الخلاص من مخدرات أنهكت جوبهم، وصحتهم، وقلبت كيانهم، يفحصون في المرة الأولى، وتقدم لهم النصائح، وتوصف لهم الأدوية، التي يجب استعمالها للتغلب على الآلام التي يحدثها غياب المادة المخدرة في أجسامهم، كما يمكن لهم في ما بعد، الحضور للجلسات الطبية، مع أطباء نفسانيين وآخرين مختصين في طب الإدمان. وأضافت أن "عددا كبيرا من المرضى تماثلوا للشفاء، سيما بالنسبة للذين تحدوهم رغبة في التخلص من المخدرات، أما الذين يأتون مرغمين، كبعض الشباب، الذين يأتي بهم آباؤهم، لمتابعة العلاج، فأغلب هؤلاء لا يتجاوبون معنا، لضعف قدرتهم على التحمل، وبالتالي الابتعاد عن المخدرات، لذا يتطلب علاجهم وقتا طويلا، وأمام استمرارهم في الرفض، يمكن اعتبار علاجهم مضيعة للوقت، لأنه يجب أولا، أن تكون للمريض رغبة في العلاج، ففي المرة الأولى، يأتي المرضى من أجل تهيئ أنفسهم للتوقف النهائي عن الإدمان، وهذه المرحلة مهمة جدا، وتسمى المرحلة التحفيزية للتخلص من المخدرات، بحيث يجري تهيئ المريض، ومساعدته على تقبل العلاج، لمدة أسبوع أو أسبوعين، أو شهر أو شهرين، حتى يتجاوب مع العلاج، ويستوعب الأشياء المطلوبة منه، فمدة العلاج، تضيف الدكتورة برادة، تكون "حسب كل حالة مرضية، المهم في البداية هو تنمية الرغبة في العلاج لدى المرضى، لأن أغلبهم ليست لهم القدرة على التخلي عن هذه المواد، لكن الأطباء لديهم طرق وتقنيات خاصة يستعملونها مع المريض للوصول لمرحلة القبول، وتنمية رغبته في العلاج، كي يقفوا معه على كيفية التوقف عن الإدمان، كما أن العلاج يكون حسب السن أيضا، والوضعية الاجتماعية، لأن المريض الذي لا يشتغل، يهدده خطر العودة للتعاطي للمخدرات، أكثر من السابق". وشددت في الآن نفسه، على أن استعمال الأدوية يساعد المدمن عن التخلي تدريجيا عن المخدرات، لأن "الإدمان على مجموعة من المخدرات، يحدث أعراضا سلبية على جسم المدمن، كالاضطرابات الجسدية والنفسية، وقلة النوم، والتوتر، والقلق المستمر، وفي هذه الحالات، توصف للمريض بعض الأدوية للتغلب عليها، ويحدث أن تبقى بعض الأعراض، خصوصا بالنسبة للمدمنين على مادة الهيروين والكوكايين، هؤلاء، نعطيهم مادة "الميطادون"، لان، "الميطادون"، يعتبر علاجا استبداليا، بالنسبة للمتعاطين للهيروين، والكوكايين، ويقلص من مخاطر الإدمان، وهو علاج من الدرجة الثالثة". وأشارت إلى أن "الوقاية الأولى للمدمن، هي عدم الاقتراب من المادة، والوقاية الثانية، أن يقترب من المادة لكن بشكل قليل جدا، والمرحلة الثالثة، وهي التي يستعمل فيها "الميطادون"، خاصة بالنسبة لمستعملي الهيروين، والكوكايين، حتى يتسنى لهم اجتناب استعمال الحقن، التي تنقل الأمراض المعدية، كالسيدا، ومرض "الفيروس الكبدي"، وكل التعفات، التي تنقل من شخص لآخر"، فضلا عن الجرائم، التي يمكن أن يرتكبها كالسرقة، والتعاطي للدعارة، لجلب المال الكافي لشراء