يبدو أن ذلك العهد، الذي كانت فيه السلطات تُسخر أصحاب الشاحنات والتراكتورات والعربات المجرورة لتكسير إضرابات نقابات النقل الحضري بالدارالبيضاء، لم يول دون رجعة.تهافت الركاب على حافلات الخواص (مشواري) فالسلطات العمومية لا تتخلى عن "الخطط الناجحة"، وكل ما تفعله، هو تغيير طريقة لعبها مع المضربين. يوم الأربعاء الماضي، عندما دعت مجموعة من النقابات إلى إضراب مفاجئ لحافلات النقل بشركة "مدينة بيس"، بالدارالبيضاء، لم تتعطل مصالح المدينة بأكملها، ولم يتعذر على المئات من الموظفين والمستخدمين الوصول إلى مقرات عملهم، ولم تُحرم العائلات من زيارة مرضاها في المستشفيات والمصحات البعيدة. كل ما وقع يوم الإضراب، هو ارتباك ملحوظ في التنقل، لم يصل إلى درجة شل القطاع بأكمله. والسبب، ليس إقدام السلطات على تسخير الشاحنات والعربات لحمل الناس إلى وجهاتهم، كما كانت تفعل سابقا، بل لأن حافلات أخرى، تعود إلى الخواص، جنّدت كل ما تتوفر عليه من "طوبيسات"، ضعيفة الجودة، أو مهترئة بالكامل، لاستغلال فرصة الإضراب، ونقل أكبر عدد من الركاب، عملا بمبدأ "مصائب قوم عند قوم..". ومن حسن حظ البيضاويين، أن جميع شركات الخواص لم تندمج في شركة "مدينة بيس"، وإلا كان إضراب الأربعاء الماضي سيشكل ضربة حقيقية لاقتصاد المدينة، لأنه كان سيشل الحركة تماما. إن وجود ما يفوق 400 حافلة خارج سيطرة النقابات الداعية للإضراب في شركة "مدينة بيس"، تغطي أزيد من 40 خطا وسط المدينة، حال دون نجاح الإضراب، بتقديم البديل للركاب، الذين فضلوا تحمل تكديسهم في حافلات قليلة العدد، على أن يضيع عليهم يوم من العمل، وربما عاقبهم مشغلوهم بالتوقيف ثلاثة أيام أو أكثر. الاختلاف رحمة، فلو كانت جميع شركات النقل بالدارالبيضاء، مثل سوتروم، ولوكس، وزناتة بيس، وسترو، وطانجيس، والشناوي، والهناء والرفاهية، تحتكرها "مدينة بيس"، لنجح الإضراب في شل حركة المدينة، ولكانت تذكرة الركوب في ذلك اليوم، تجاوزت 5 دراهم. لعبة السلطات مع النقابات لن تنتهي، حتى في حال نجاح شركة "مدينة بيس" في جمع كل حافلات النقل العمومي بالعاصمة الاقتصادية تحت لوائها، لأن الدولة "كتْلعب طويل"، وهي الآن بصدد توفير كل التسهيلات لدراجات "الشينوا" النارية، التي أصبحت تنقل، إلى جانب "الهوندات"، والطاكسيات الكبيرة والصغيرة، والعربات المجرورة، وسيارات الخطافة، المواطنين ذهابا وإيابا، إلى مقرات عملهم، دون أن يعترض أحد على هذه التخصصات المتعددة، التي يمكن للسلطات استغلالها للتخفيف من أزمة النقل، حتى لو أضربت جميع الشركات والحافلات عن العمل. أما عندما سيبدأ العمل بالترامواي، فتلك قصة لا يريد النقابيون الاطلاع على مضمونها.