أحبها بجنون، وكان هذا الحب كافيا للمضي قدما لخطبة نجاة (د)، وطلب يدها من والديها بمدينة الدارالبيضاء. لقي في أول في الأمر اعتراضا من والديه، لكن دون أن يجد لاعتراضهم تفسيرا حقيقيا.الأم بررت ذلك بقوة شخصية هذه الفتاة، المتحدرة من قلب الدارالبيضاء، مدينة تعتقد الأم، ببراءة وسذاجة معا، أن بنات هذه المدينةعقارب لا تعرف غير إتقان اللسعات، وترويض الرجال مهما كانت قوة شخصيتهم. أما حميد الضحية هنا، مهاجر بالديار الإيطالية، فاعتبر اعتقادات أمه لا أساس لها من الصحة، حيث حاول جاهدا أن يثنيها عن قرارها. وبالفعل، استطاع أن يقنعها بالعدول أن أفكارها ومصاحبته لخطبتها. حب جارف جرت مراسيم الخطبة في أجواء ممتازة كما خطط لها حميد، إذ اتفقت العائلة على أن تجري مراسيم حفل الزفاف خلال فصل الصيف، بعد عودة حميد من إيطاليا. خلال فصل الصيف، أقام حفلا كبيرا باعتباره مهاجرا جمع ثروة لا بأس بها لتحقيق سعادة طالما حلم بها وهو شاب عاطل، تخرج من الجامعة ليجد نفسه فريسة للعطالة القاتلة، واستطاع، بفضل أحد الأصدقاء، ومساعدة والديه، أن يعانق الفردوس الإيطالي، ويجد عملا قارا في إحدى الشركات بإيطاليا، حيث وجد في نجاة المرأة، التي كان يحلم بها، فقد أعانته على نسيان عذاب الغربة، وكانت له الحضن الآمن، وتكللت علاقتهما بإنجاب طفلين أدخلا السعادة إلى قلبه. مرت أعوام على زواجهما، لم يكن هناك ما يكدر صفو سعادتهما، فقرر حميد أن يشتري سيارة خاصة لزوجته نجاة، حتى تتمكن من مساعدته على تعلم طفليهما، بحيث أصبحت مكلفة ومسؤولة عن دراستهما، وقضاء أغلب مآرب الحياة، سيما أن حميد كانت طبيعة عمله، أنه يعمل خلال الليل، بل كان في كثير من الأحيان يتغيب عن المنزل لأيام. اليوم المشؤوم بدأ الفتور يتغلغل داخل أوردة حياة الزوجين، لتتحول مع الأيام إلى روتين قاتل. إذ أحس حميد بأن حبيبته تغيرت كثيرا، ولم تعد تهتم بشؤونه، خصوصا حميمية العلاقة الزوجية بينهما، بل صار رجلا غريبا وهو يحاول أن يفك شفرة هذا التغير المفاجئ من زوجته، الذي قلب حياته رأسا على عقب. وبدأت تساوره الشكوك، ليقرر تعقب خطواتها ليعرف حقيقة ما يجري. بعد تعقبها لأيام لم يلاحظ أي شيء، لكنه تعمد ذات ليلة مشهودة أن يعود من العمل ليلا، وكأنه نسي شيئا ما، ففتح الباب على مهل دون أن يطرقه، وتسلل إلى غرفة نومه، غير أنه سمع دندنة رجل غريب تأتي من صالة صغيرة مفروشة بطريقة مغربية، خاصة بالأصدقاء والأحباب، ووجد الباب مشرعا، ورأى نجاة تجلس مع شاب إيطالي تحدثه باللغة الإيطالية. كانت الجلسة، في ذلك الوقت المتأخر من الليل، غنية عن أي جواب، ومن شدة الصدمة، ظل يراقبهما دون أن يحرك ساكنا. وخطر بباله أن يقتلهما لكنه أدرك أنه سيرتكب حماقة لن يرحمه عليها القانون الإيطالي، وسيضيع طفلين لا ذنب لهما في ما يقع. فاقترب منهما على مهل وسأل زوجته نجاة ببرودة أعصاب "ماذا يفعل هذا الملاك في منزلنا؟"، وترددت قبل أن تجيبه في ارتباك واضح "صديق، وهو في الوقت نفسه أستاذ لطفلينا. أنا اخترته ليدرسهما". ودون كثير من الكلام، طرد الرجل الغريب من المنزل، وابتلع مصيبته في صمت، وقرر أن يعود سريعا إلى المغرب لينهي هذه العلاقة بالطلاق. بداية كابوس مضت شهور وعاد حميد إلى المغرب، وحكى لوالدي زوجته القصة كما حدثت، لكنهما تضامنا مع ابنتهما، وطلبا منه أن ينسى القصة ويعودا إلى إيطاليا، لأن ذلك، حسب رأيهما، مجرد أوهام و"كلام الناس"، لكنه أكد لهما صحة روايته، وأنه عازم على تطليقها مهما كلفه ذلك من ثمن. قدم حميد شكاية في الموضوع إلى وكيل الملك لدى ابتدائية خريبكة، يطالب بحقه كزوج مخدوع، في تربية أبنائه بعيدا عن أم فشلت في أن تكون زوجة ناجحة ووفية، بعد أن ضحى بكل شيء من أجل سعادتها، متحديا والديه من أجل أن يعيش معها تحت سقف واحد. ليبدأ حميد رحلة البحث عن الخلاص في ردهات المحكمة، لتتحول حياته إلى كابوس رهيب قض مضجعه، وأصبح موزعا بين المغرب، حيث قضيته مطروحة أمام المحكمة الابتدائية بخريبكة، وبين إيطاليا حيث مقر العمل والأحلام ودراسة الأطفال، دون أن يعرف نهاية لهذا الكابوس، الذي قد يمتد لسنوات أخرى بعيدا عن طفليه البريئين، ومن يدري قد يخسرهما، سيما أنه لا يتوفر على إثباتات قوية تدعم طرحه أمام العدالة، خصوصا أن الزوجة متشبثة ببيت الزوجية، وترفض الطلاق، بل وتفند أقواله جملة وتفصيلا.