يرتبط قطاع السياحة في العالم العربي، ارتباطا وثيقا بالمناظر الطبيعية، والميزات البيئية، والخصائص الثقافية للمنطقة، وهو بطبيعته شديد الحساسية للتقلب والتغير المناخي، بشكل مباشر أو غير مباشر، وترتبط السياحة في بلدان عربية عديدة ارتباطا وثيقا بهذه الأسس الطبيعية، ويتأثر البعض منها تأثرا شديدا.وأفادت دراسة أنجزها الدكتور عبد اللطيف الخطابي، بروفسور بالمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين، ومنسق مشروع "التأقلم مع تغير المناخ في المغرب"، لفائدة المنتدى العربي للبيئة والتنمية، أن قطاع السياحة أضحى عرضة لتأثيرات التغير المناخي. وفي سياق دراسة جوانب قطاع السياحة وتحدي التغير المناخي، تناول العلاقة بين السياحة والمناخ، مشيرا إلى أنها معقدة جدا، يبقى من الصعب تحديدها بما أن هذا القطاع هو في الوقت نفسه عرضة للتغير المناخي، ومن أبرز مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة. وتؤكد هذه الازدواجية تحدي التخفيف من أثر المناخ، من جهة، ومشاكل التأثر والتكيف، من جهة أخرى. وتعتبر ميزة العلاقة بين السياحة والتغير المناخي جديدة في مجال المنشورات والمؤلفات، لكنها حظيت باهتمام خاص في العقدين الأخيرين. وسلطت الدراسة الضوء على بعض القضايا المتعلقة بالسياحة والتغير المناخي في العالم العربي، ووقعها المحتمل على اقتصاديات بلدانه. كما أشارت إلى بعض الإجراءات التكيفية والتخفيفية، التي يتعين اتخاذها على الأمد القصير والمتوسط والطويل، وللتقليل من تأثر هذا القطاع . ويشكل المناخ ميزة أساسية لوجهة سياحية ما، بل إنه عامل اندفاع ورضا قوي. ويعتبر مفهوم "الطقس الجيد" رهنا بالوجهة ونوع النشاط المتوخى والسائح، إضافة إلى عوامل أخرى. ويحدد المناخ طول موسم السياحة ونوعيته، ويلعب دورا مهما في اختيار وجهة السياح وإنفاقهم. وتؤكد الدراسة، كذلك، المبادرات الناجحة نسبيا، التي جرى تطويرها، والتي تهدف إلى تجسيد هذه العلاقة، منها "مؤشر الراحة السياحية"، الذي يجمع بيانات حول معدل درجة الحرارة، ودرجة الحرارة القصوى، ونسبة تساقط الأمطار، وأشعة الشمس، والرياح، والرطوبة، من أجل تعيين مؤشر للموقع يعكس درجة الراحة المناخية، التي يشعر بها السائح، في موقع معين. ويؤكد البروفسور الخطابي، في معرض دراسته، أن السياحة أصبحت في العالم العربي ذات أهمية متزايدة، نظرا للمقومات الطبيعية، والثقافية، والتاريخية والسياحية لدول المنطقة. وتعتبر خمسة بلدان عربية بين الخمسين الأولى من حيث عائدات السياحة في العالم، إذ تعتبر مصر الأولى، باحتلالها المرتبة 27 ، يليها المغرب (المرتبة 31)، والمملكة العربية السعودية (المرتبة 38)، ولبنان (المرتبة 41)، والإمارات العربية المتحدة (المرتبة 42)، وتعتبر السياحة قوة داعمة للاقتصاديات المحلية، ومصدرا للعملة الأجنبية، خصوصا بالنسبة إلى الدول ذات الموارد الطاقية المحدودة، مثل المغرب، وتونس، ولبنان، كما يمكن أن تكون بديلا دائما للدول ذات الاقتصاد القائم على موارد الطاقة غير المتجددة . وتضيف الدراسة أن عدة تقارير تميل، في ما يتعلق بتطور المناخ في المنطقة العربية، إلى تسليط الضوء على توجه نحو ارتفاع في درجة الحرارة، يرافقه انخفاض في تساقط الأمطار في معظم البلدان العربية. ويلازم هذا التوجه اشتداد الأحوال الجوية القاسية، مثل الجفاف، والعواصف، وموجات الحرارة. ويتوقع في المغرب، على سبيل المثال، أن يتوسع الجزء القاحل