يعتبر التعاون جنوب- جنوب محورا استراتيجيا في الدبلوماسية المغربية ، وآلية هامة من أجل تعزيز الحوار والتضامن وتحقيق أهداف التنمية في دول الجنوب، خاصة مع شركاء المملكة في القارة الإفريقية. وتأكدت نموذجية هذا التعاون المغربي جنوب-جنوب بعد مبادرة المغرب سنة 2000 بإلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية، الأمر الذي حظي حينها بإشادة دولية واسعة، خاصة أن قضايا التنمية المحلية للدول الإفريقية تأتي في صلب انشغالات المملكة. وشكل الدور الريادي الذي يضطلع به المغرب في مجال التعاون جنوب- جنوب مؤخرا، موضوع إشادة دولية أخرى من قبل المشاركين في الدورة ال25 لقمة إفريقيا- فرنسا الذين أبرزوا الجدية والطابع الارادوي وأهمية المبادرة التي دعا إليها جلالة الملك من أجل تطوير العلاقات بين بلدان الجنوب، على أسس ملموسة ومتعددة الأشكال. كما أن الوضع المتقدم الذي حظي به المغرب لدى الاتحاد الأوروبي يجعله مؤهلا للقيام بدور فعال في تقوية التعاون شمال-جنوب، نيابة عن إفريقيا لدفع الاتحاد الأوروبي نحو اعتماد مقاربة تنموية أكثر عدالة تأخذ بعين الاعتبار وضعية الدول الإفريقية. تعاون إفريقي استراتيجي ويضع المغرب إفريقيا في صلب تحركاته الخارجية في إطار شراكة تجعل الإنسان في صلب انشغالاتها لتحقيق التنمية البشرية، ويركز على قطاعات استراتيجية لها تأثير مباشر على تحقيق أهداف الألفية للتنمية في القارة. هكذا أضحت العلاقة بين المغرب وإفريقيا، خاصة إفريقيا جنوب الصحراء، مرجعا من خلال التركيز على محاربة الفقر، وكذا النهوض بمساهمة المقاولات العمومية والخاصة المغربية في تنمية بلدان هذه المنطقة. وينخرط القطاع الخاص والمؤسسات البنكية المغربية بدورهما على نطاق واسع في هذا المجهود من خلال الاستثمار والخبرة اللذين تقدمهما لتعزيز القدرات الداخلية للشركاء الأفارقة لبلوغ نمو اقتصادي مستدام وخلق مناصب الشغل، حيث بادرت العديد من المقاولات المغربية بإحداث فروع لها للاستثمار بالقارة، خاصة في قطاعات البناء والأشغال العمومية والنقل الجوي والاتصالات والأبناك والصناعات الغذائية. ويضع المغرب خبراته وتجاربه في الميدان الفلاحي وفي كل المجالات ،رهن إشارة الدول الإفريقية الراغبة في ذلك, حيث يشرف على تطوير وإقامة تقنية الأمطار الاصطناعية في كل من السنغال وبوركينا فاسو وهي تجربة لاقت صدى واسعا لدى العديد من دول تجمع دول الساحل والصحراء. كما لم يتردد المغرب في دعم جهود العديد من الدول الإفريقية في مكافحة الجراد الصحراوي والمساعدات في مجال الصحة. ولتأهيل العنصر البشري- محور كل تنمية- لم يكتف المغرب بفتح أبواب معاهده وجامعاته أمام الأطر الإفريقية بل عمل، إضافة إلى تمكين هذه الاطر من منح دراسية، على إيفاد بعثات من الأساتذة والمؤطرين إلى دول إفريقية ليشرفوا في عين المكان على دورات تكوينية لفائدة هذه الأطر. المغرب فاعل محوري مع أمريكا اللاتينية يولي المغرب نفس الاهتمام لترسيخ علاقاتها مع دول أمريكا الجنوبية، من خلال العمل على استكشاف آفاق أوسع للتعاون الثقافي والاقتصادي، وتنمية المبادلات التجارية، على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف. وأضحت هذه القارة تحتل أهمية قصوى في الأجندة السياسية للدبلوماسية المغربية برزت بالخصوص من خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس في نونبر2004 لخمس دول من أمريكا اللاتينية. وساهم المغرب بفعالية في تعزيز الاندماج الإقليمي المتمثل في مسلسلي أمريكا الجنوبية والبلدان العربية، وأمريكا اللاتينية وإفريقيا في أفق إرساء دينامية إيجابية من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي، وتنسيق المواقف في المنتديات الدولية اتجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز قنوات الحوار والسلام والأمن في العالم. وفي هذا الصدد، كان للمغرب الدور الرائد في وضع الإطار المؤسسي لشراكة طموحة بين العالم العربي ودول أمريكا الجنوبية, وذلك انطلاقا منموقعه كبوابة للعالم العربي لهذه القارة التي يتقاسم معها موروثا ثقافيا وحضاريا، وتحديات تنموية وأمنية راهنة. كما يؤمن المغرب بأن إقرار تعاون وثيق بين دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية كفيل بالرفع من تدفق المبادلات التجارية والاستثمارات بينها ، وكذا بروز أقطاب اقتصادية، قادرة على المنافسة وعلى الاقتراح والتفاوض على الصعيد الدولي, وذلك بالاستفادة من السوق الضخم الذي يحتضنه هذا الفضاء (حوالي مليار و300 مليون نسمة). هكذا فإن جهود المغرب للنهوض بالتعاون جنوب-جنوب تنبثق من قناعة أن التعاون بين دول الجنوب يعتبر أداة أساسية لتحقيق التكامل بين اقتصاديات بلدان الجنوب والاندماج في الاقتصاد العالمي ، وبمثابة استراتيجية تساهم في تحقيق أهداف الألفية للتنمية.