المخدرات". وشددت برادة على أن "المغرب يعتبر أول بلد عربي يتابع برنامج العلاج بالمادة "الميطادون"، إذ يوجد ثلاثة مراكز تستعمل هذه المادة للمعالجة، في كل من الدارالبيضاء، وسلا، وطنجة"، مضيفة أن نزلاء المركز، "يحظون كل يوم بمتابعة طبية، من خلال الاستماع لمشاكلهم ومعاناتهم الصحية، كما أن هناك برنامجا خاصا بهم، كي يشغلوا أوقات فراغهم، حيث يشاركون في مجموعة من الأنشطة، كاستعمال الإعلاميات، والرياضة، والألعاب، والشطرنج، ويشاركون في الجلسات العلاجية، بحيث يعبر كل واحد عن مشاكله، تحت إشراف طبيبة نفسانية وممرضة، أو طبيبة مختصة في الإدمان، وممرضة، لمدة ساعة ونصف أو ساعتين، ويكون عدد المرضى حسب الطلب، من ستة إلى عشرة مرضى، يشاركون في الحوار، والاستماع، والنصائح، ضمنهم المرضى الموجودين داخل المستشفى، والذين يتابعون العلاج خارجه، ففضلا عن العلاج الفردي، العلاج الجماعي يعتبر ضروريا، كي يستفيد المرضى من تجارب ومعاناة بعضهم البعض". ما يناهز 1400 حالة وعن الحالات، التي زارت المركز، تقول الطبيبة النفسانية برادة، "إن عددهم حوالي 1400 حالة زارت المركز، ابتداء من شتنبر 2009، لغاية دجنبر 2010، عدد منهم عولجوا، وأصبحوا اليوم يأتون بأصدقائهم قصد المعالجة"، مشددة على أن المركز، يعاني من ضعف الإمكانيات، والموارد البشرية العاملة فيه، التي تعتبر غير كافية أمام كثرة الطلبات، التي تنهال عليه، إذ يستقبل يوميا 40 مريضا تقريبا، وهي نسبة كبيرة، إلى جانب طلبات المرضى الراغبين في تلقي العلاج داخل المركز، فقائمة الانتظار الخاصة بهم طويلة جدا، سيما أن هناك مرضى يفدون علينا من مناطق بعيدة"، وعن شعب التخصص في تدريس طب الإدمان عن المخدرات في كلية الطب تقول، البروفسور سمية برادة، إن "هناك شعبة خاصة لتدريس معالجة الإدمان بكلية الطب بالدارالبيضاء، وبالرباط، يشرف عليها أساتذة مغاربة وأجانب لمدة سنتين، خاصة الأطباء النفسانيين، مشيرة إلى تخرج الفوج الأول، والشروع في تكوين الفوج الثاني، وسيمكن هذا الدبلوم من توفرنا على مختصين في الميدان". وعن الآفاق المستقبلية للمركز، تصيف مديرة المصحة، "السنة الأولى ركزنا اهتمامنا على مسألة العلاج، والآن نتطلع لإقامة أبحاث علمية محضة، ومقارنتها مع أبحاث دول أوروبية سبقتنا في معالجة الإدمان، هذه الأبحاث ستمكننا، نحن أيض، من المشاركة في المؤتمرات الدولية". أما عن شركاء مصلحة معالجة الإدمان، تضيف الطبيبة النفسانية، "بحكم الأطباء، الذين يأتون لتدريس هذه المادة، عقدنا شراكة مع المراكز الموجودة بدولهم، فضلا عن المراكز التي زارها طاقم المركز قصد الدورات التكوينية، حيث ذهب ثلاثة أشخاص، ممرضان وطبيبة، لدورة تكوينية بباريس، تحت إشراف البروفسور، ميشيل رونو، بالإضافة للدورات التكوينية، بدول عربية، التي أصبحت تستفيد من خبرتنا، لأننا نشتغل على برامج شبيهة ببرامج الدول الأوروبية".