في البلد نحو الشمال والشمال الشرقي، وزيادات في متوسط درجة الحرارة ومدة الجفاف، وعدد الأيام الحارة، إضافة إلى انخفاض معدل هطول الأمطار. ويمكن للتفاعلات البيولوجية والفيزيائية للارتفاع المتواصل في درجات حرارة المحيطات، ونقص في المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، أن تنعكس على مؤشر "الراحة المناخية ". وأكدت الدراسة أن بلدان عربية عديدة قد تشهد، بما فيها تلك التي تنتمي إلى الدول الخمسين، الأكثر اجتذابا للسياح في العالم، انخفاض أعداد السياح، وبالتالي عائدات السياحة. وتشكل المملكة العربية السعودية استثناء، إذ أن معظم السياح فيها هم من الحجاج، ودافعهم الواجب الديني، لا الترفيه. كما ستتأثر النظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية بشكل ملحوظ بالتغير المناخي، في بعض مناطق مصر، والأردن، وقد يكون لذلك أثار سلبية على هذه الوجهات السياحية. وساقت الدراسة النتائج المباشرة وغير المباشرة المحتملة للتغير المناخي، والمتمثلة في ازدياد متوسط درجات حرارة البحر، والهواء، وارتفاع مستوى سطح البحر، وازدياد ووتيرة موجات الحرارة، والجفاف، ودرجات الحرارة القصوى وشدتها، وانخفاض نسبة هطول الأمطار، في حين تتضح الآثار غير المباشرة جليا في تآكل السواحل، وغمر المناطق الساحلية، وتزايد الضغط على النظم الايكولوجية، وتملح المياه الجوفية، والجفاف، وتآكل التربة، والانهيارات الأرضية، لتخلص إلى أن اختلاف تأثر قطاع السياحة بمفاعيل التغير المناخي، المباشر وغير المباشر، من منطقة إلى أخرى، كما يختلف، حسب الممارسات السياحية . وعلى مستوى العالم العربي، ذكرت الدراسة أن الآثار المباشرة للتغير المناخي ستكون على قطاع السياحة مهمة، لأن المنطقة ستكون عرضة لزيادة في تواتر الأحداث المناخية القاسية (مثل حالات الجفاف وموجات الحر)، وترتبط السياحة في بلدان عربية عدة ارتباطا وثيقا بهذه الأسس الطبيعية، ويتأثر البعض منها تأثرا شديدا، وبطرق مختلفة بتقلب المناخ وتغيره، كما ستزيد تفاعلات بحرية وبرية من ظروف حرارية خطرة، وفي المناطق الساحلية من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث يتوقع في الصيف أن تزداد درجة حرارة سطح البحر المتوسط، ستجعل المنطقة أكثر ملاءمة لحدوث إعصار استوائي . وتناولت الدراسة إشكالية الموارد المائية، إذ أن شمال إفريقيا والشرق الأوسط، من المناطق الأكثر جفافا، إذ أن الموارد المائية هي الأدنى بين مناطق العالم، ما يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في غالبية بلدان المنطقة. ويبلغ معدل نصيب الفرد من المياه نحو 7000 متر مكعب سنويا، على المستوى العالمي، في حين أنه يقل عن ألف متر مكعب للفرد في المنطقة، إضافة إلى إمكانية التأثر الكبير لكل من العرض والطلب على المياه، بفعل التطور المناخي . ويعد قطاع السياحة من القطاعات الأكثر استهلاكا للماء، حسب الدراسة، سواء لأغراض الشرب، والصرف الصحي، أو لدعم خدمات أخرى، مثل أحواض السباحة، وملاعب الغولف، والمساحات الخضراء. ويتفاوت هذا الاستهلاك، وفقا لنوع الأنشطة السياحية، ومستوى الراحة المطلوب، ويمكن لمس طريقة تأثر هذا القطاع بندرة المياه على مستويات مختلفة. ويتوقع أن يؤدي ضغط التنمية السياحية على الموارد المائية إلى تضاربات في الاستخدام، لاسيما عند تحويل المياه من الزراعة، التي تضمن الأمن الغذائي للسكان المحليين، إلى نشاطات صناعية سياحية.