استعرض مجموعة من وزراء الثقافة العرب، مساء يوم الجمعة الماضي، بالمعرض الدولي السادس عشر للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، بعضا من ملامح تجاربهم في تدبير الشأن الثقافي، وما خبروه وعايشوه أثناء تسييرهم للشأن الثقافي ببلدانهمفجاءت كلماتهم متشابهة، تجمع على أن واقع حال وزارات الثقافة في العالم العربي متشابه، وأنها تعاني المشاكل نفسها المتمثلة في الميزانية القليلة المرصودة لهذا القطاع الحساس، وفي معوقات التدبير، وتدخل العديد من الأطراف فيه، التي لا شأن لها بالثقافة، ولا بالتسيير. وأبرز وزراء الثقافة لكل من البحرين وفلسطينوالجزائر، باستثناء وزير الثقافة المغربي، بنسالم حميش، الذي فضل تسيير الجلسة والاعتذار بفتو تجربته، التي تجاوزت الستة أشهر فحسب، في شهاداتهم بعضا من الصعاب التي واجهوها في فترات تسييرهم للشأن الثقافي ببلدانهم، وتباين أمزجة المسؤولين والحكام بخصوصها، وانعدام البنيات الثقافية الضرورية، وغياب سياسة ثقافية واضحة في كل البلدان، لأن وزارة الثقافة تلحق بوزارة الإعلام في أغلب الأحيان، وتفصل عنها في أحايين قليلة، إن لم تحول إلى مجرد مديرية أو هيئة مستقلة. وفي هذا الإطار، ذكرت سهام البرغوتي، وزيرة الثقافة الفلسطينية، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال عزل التجربة الخاصة عن إطارها العام، لأن التحديات التي تواجهها كمسيرة للشأن الثقافي لفلسطين تتأثر بالتحديات والصعاب التي تواجهها الثقافة الفلسطينية بشكل عام . واعتبرت البرغوتي أن الثقافة في فلسطين أصبحت ضرورية في نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وأنها تعبير أساسي عن الوجود، مصداقا لقول الشاعر العربي الكبير محمود درويش" من يكتب حكايته يرث أرض الحكاية". وأوضحت أن الوعي بالذات الذي تحاول الثقافة الفلسطينية أن ترسخه تحول إلى طاقة كبيرة للنضال الفلسطيني، من خلال تحول الثقافة من المستوى العقلاني إلى المستوى الانفعالي. وأشارت إلى أنه من المهام التي واجهتها عند توليها لمقاليد تسيير قطاع الثقافة هو العمل على جعل الثقافة الفلسطينية ثقافة حية ومتفاعلة وحاضرة، ومحاولة اختراق الوعي الإسرائيلي الذي يسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية. وتعد الثقافة بالنسبة لسهام البرغوتي سلاحا ضد طمس ومحو الهوية الفلسطينية وتراثها الشعبي، وموروثها الحضاري، الذي يريد الكيان الصهيوني طمسه، وأن الثقافة تعني "معرفة الأنا والآخر في الوقت ذاته، وكذا السعي لبناء هذه الأنا من خلال الاهتمام بالثقافة الشعبية، باعتبارها جزءا مهما من الذاكرة الحية لفلسطين". وأشارت إلى أن ميزانية وزارة الثقافة بفلسطين تبلغ 2 في المائة من الميزانية العامة، داعية الدول العربية إلى دعم فلسطين وقضيتها العادلة. أما مي بنت محمد آل خليفة، وزيرة الثقافة والإعلام بالبحرين، فقالت إنها ولجت مجال تسيير قطاع الثقافة ببلادها بالصدفة، وأن الكتابة هي التي قادتها إلى هذا المنصب في بداية الأمر، من خلال كتابها "التاريخ السياسي للبحرين"، واهتمامها بالمراكز الثقافية بالبحرين في ما بعد. وأضافت مي أنها دخلت هذا المجال لتحقيق هدف أساسي يتجلى في المساهمة في التأسيس للبنية التحتية للثقافة البحرينية، والسعي إلى إكسابها الإشعاع العربي والعالمي الذي تستحقه. وأضافت مي بنت محمد آل خليفة أنها عملت، من جهة أخرى، على مشروع مهم بالبحرين تمثل في السعي لجلب استثمارات القطاع الخاص، فضلا عن التحضير لاستضافة اجتماع للجنة التراث العالمي بالبحرين سنة 2011. أما مصطفى شريف، وزير الثقافة الجزائري السابق )من 1990 إلى 1993(، الذي حضر بدلا عن خالدة التومي، وزيرة الثقافة الجزائرية الحالية، فركز في تدخله على مختلف المراحل التي قطعها تسيير قطاع الثقافة بالجزائر، من مرحلة ما بعد الاستقلال، التي جرى التركيز فيها على ترسيخ الثوابت الوطنية والوحدة الوطنية، إلى المراحل المتقدمة التي عملت فيها الجزائر على مواجهة تحديات مختلفة، والتركيز على اللامركزية، من خلال تأسيس مجالس عليا للثقافة وللسمعي البصري والإعلام. وذكر شريف أن هذه المرحلة تميزت بالرغبة في تحقيق الانسجام بين الأصالة والتقدم والتركيز على التكوين والطبقة المبدعة، لكن هذه التجربة كانت قصيرة لتخوف الإسلاميين من الثقافة، لأنها هي التي تجعل المواطن ينتقد ويتساءل، ويبحث عن استقلاله. وأشار شريف إلى أن ثقافة الشعب الجزائري هي ثقافة المقاومة والتمرد باستمرار، وأن الثقافة بالجزائر عرفت محطات مشعة وأخرى مظلمة، مركزا على التراجع الذي عرفه القطاع الثقافي في السنوات الأخيرة بالبلد.