يرى فاعلون تربويون وجمعويون أن عملية اختيار الأصدقاء تعد "صعبة للغاية، إن لم نقل محفوفة بالمخاطر، خصوصا بالنسبة للتلاميذ، الذين هم في طور البداية، لا يمتلكون تجارب لقياس مدى سلامة اختياراتهم". وأبرزوا، في حديثهم مع "المغربية"، أن التلميذ في سنواته الأولى هذه، وبالنظر إلى الأجواء الجديدة، التي يعيش في غمارها في بداية مرحلة تمدرسه، "لا يملك آلية التركيز والتمحيص في ما إذا كان مرافقوه من المدرسة إلى المنزل يحظون بالسلوك الحسن"، سيما أن هذه الفترة العمرية، تقول مصادرنا، "يغيب فيها لدى التلميذ في سن المراهقة القدرة على ضبط تصرفات غيره، وقد تظهر له أي حركة أو إيحاءات أو قول وفعل بمثابة المستجد الذي من الممكن أن يسير على نهجه، في غياب رقابة قبلية ومواكبة من طرف الأسرة، للحفاظ على السير العادي للتلميذ، وإحاطته بما يلزم من نصائح وإرشادات لتكون له بمثابة الدرع الواقي والمرجعية الأخلاقية التي يزن بها ما يدور حوله وما يعتمل، حتى لا يسقط في مغبة مرافقين وزملاء أشرار، وتجرفه سلوكاتهم السيئة إلى التعاطي لأخبث الرذائل". إن هذه الفترة العمرية من حياة التلميذ، يقول أحمد بولوز، باحث في علم الاجتماع، "تلزم نوعا من التتبع من طرف الأسرة والانفتاح على التلميذ لمعرفة أي نوع من الأصدقاء يرافقهم ويشاركهم حديثه وهمومه"، معتبرا هذه المرحلة، "نقطة الارتكاز أو الخروج عن ناصية القيم والأخلاق، وبالتالي ضياع مستقبله التعليمي في منتصف الطريق". هذا ما أكده محمد يعقوبي، أستاذ باحث، وشدد على أن اختيار التلميذ لأصدقائه يمكن أن يدخله في إطار ما أسماه ب"العلبة السوداء" لدى الطفل أو اليافع، باعتبارها مكمن أسراره والمتنفس الوحيد للإفراج عن وجهة نظره والتعليق على بعض الأشياء، التي لا تروقه. وهذا ما يجعل هذه المرحلة، يقول يعقوبي، في حديثه مع "المغربية"، "تبقى بمثابة الفترة الصعبة في حياة التلميذ، ومفتوحة على كل الاحتمالات، فإن صادف أصدقاء أسوياء ينعكس ذلك إيجابا على سلوكه وتصرفاته، وإن أوقعه حظه في أصدقاء سوء، يجرونه إلى أسوء السبل". ويطالب محدثنا الأسر أن "تتحمل مسؤوليتها في هذه الفترة العمرية، بمعرفة طبيعة الأصدقاء الذين يرافقون أبناءها، ولو اقتضى الحال استضافتهم ومحاولة التعرف على أخلاقهم وكيفية تفكيرهم، وأي بيئة تربوا فيها". وفي السياق ذاته، أبرز فاعلون جمعويون، مهتمون بقضايا الطفل، أن التلميذ "سهل التأثير والتأثر بمن يجايله من أصدقاء، لتقارب المشاكل والهموم التي يواجهونها، وأي تمرد من طرف أحد الأصدقاء على الواقع يمكن أن يتبعه البعض ويسايروه على المنوال نفسه"، وحملوا المسؤولية للمدرس بدوره، باعتباره "طرفا مهما في العملية التربوية وبإمكانه أن يعطي للتلميذ الإطار الصحيح للصحبة الحسنة". ومن جانب آخر، أضافت سعاد ورد، ربة بيت، أنها تحاول من خلال جلوسها إلى أبنائها، الإتيان بأمثلة وطرح بعض الحالات الشاذة في سلوكات أصدقاء ما، حتى تثير انتباه أبنائها إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر في العلاقات التي نربطها مع الأصدقاء، وأكدت أمينة هاشمي، مربية، أن بعض الحالات غير الطبيعية، التي يعيشها التلميذ في البيت أو المدرسة بسبب سوء فهم أو مبالاة، "تكون بمثابة الطعم الصائغ الذي يغذي نزعة انغماس التلميذ في واقع يريد أن ينسيه همومه أو يشعره بأن هناك من يشاطره رأيه ويسايره في تصوراته". ويرى عبد اللطيف سلاك، رئيس إحدى جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، أن خير وسيلة لحماية التلميذ من شر بعض الأصدقاء المتربصين به، "هو فتح الأسرة والمدرسة لآفاق الحوار والتشاور معه، ومحاولة جعل جسر التواصل بين المؤسستين مفتوحا، من خلال تفعيل دور جمعية الآباء في القيام بلقاءات دورية بين الأسرة والمدرسين لمعرفة أي مستجد أو تطور أو خلل في السير الطبيعي للتلميذ، وأن يكون قرار معالجة بعض الحالات غير السوية مشتركا ومتكاملا، بغية تحسيس التلميذ بأنه ينعم بالحضن الآمن، وبالآذان الصاغية لهمومه، والمقدرة لطبيعة التحديات، التي يواجهها في فترته العمرية هذه".