تمكن الخطاط المغربي محمد أمزيل، أخيرا، من الفوز بجائزة البردة فئة الخط العربي بالأسلوب الحديث، التي عرفت مشاركة 122 فنانا من مختلف الدول العربية والإسلامية.وحجبت الجائزتان الأولى والرابعة من مسابقة الخط العربي بالأسلوب الحديث، فيما فاز بالمركز الثاني علاء إسماعيل من العراق، وفاز كل من علي سعيد حمد مهنا، وعلي رضا محبي شيخلري من الأردن، بالمركز الثالث، واستحق المركز الخامس إضافة إلى أمزيل، كل من علي عبدالرحمن علي البداح من الكويت، وعلي رضا أفشار ونكيني من إيران، ومحمد عارف خان من باكستان، ومحمد رضا صدري من إيران. وفاز بالجوائز التقديرية لمسابقة الخط العربي بالأسلوب الحديث كل من إيسيب مسباح من أندونيسيا، وبيمان بيروي وإبراهيم ألفت وأفسانه مطلبي اسفيدواجاني من إيران. كما حجبت، أيضا، الجائزتان الأولى والخامسة، من جوائز الخط العربي بالأسلوب التقليدي، فيما فاز بالجائزة الثانية كل من مثنى عبد الحميد العبيدي، ومحفوظ يونس ذنون العبيدي من العراق، وبالجائزة الثالثة صباح الأربيلي وهو بريطاني من أصل عراقي، وبالمركز الرابع زياد حيدر المهندس من العراقي أيضا. وفاز بالجوائز التقديرية في الخط العربي بالأسلوب التقليدي كل من محمد علي زاهد من باكستان، ورياض عيسى العبد الله من سورية، ونورية غرسية ماسيب من ألمانيا، ومحمد ديب جلول ومحمد جمعة حماحر من سورية، ومحفوظ أحمد من باكستان. ومن المنتظر أن تنظم وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع حفلا كبيرا في العاصمة أبو ظبي في 28 فبراير المقبل، لتوزيع الجوائز على الفائزين. وتندرج أعمال أمزيل، الذي فاز بالعديد من الجوائز الوطنية والدولية، في إطار لعبة التخييل، وبلاغة الحروف، فهو ينحو في منجزه الحروفي إلى تحديد رؤية جمالية وسمت هامشه الفني، موثرا العلامات البصرية للخط العربي، بوصفها قيمة جمالية تستجيب لعملية الخلق والإبداع اللامحدودين. في أعماله، يسخر أمزيل جهده لتأسيس لغة بصرية جديدة تستلهم شذرات الحروف، مستضيئة بحركة تواترية داخلية، فهاجسه الفني هو منح الخط العربي حرية أشمل وأكبر، وحركية حديثة، محاولا القبض على نور خاطف وضوء هارب في معناه الروحي. يحاور أمزيل الحرف في تجلياته الصغرى والكبرى، وفي مقاماته الصوفية وشذراته الإشراقية، ويؤسس لمسار جديد في تجربة أراد لها أن تكون متميزة واستثنائية، كما يرى أن الحرف يكشف عن رسالة نورانية انخطافية في فضاءات التشكيل المتنوعة والشاسعة، الموسومة بالجدة والجديد. فهو يتوخى الوصول بالحرف إلى مقاماته الصوفية، وإبرازه داخل هذا الفضاء التصويري الممتد والشاسع، باعتبار الحرف علامة العطاء والتنوع. يمتلك أمزيل، الذي دخل مجال الحداثة، بأسلوب حديث متطور، متجاوزا عتبة الخط الكلاسيكي بمهارة عالية ودقة فائقة، حسب الناقد والخطاط السوري معصوم محمد خلف، خيالا خصبا وتجربة رائدة فريدة، يعزف من خلالها على حركات الحروف المتنوعة، ليعطي لهذا الفن المتألق وشاحا آخر تدخل في صميمية الأبجدية التشكيلية للحروفية، التي تواكب القواعد الكلاسيكية في متعة لا حدود لها من الجمال والبهاء. فالعزف على أوتار الألوان بدقة متناهية وخبرة واسعة يعطي مردودا ليس له مثيل في إضفاء الخلفية المتلألئة على اللوحات الخطية، كما أن التجارب الإبداعية في مضمار الحرف تكسبه قوة وصلابة وبعدا ثنائيا تلتحم مع الكتل الخطية التي تكسب اللوحة مصداقية العمل الفني المتميز. يقول محمد خلف، إن "نظرة فاحصة متأنية على لوحات الفنان والخطاط محمد أمزيل تضعك في رحاب الإبداع المتألق، الذي يرمي بالإنسان إلى حالة التخاطب والانسجام مع اللوحة، التي تشترك معا في صياغة المفهوم العام عبر تقنيات تهدف إلى إبراز المعنى الشمولي للوحة، فهو الترجمان الفريد لأبجدية الحرف، إذ يغوص بعمق في جوهرها اللامتناهي لانتمائه الوجداني إلى خاصيات الحروف". يمزج أمزيل بين الكوفي القديم وتقنياته المتأصلة في تلافيف التراث، ليكسب الحرف قوة الإنجاز مع ترابط الكتلة الفنية قلبا وقالبا، ففي الآية الكريمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ينسق الحروف في استقامة متتالية فيجعل من أداة "إلا" رسما دائريا على هيئة الكرة الأرضية، مزينة بزخارف داخلية متجانسة يختفي رويداً رويدا ليصل في نقطة المركز، الذي يمثل إشعاعا ممتدا لا نهاية له، فتتألق الكلمات مشكلة رسما تتباهى فيها الألوان نحو التكامل والبهاء. استطاع أمزيل، من خلال نظرته الثاقبة أن يفوز برحلة الكشف عن عوالمها الدفينة واللامحدودة، فقد بهر الجمهور بتناوله عوالم الحروف الساحرة دون أن يكون هدفه الإعلان عن ذاتيته المرهفة، مابين الغوص في الحروف والإبحار في فضاء الكلمات. إن جغرافية الحروف المطرزة بهالات ممزوجة بأطياف الألوان والإبحار في أعماق طياتها المكتوبة بعمق التاريخ والزمن السرمدي أشرعت لفناننا وخطاطنا المتميز بواباتها الواسعة نحو المطلق، وفتحت له صفحات رائعة مليئة بالدلالات والإشارات، متوغلا بنهم ودراية في استيعاب الروافد الثقافية والإنسانية.