تحظى الزيارة، التي تعتزم رئيسة الأرجنتين، كرستينا فيرنانديز دي كيرشنر، القيام بها إلى الكويت، وقطر، والسعودية، ما بين 16 و24 يناير الجاري، أهمية كبيرة نحو فتح آفاق التعاون بين أهم التجمعات الاقتصادية في العالم العربي وأمريكا الجنوبية. بحيث يعتبر تجمع السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية المعروف بالمركوسور أبرز تكتل اقتصادي في أمريكا الجنوبية منذ سنة 1991، وهو يضم كا من البرازيل، والأرجنتين، والباراغواي، والأوروغواي، في انتظار انضمام فنزويلا بعد استكمال مصادقة برلمانات الدول الأعضاء على بروتوكول انضمامها، ويشكل المركوسور سوقا استهلاكية تضم أكثر من 270 مليون نسمة ويمثل ما يزيد عن 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام للمنطقة. ويعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي يضم كلا من السعودية، وقطر، والكويت، والإمارات، وعمان، والبحرين، منذ سنة 1981، أهم تجمع اقتصادي بين الدول العربية يبلغ ناتجه الداخلي 898 مليار دولار. وبهدف دعم التعاون الاقتصادي بين كلا الطرفين، أبرم، في ماي 2005، على هامش أول قمة بين دول العالم العربي وأمريكا الجنوبية ببرازيليا، اتفاق إطار للتعاون الاقتصادي يضمن لدول المركوسور تسهيلات مباشرة لدخول سوق دول مجلس التعاون، مقابل تسهيل دخول الاستثمارات الخليجية إلى أمريكا الجنوبية، وقد جرى الاتفاق خلال الاجتماع الأول، بين دول مجلس التعاون والمركوسور الذي، عقد في الرياض سنة 2005 على إطلاق مسلسل المفاوضات بهدف التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة بين كلا الاندماجين. وبمناسبة انعقاد القمة الثانية للدول العربية وأمريكا الجنوبية بقطر، إحدى دول مجلس التعاون الخليجي في نيسان 2009، جرى التأكيد، بشكل مشترك، على الالتزام باستكمال العمل على إنشاء منطقة للتجارة الحرة وإيجاد حلول للمواضيع العالقة في رزنامة المفاوضات. وفي دجنبر الماضي، جرى استدعاء وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، الذي تترأس دولته مجلس التعاون لدول الخليج من أجل حضور أشغال قمة رؤساء دول المركوسور، التي انعقدت بالبرازيل، بهدف تجديد رغبة المركوسور في البحث عن مختلف طرق تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول المجلس بعد الارتفاع الملحوظ في نسبة الاستثمارات ومساهمة القطاع الخاص في تقوية الشراكات التجارية المتبادلة منذ التوقيع على الاتفاق الإطار لسنة 2005. وبالنسبة لعلاقات الدول الخليجية الثلاث مع الأرجنتين، التي ستشملها زيارة الرئيسة كرستينا فيرنانديز، فإنها تحتل مراتب متقاربة ضمن لائحة مزودي الأرجنتين في العالم، بحيث تحتل السعودية المرتبة 41، تليها قطر في المرتبة 45، ثم الكويت في المرتبة 48، بينما يسجل تباين من حيث المواقع التي تتخذها ضمن لائحة المستوردين من الأرجنتين، بحيث تأتي قطر في المرتبة 54، تتبعها السعودية في المرتبة 84، ثم الكويت في المرتبة 93. وتشكل الحبوب واللحوم والمنتجات المعدنية أهم الصادرات الأرجنتينية نحو الدول الخليجية الثلاث، في حين تشكل المنتجات البلاستيكية والالكترونية أهم الصادرات اتجاه الأرجنتين. وباستثناء السعودية، التي عرفت ارتفاعا في حجم المبادلات التجارية مع الأرجنتين منذ سنة 2005 قدر ب 34 في المائة، بعد أن سجلت 314 مليون دولار من المبادلات سنة 2009، فإن كلا من قطر والكويت سجلت تراجعا في حجم التجارة البينية وصل إلى 26 في المائة بالنسبة لقطر و46 في المائة بالنسبة للكويت مقارنة بالفترة نفسها، مع تسجيل فائض مهم في الميزان التجاري لفائدة الأرجنتين منذ سنة 2005. وتعتبر جولة الرئيسة كرستينا فيرنانديز، بالكويت، وقطر، والسعودية، خطوة مهمة لتعزيز علاقات التعاون الثنائية على المستوى الاقتصادي والتجاري، خاصة بعد تنامي الرغبة المتبادلة في إشراك القطاع الخاص في النهوض بهذه العلاقات، بحيث من المرتقب أن يعقد الوفد المتعدد الاختصاصات من رجال الأعمال، الذي يرافق رئيسة الأرجنتين خلال هذه الزيارة عدة لقاءات وجلسات من أجل التفاوض واستكشاف أعمق لفرص الاستثمارات المتبادلة في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية. وعلى بعد شهر من تاريخ انعقاد القمة الثالثة لرؤساء دول العالم العربي وأمريكا الجنوبية بالعاصمة البيروفية ليما، حيث من المرتقب أن يلتقي قادة دول الخليج بنظرائهم في المركوسور، ستساهم زيارة رئيسة الأرجنتين لهذه الدول في تعميق التعاون المشترك، من أجل إعطاء دفعة جديدة لمسلسل التفاوض حول إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. * باحث في شؤون أمريكا اللاتينية