بدأت فتيحة العيادي مسارها المهني في الصحافة الوطنية منذ سنة 1986، التي تزامنت مع ما عرف آنذاك بمشروع "التلفزة تتحرك"إذ التحقت بالتلفزة المغربية كمحررة للأخبار العربية والدولية، هناك استفادت من تجربة الإعلامي الفرنسي الشهير، أندريه باكار، الذي جاء بفريق من القناة الفرنسية الأولى لتأطير المغاربة، بعدها التحقت بوكالة المغرب العربي للأنباء، وكان أهم إنجاز حققته اعتمادها مراسلة في حرب الصومال، بعد مدة، التحقت ملحقة بديوان وزير الثقافة آنذاك، علال السي ناصر، كمكلفة بالإعلام، ثم انتقلت إلى مجموعة "ماروك سوار"، بالجريدة بالفرنسية، وكذا المجلة الأسبوعية، التي كانت تصدرها المجموعة في ذلك الوقت، كما عملت بالعديد من المجلات الوطنية والأجنبية أهمها "نساء من المغرب" بالفرنسية، ومجلة "الإكسبريس" الفرنسية، وعملت، أيضا، بالقناة الثانية، كما شغلت منصب مديرة الاتصال بوزارة الاتصال. ما هي القيمة المضافة التي منحتك إياها هذه المسؤولية؟ وما هي القيمة المضافة التي قدمتها أنت لقطاع الإعلام ككل؟ لا يمكن أن أقول لك ما هي القيمة المضافة التي قدمتها للإعلام، إذ لا يمكن أن أحكم على ما قدمته، وأترك للناس والصحافيين، الذين تعاملوا معي كمديرة للاتصال، وكذا الجمهور الذي كان يقرأ لي، الحكم على مساري. ما يمكن أن أقول، إنه بعد سنوات من مغادرتي لوكالة المغرب العربي للأنباء ومن "لومتان"، كنت عائدة مرة من تونس من قمة مجتمع الإعلام، وعندما قدمت بطاقتي لمضيف الطائرة وقرأ اسمي قال لي فتيحة العيادي الصحافية في "لومتان". وهذا شيء مفرح، إذ أن الناس حتى بعد مرور سنوات وانقطاعك عن الكتابة، يتذكرون كتاباتك. في ما يخص ما أضافته إلي هذه المسؤولية، في مجال الاتصال، أظن أن المهم هو أن هناك نوعا آخرا من العمل، وهناك احتكاك يومي بشخصيات كبيرة في الدولة، ولو أن نبيل بن عبد الله، الوزير، كان يختلف عن بن عبد الله، مدير البيان، إذ كان يدفعني بسبب ضغط العمل إلى التوتر نفسيا. والأجمل، أيضا، في هذه المهمة، هو التعامل مع الصحافة فأنت في الواجهة وفي المواجهة، وبصفة عامة لم يعاملني الصحافيين بقسوة، لأنهم كانوا من جيلي. وعلى العموم مرت فترة تولي المسؤولية في المجمل في أفضل الظروف. لكن فترة توليك المسؤولية شهدت ميلاد العديد من الصحف المستقلة، كيف تعاملت مع هذه الصحافة التي كسرت جميع الطابوهات آنذاك؟ كانت في بعض الأحيان عملية شد الحبل، وكان كل طرف منا، سواء نحن أو الصحافة المستقلة، يقوم بإرجاء الحبل. وكانت مواجهات تصل في بعض الأحيان إلى حد العنف اللفظي مع بعض الصحافيين، ولكن، على العموم، كانت الأمور تسير أفضل باستثناء حالة أو حالتين. ورغم أنه كانت هناك أزمات إلا أنها كانت تعالج بشكل فوري. بعد مرحلة العمل بالوزارة جاء الولوج إلى عالم السياسة، هل كان هذا حلم يراودك؟ لم أحلم قط بدخول عالم السياسة. وفي الحقيقة كان دخولي السياسة في أول الأمر تساؤل، إذ أنه في السنة، التي دخلت الانتخابات، كنت قد فقدت أبي، "الله يرحمه"، في شهر أبريل والانتخابات انطلقت في الصيف. واخترنا أنا وأسرتي دفن والدي في بن جرير. وليلة العشاء اندهشت من عدد الناس، الذين حضروا. وبحكم أن الوالد والوالدة كانا يقطنان في مراكش بقيت النساء في مراكش، بينما انتقلنا نحن إلى بن جرير، حيث شهدت ليلة العشاء حضور أبناء القبيلة كلهم. عمدها بدأت في طرح الأسئلة على إخوتي عن الأشخاص، الذين حضروا مراسيم الدفن والعشاء، لأني لا أعرفهم، فقيل إنهم من القبيلة جاؤوا تقريبا من كل دوار منها، لأن الوالد "رحمه الله" كان نائبا برلمانيا، وكان مندمجا جدا مع سكان المنطقة . من هنا خطرت ببالي الفكرة أن أسدي لهؤلاء الناس خدمة، لأن من يؤازرك في مثل هذه الظروف يستحق، أن تقدم له شيء. في أول الأمر فكرت في الانخراط في العمل الجمعوي، إذ حتى أتمكن من تقديم شيء ما لهؤلاء الناس، خصوصا أنني لم أزر الرحامنة، منذ سنوات، وكنت اذهب إليها عندما كنت صغيرة، ولما كبرت أصبحت أعبر منها، سواء في ذهابي إلى مراكش أو أثناء عودتي إلى الرباط، ولم تكن لدي أدنى فكرة عما يقع بهذه المنطقة. كنت افتخر بكوني رحمانية، ولكن لو سألتني وقتها عن الرحامنة لن أعرف بما أجيبك. ما حدث هو أنه، إثر اجتماع لوزير الاتصال، بخصوص شفافية الأحزاب توصلت بقصاصة أخبار تتعلق باستقالة فؤاد عالي الهمة. أنهيت اجتماعي وأظن أنه في المساء أو بعد ذاك اليوم اتصلت به، لأنه معرفة قديمة، لأهنئه على شجاعته وقلت له إن أمكن مساعدتك في شيء ما فأنا رهن الإشارة، و قال لي سأتصل بك. فعلا، بعد أسبوع، اتصل بي فاقترح علي أن انضم إلى اللائحة، التي دخل بها غمار الانتخابات.. ألا تجدين حنينا للعمل الصحافي من بعد هذه التجربة الأخيرة في العمل السياسي؟ نعم، أحن إلى الكتابة، لكن لا أظن أنني أجد نفسي اليوم في منبر صحافي معين. حتى في تجربة خاصة؟ كانت لدي في السابق تجربة خاصة، وأنا أؤمن بأننا في مرحلة انتقالية سنخرج منها بعد وقت طويل، وصلت صحافتنا إلى مرحلة غير مفهومة. ومثال على ما أقول أن هناك جريدة نشرت لي حوارا لم يسبق لي أن أجريته مع أي صحافي منها، أي أنها قامت بفبركة الحوار وأنزلته مرفقا بصورة لي، وعندما اتصلوا بي ليخبروني أنهم سيرسلون لي نص الحوار لأطلع عليه قبل النشر، أخبرتهم أنه في حالة ما إذا جرى نشر هذا الحوار، الذي لم أجره، سألجأ إلى المحكمة، إلا أنها ضربت كلامي بعرض الحائط ونشرت الحوار. طبعا الأمر صار أشبه بالكاريكاتور، أصبحت معه صحافتنا تخلط الأوراق. فمثلا اتصل بي صحافي ليخبرني أنه قرر أن يأخذ القليل من وقتي، وقلت له هل تركت لي الفرصة لأقول شيئا، وأظن أنه أمام هذه المعاملات، التي تقوم بها الصحافة اليوم والغريبة عن ميداننا، لا أحن في الوقت الراهن للعودة إليها. هناك، أيضا، المحطات الإذاعية، التي بدأت تعطي إنتاجا مهما وفي تحسن مستمر. وأنا استمع كثيرا لهذه الإذاعات وأتابع ما تعرفه من تطور. إلا أنه وللأسف الصحافة المكتوبة لست أدري ماذا أصابها، وأتمنى أن تجتاز هذه المرحلة، التي وضعت فيها نفسها، في الوقت الذي أخذت فيه أكبر قسط من الحرية واخترقت العديد من الطابوهات، التي لم يكن لنا نحن الحق في التكلم عنها. وأتذكر أنه عندما كنت في القناة الأولى لم يكن لدينا الحق في النطق بكلمة السيدا، إذ كانت ندوة حول السيدا في جوهانسبورغ وليس في المغرب، ولما وضعتها في لائحة الأخبار جرى حذفها، وقيل لي أنه ليس لدينا الحق في الكلام عن هذا الموضوع.