يمكن للمرء نقد الأداء السياسي، وطرق تدبير الحكومة والدولة لملف من الملفات، الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية، أو غيرها من الملفات والقضايا، على خلفية تصور آخر للأداء السياسي، وطرق التدبير العملي للملفات، يعتقد أنه أنجع وأجدى نفعا في التعاطي مع الملف المعني، ضمن الظروف والملابسات المحيطة به.بل يمكن القول إن من واجب الإنسان الواعي، أو المجموعة السياسية، الملتزمة بقضايا المجتمع الأساسية، الحرص على متابعة الشأن العام، واقتراح الحلول الممكنة للمشكلات، التي تجري معالجتها على المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والوطنية. غير أن من البديهي القول إن عدم التمييز بين الملفات ورهاناتها، من حيث أهميتها وحيويتها وخطورتها، يؤدي إلى نتائج عكسية مما هو منتظر من الإدلاء بموقف نقدي بصددها. وهذا ما يقع عادة عندما تكون للملف المعني أبعاد وطنية وخارجية، ولا تنحصر رهاناته في المستوى الوطني الداخلي، وإنما تتعداه إلى مستويات إقليمية ودولية، مثل ما هو عليه الأمر بخصوص النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية. فإذا كان طبيعيا أن تكون هناك مقاربات مختلفة، ومتعددة، بخصوص معالجة هذا الملف، فلا يمكن النظر إليها بصورة إطلاقية، وإنما ينبغي أن تندرج ضمن تصور عام، يحفظ الحقوق الوطنية للشعب المغربي، بما في ذلك الحقوق السيادية على جزء من ترابه الوطني، الذي كان خاضعا للاستعمار الإسباني، قبل استعادته على إثر المسيرة الخضراء، والاتفاق المبرم مع الحكومة الإسبانية، باعتبارها الدولة المحتلة. أي أن معالجة ملف الصحراء ينبغي أن تكون ضمن مقتضيات السيادة المغربية، وسقف المصلحة الوطنية للشعب المغربي برمته، كما أكدت ذلك مبادرة الحكم الذاتي، التي طرحها المغرب للتفاوض، من أجل التوصل إلى حل سياسي توافقي وواقعي، بعد تعذر تطبيق خطة الاستفتاء، باعتراف الأممالمتحدة ذاتها. وهذا يعنى، بعبارات أخرى، استبعاد كل مقاربة تصب الماء في طاحونة استراتيجية خصوم وأعداء الوحدة الوطنية، على اعتبار أن هذه المقاربة تشكل دعما جوهريا للموقف المعادي، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بشكل إرادي، أو غير إرادي. وبطبيعة الحال، فإن هذا لا يعني إعطاء شعار الإجماع الوطني حول مغربية الصحراء بعدا إقصائيا، لتعدد المقاربات والتصورات حول تدبير هذا الملف، الحساس بالنسبة للشعب المغربي، وإنما يعني الانطلاق من أن هذا الإجماع هو القاعدة الذهبية، التي على أساسها يمكن النظر إلى جميع المقاربات المطروحة، أي الانطلاق من تصور للإجماع، الذي لا يلغي التعدد، لكن دون الوقوع في التعدد، الذي يستحيل معه الإجماع المبدئي حول المنطلقات والأهداف الرئيسية لمجمل مكونات الأمة، بغض النظر عن توجهاتها الفكرية والسياسية. ذلك أن المحذور هو الدفع بمنطق التعدد، ونقد الأداء وطرق تدبير الملف، إلى عنصر ضمن مجمل العناصر المكونة للمنظومة الحجاجية للخصوم، بدل أن يكون عامل تطوير للموقف الوطني، بما يدعم الحقوق الوطنية والسيادية، ويدحض ذرائع الخصوم والأعداء. إن اعتماد منهجية توافقية وطنية في تدبير ملف القضية الوطنية أمر مطلوب، ما في ذلك شك، ومما لا شك فيه، أيضا، أن المغرب يتوفر على عدد كبير من المؤسسات، التي يمكن أن تساهم في جعل هذا التوافق ممكنا وفعالا، وبالتالي، فإنه ليس مطلوبا طرح معطيات هذا الملف على الشارع العام، كما توحي بذلك بعض الدعوات، باسم ضرورة تحقيق الشفافية والتوافق حول هذا الملف، لأن المسألة ليست مسألة تتعلق بالمغرب وبقواه الحية، فحسب، وإنما هي قضية القضايا بالنسبة لخصوم الوحدة الترابية، أيضا، لذلك ينبغي حرمانهم من الاستفادة المسبقة من بعض المعطيات المرتبطة بالملف، على اعتبار أن الاحتفاظ بعنصر المفاجأة جزء لا يتجزأ من التدبير الناجع لأي ملف من الملفات، التي تكون فيها الاستراتيجيات متباينة، تباين استراتيجية الجزائر والبوليساريو، الرامية إلى تفكيك وحدة المغرب، وجعل التفكير في بناء المغرب العربي ذاته غير ممكن، عن استراتيجية المغرب، التي تربط، بصورة عضوية، بين تعزيز الوحدة الترابية لبلدان المغرب العربي، وبين وضع الأسس الكفيلة ببناء المغرب العربي الكبير، في المستقبل المنظور.