بهدوء يغلب عليه التأمل، يتحدث المخرج، عبد المجيد الرشيش، الذي أنهى تصوير فيلم "ذاكرة الصلصال"، عن معاناة امرأة بسبب غيرة زوجها، وعن اقتناعه بأن الفن مرآة تعكس الواقع، من خلال عيون الفنان.مشهد من فيلم الأجنحة المنكسرة لمجيد الرشيش معتبرا السينما إبداعا فنيا، وثقافيا، تتبلور فيه الأفكار والأحاسيس، التي تخالج الفنان، وتجسد نظرته للعالم، ومن خلال تجربته تتحدد الصورة، التي يخرجها إلى الوجود. من هذا المنطلق، يرى الرشيش أن السينما المغربية عكست دور المرأة في المجتمع، مؤكدا أن خلاصة كل عمل فني يتطرق إلى وضعية المرأة، أو غيرها من المواضيع، غالبا ما تكون منسجمة مع أفكار فلسفية، أو علمية، أو اعتقادات مسبقة لدى الفنان، وهو ما يعطي، في النهاية، حصيلة جهد المبدع. لكن الرشيش يوضح أن هذا الجهد هو خلاصة في زمان ومكان معينين، ويأتي بصورة مؤقتة، قابلة للتطور. وأضاف الرشيش، في لقاء مع " مساواة"، أن العمل الفني، في كل مرة يعتقد صاحبه أنه وصل إلى هدفه، يتبين له، في ما بعد، أنه لم يحقق مبتغاه بالشكل الصحيح. ولهذا يعتبر أن الإبداع ليس موجها إلى رجال، أو نساء، أو أطفال، بقدر ما هو موجه إلى الإنسان، بصفة عامة، يصبغ عليه صاحبه تراكمات تاريخية، وأدبية، وثقافية، ودينية، ما يجعل المخرج يتصرف انطلاقا من تلك التراكمات. ويقول الرشيش "في الماضي، كانت المرأة موضوع سيطرة الرجل، وانتقلت، بعد ذلك، إلى منطق الحوار". ويعتبر المخرج هذه الصورة غير شاملة، ولا تنطبق على كافة مناطق المغرب، فالمرأة الصحراوية شاعرة، ومربية، وناشطة اقتصاديا، وعامل استقرار في البيت، ومستقلة، كما المرأة الأمازيغية، وإن كانت السلطة تعود إلى الرجل، رغم دورها البارز في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وبخصوص الأداء الإعلامي في المغرب، ومدى التزامه بقضية المرأة، يرى الرشيش أن "الخطاب الإعلامي، بصفة عامة، اكتسى طابع الإخبار، وحاول أن يقدم صورة مطابقة 100 في المائة للمجتمع، بسلبياتها وإيجابياتها، وهو إعلام أقرب إلى الإشهار، يستهدف الإنسان من أجل الاستهلاك، وليس من أجل التفكير". وأخرج الرشيش مجموعة من الأفلام المتنوعة، ومن أشرطته القصيرة "6 من 12"، الذي تقاسم إخراجه مع محمد عبد الرحمان التازي، وأحمد البوعناني، وهو فيلم وثائقي حول الدارالبيضاء، أخرجه سنة 1968، ثم فيلم "الغابة"، سنة 1970، و"البراق"، سنة 1971. ومن أعماله على مستوى الشريط المطول، فيلم "الأجنحة المنكسرة"، إنتاج سنة 2005، وهو ثاني عمل روائي طويل، بعد فيلم "قصة وردة"، انتاج سنة 1999. كما أخرج الرشيش أفلاما تلفزية، مثل "الغابة"، و"سعيدة"، سنة 2001، و"الورطة"، و"نافح العطسة"، عام 2003. وأخيرا، انتهى من تصوير فيلم بعنوان "ذاكرة الصلصال"، يتطرق إلى وضعية المرأة في بيت الزوجية، ويحكي عن امرأة تعيش وزوجها حياة نمطية رتيبة. ولا تنكر القصة وجود حب قوي من طرف الزوج، الذي يغار حد الجنون على زوجته. لكن رغم هذا الحب يتسرب إليه الملل، وتقتحم المشاكل جدران البيت، بسبب افتقار الزوج لآليات التعبير عن عواطفه، وإبراز مشاعره لزوجته، وبناء على بروفيل الزوج، كصورة لنسبة كبيرة من الأزواج، يعبر عن كم هائل من عواطف، تشوش عليها غيرة عمياء. وتصطدم غيرة الزوج القوية برجل معتوه يعشق زوجته، التي لم تكن على أي علاقة به، فهو شخص أحمق، ومع تطور الأحداث، أقدم الزوج على قتل الرجل الأحمق، ليجد نفسه في السجن مدة 10 سنوات، وفي زيارة له من زوجته، طلب منها أن تبدأ حياتها من جديد، ولا تنتظر خروجه، لأن عقدا من الزمن طريق طويل، يحجب أمورا كثيرة غير متوقعة. كانت المدة كافية ليتأمل البطل فعلته، ويراجع شخصيته، وبعد قضاء العقوبة الحبسية، خرج بأفكار جديدة، نضجت وراء القضبان، لينطلق في رحلة بحث عن زوجته، ليس من أجل استعادتها، لكن من أجل أن يسمع منها جملة "أنا مسامحاك". لكنه لم يلتق بها، والتقى امرأة أخرى، وهنا يتكرر دور المرأة، لكن ليس بصورة العاشقة أو الزوجة، وإنما بصفة الصديقة، التي ستمنحه الأذن الصاغية، ليدلي بكل ما لديه، معترفا بأنه كان عليه أن يكون رجلا مختلفا.