خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    وفاة ضابطين في حادث تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور فؤاد أبوعلي (رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية بفرع وجدة): السياسات اللغوية يجب أن تخضع لدراسة علمية وليس إلى المزايدة الإيديولوجية
نشر في التجديد يوم 14 - 12 - 2008


كان قطاع التعليم وسيبقى هو السبيل نحو المعرفة والاكتشاف وتحقيق أي تطور ونمو في حياة الإنسان والمجتمع، والتعليم بمفهومه العام هو طرق اكتساب المعارف وإيجاد الحلول وتلبية الحاجات القائمة والمتواصلة في شتى جوانب الحياة ، ومن هنا ارتبط مفهوم التعليم وطرقه ارتباطا وثيقا بالبنى الاجتماعية والاقتصادية... *** ـ من الخلاصات المثيرة التي توصل إليها تقرير المجلس الأعلى للتعليم الأخير، وتدارسها في لقائه الأخير، تأكيده أن ثمة مشكلا في التحكم في الكفايات اللغوية في صفوف التلاميذ، برأيكم ما هي الأسباب العميقة التي أدت إلى هذه الوضعية؟ كان قطاع التعليم وسيبقى هو السبيل نحو المعرفة والاكتشاف وتحقيق أي تطور ونمو في حياة الإنسان والمجتمع، والتعليم بمفهومه العام هو طرق اكتساب المعارف وإيجاد الحلول وتلبية الحاجات القائمة والمتواصلة في شتى جوانب الحياة ، ومن هنا ارتبط مفهوم التعليم وطرقه ارتباطا وثيقا بالبنى الاجتماعية والاقتصادية، ولابد أن يكون هناك أثرا متبادلا بين ما يحصل من متغيرات بينهما. وباعتبار اللغة هي المدخل الطبيعي والأساس لكل تواصل علمي ومعرفي، فإن قصورها عن أداء وظائفها يخلق نوعا من الارتباك في التكوين والكفايات المتوفرة للمتلقي. وأعتقد أن الإشكال اللغوي في المدرسة المغربية غدا يأخذ أبعادا أخرى بعد التقارير الدولية التي أشارت إلى أن المدرسة المغربية تتميز بكونها المدرسة التي لا تمكن الطالب من التواصل بأية لغة من لغات التدريس المختلفة. وإذا كان المجلس الأعلى للتعليم قد أقر بوجود مشكلة جوهرية على مستوى الكفايات اللغوية فلأنه اقتنع أن كل المحاولات الإصلاحية سواء بشكل الطبيعي أو المستعجل ستجد أمامها عقبة كبيرة اسمها القدرة اللغوية لدى الطالب المغربي. وفي اعتقادنا أن هناك تراكمات عديدة هي التي أدت إلى هذه الوضعية لعل أهمها التهميش التي عانت وتعاني منه اللغة الوطنية أي العربية في التدريس ، حيث غدا التواصل بالعربية شبه منعدم اللهم إلا في مواد معينة. بل أن هامش الحرية الذي أعطي للقطاع الخاص في التصرف في المواد الدراسية والمقررات قد نحا منحى استبعاد العربية كليا من التعليم وتعويضها باللغات الأجنبية المختلفة . ولهذا نتصور أن الإشكال اللغوي ينبغي دراسته بشكل أكثر عمقا، لأن الأمر يتعلق بتعدد الاستعمالات اللسانية التي تلقن للطفل المغربي. فإذا كانت قدرة الطفل الفرنسي أو الإنجليزي ـ على سبيل المثال ـ تحتفظ بنفس اللغة المستعملة في الشارع والمدرسة والبيت بحيث لا تجد اختلافا كبيرا بين كل هذه المجالات، فإن الطفل المغربي يلقن لغات بعيدة كل البعد عن مجاله الحياتي وتداوله اليومي مما يعقد التلقي اللغوي ويضعف كفايته اللسانية . هذا إضافة إلى البرمجة والتخطيط المضطرب في وضع المقررات وانعدام فضاءات حقيقية للاكتساب اللغوي...الخ. هذه بعض الأسباب التي نعتقدها أساسية في خلق الإشكال اللغوي لدى الطالب المغربي. هناك من يرى أن هذا المشكل، مشكل التحكم في اللغات، آت من فشل سياسة التعريب، وبالتالي الحاجة إلى التراجع عن هذه السياسة، هو بتبني سياسة لغوية تراعي محيطها وعصرها، ما رأيكم؟ أكد الدكتور فؤاد أبوعلي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية بوجدة، أن الإجهاز على مسار التعريب، التي توقف في الثانوي ولم يشمل جميع التخصصات في الجامعة، يعد أهم سبب في الضعف اللغوي الملاحظ عند التلميذ والطالب المغربيين اليوم، وأضاف بوعلي في هذا الحوار مع التجديد، أن عدم استكمال التعريب إلى نهايته، واللهث وراء تقليد الغير والدفاع عن لغته وثقافته هو ما يضعف الانتماء الوطني والحضاري للمتعلم ويقلل من فرص الاستخدام اللساني للغة. وشدد بوعلي أن التكديس اللغوي في المراحل الأولى من التدريس لا يمكن معه للتلميذ أن يطور ملكاته اللغوية من جهة أخرى، أكد المتحدث أن تعليم اللغات الأجنبية الحية يبقى ضروريا، لكن ليس كلغات ناقلات للمعارف، مشددا على أن تدريس العلوم بالعربية في بلداننا، كما تدرّس في بلدان أخرى من العالم بلغات تلك الدول، اليابان نموذجا، يبقى أمرا ممكنا، وفيما يلي نص الحوار: التعريب ليس المسؤول عن ضعف القدرة اللغوية بل المسؤول هو عدم استكماله واللهث وراء تقليد الغير والدفاع عن لغته وثقافته إن قيام سياسة لغوية سليمة وناجحة ينطلق من التوصيف السليم للإشكال وليس من خلال المزايدة الإيديولوجية. فإن كان هناك إشكال في سياسة التعريب التي طبقت فلأنها لم تستكمل مشوارها البيداغوجي وتوقفت في المرحلة الثانوي. ولم لا نعكس الآية ونقول بأن الإجهاز على التعريب هو سبب الضعف اللغوي لدى الطالب المغربي ؟ حيث لا يجد المتعلم أية فائدة من دراسة العلوم بالعربية مادام سيضطر إلى ترجمتها للغة الفرنسية. لذا ينبغي الدعوة إلى مراجعة شاملة للتعريب والقيام بتعريب شامل لكل المستويات. فاللغة العربية كلغة وطنية ولغة هوية هي الأداة الطبيعية للتعليم في مختلف المواد، وإنها ضرورة قومية ودعامة لوحدة الأمة وجب اعتمادها كلغة رسمية في تعليم التخصصات الإنسانية والعلمية والتطبيقية. ولنا في التجربة التراثية خير سند حين كانت العربية بوابة المعرفة والعلم التطبيقيين فنبغ من علماء الطب والتشريح والكيمياء أعلام أضاءوا سماء المعرفة الإنسانية . وحتى لا نذهب بعيدا فالعديد من الدول العربية قد عربت العلوم والمعارف واستطاع بذلك طلبتها أن يحتلوا الريادة في علوم التراث والتقنية. المهم أن تكون لنا الإرادة السياسية لتحقيق الأمر. لكن التدريس بها لا يعني إهمال اللغة الأجنبية إذ من خلالها يمكن الإطلاع على ثقافة العالم الآخر وإبداعاته وتطوراته في المجالات العلمية ، وإنما الدعوة للتعريب تأتي باعتماد اللغة العربية كلغة حوار وتأليف علميين ، من اجل تعميق الوعي والفهم باللغة الأم الأمر الذي يؤدي إلى التطوير والنهوض. لهذا كان للتعريب أهميات عديدة: علمية لغوية وقومية وكلها ترتبط بالحياة العلمية المعاصرة للإنسان العربي الساعي دوما للتقدم والتطور والتخلص من التبعية والجمود. لذا فالتعريب ليس المسؤول عن ضعف القدرة اللغوية بل المسؤول هو عدم استكماله واللهث وراء تقليد الغير والدفاع عن لغته وثقافته مما يضعف الانتماء الوطني والحضاري للمتعلم ويقلل من فرص الاستخدام اللساني للغة . ثمة واقع قائم، يتجلى في كون المعاهد العليا ومدارس المهندسين يتم التدريس فيها بالفرنسية، ويطرح التعريب تحديا كبيرا، من وجهة نظركم، ما الذي يمكن فعله لتجاوز هذا الإشكال؟ المتأمل في التكوين التقني والمهني في المغرب يخلص إلى مسلمة مركزية هي قيامه على فلسفة نفعية القطاع وفق منطق حاجة السوق. وسيجد المسؤولون عن هذه المعاهد والمدارس أعذارا ترتبط بسوق الشغل المرتبط بلغة موليير وهوجو. لكن الواقع أن المعرفة لا لغة لها ويمكن لكل اللغات أن تستوعبها وتغدو حاملة مثالية لها. فكل الأمم تقدم لأبنائها منتوجا معرفيا بلغتها الأصلية حفاظا على هويتها وعلى القدرات التعبيرية للسانها. ولنا في التجربة اليابانية خير دليل. وللخروج من هذا الواقع ينبغي أن يتخذ الأمر منحيين : الأول يتعلق بضرورة وجود إرادة سياسية فعلية بتعريب الحياة العامة والعلوم والمعرفة حتى تكون مقدمة لتعريب ميدان العمل . والثاني يخص الباحثين والأكاديميين الذين يستوجب عليهم إعداد مادة علمية بالعربية في كل الميادين التقنية والعلمية حتى يمكن توظيفها في العملية التدريسية. ولنا محاولة في هذا المجال نتمنى أن ترى النور كنا قد قدمناها إلى السيد وزير السياحة تتعلق بمشروع تعريب القطاع السياحي الذي يعتمد على المستويات المعجمية والبيداغوجية والأكاديمية. وقصدنا من خلاله أن نثبت أن العربية ليست عاجزة عن مسايرة القطاع المهني بل يمكنها أن تحتويه وتكون أكثر ملاءمة لحاجياته. لنأتي إلى واقع تدريس اللغات، هناك سوق لغوية على ما يبدو في تعليمنا، بحيث هناك نوع من التكديس في تدريس اللغات بالنسبة للطفل منذ الابتدائي، حيث نجده يدرس ثلاث لغات، العربية الفصحى والفرنسية، والامازيغية في بعض المدارس، برأيكم هل قدرة الطفل الإدراكية قادرة على تعلم ثلاث لغات في المرحلة نفسها؟ وما هي آثار ذلك؟ دعني أقول لك أن الطفل المغربي يعيش مفارقة خطيرة على صعيد الاكتساب اللغوي. لأنه يجد نفسه في مراحله العمرية الأولى أمام جهد مضاعف لتعلم لغات التعليم والإدارة المخالفة تماما للغة الشارع والمدرسة. ينضاف إلى ذلك تكاثر اللغات الملقنة للطفل في المراحل الأولى للتعلم مما يخلق لديه ارتباكا حقيقيا ويجعله عرضة لإتلاف كل اللغات الملقنة . لأننا لو علمنا ـ كما يقول اللسانيون ـ أن اكتساب اللغة يمر من مراحل متعددة ومن خلال مكونات صوتية وصرفية وتركيبية تستوجب انحصار التلقين في لغة واحدة إلى جانب اللغة الأم سنجد أنفسنا أمام قناعة أن الأصل هو عدم حشر الذهن بكل هذا الركام من الاستعمالات اللغوية لأن النتيجة واضحة . فكيف يمكن لطفل يتكلم الأمازيغية أو الدارجة في بيته يتعلم العربية والفرنسية في السنة الأولى من الابتدائي وتليها مباشرة الإنجليزية أو غيرها . وكأننا أمام جهاز تحزين آلي وليس أمام قدرة إدراكية بشرية . لذلك أصررت في البداية الإشارة إلى ضرورة خضوع كل السياسات اللغوية إلى دراسة علمية جادة من قبل أهل التخصص وليس إلى مزايدة إيديولوجية . فليس المطلوب هو الرهان على الدفاع عن انتماء معين وإنما البحث عن الأصلح للمتعلم المغربي الذي نريد منها قيادة وطن بأكمله . هناك ملاحظة مثيرة للانتباه، ذلك أن الطالب المغربي الذي درس بالفرنسية منذ الابتدائي يفترض فيها أن يكون قد تحكم فيها جيدا، غير أن الواقع على خلاف ذلك، في حين نجد طالب أمريكي مثلا يستطيع التحكم في اللغة العربية خلال سنة فقط، ويستطيع أن يتابع دراسته العليا بها بشكل فعال، بناء على هذا، أين يكمن الإشكال في نظرك؟ الأمر ببساطة أن الإشكال يتعلق بالتكديس اللغوي في المراحل الأولى من التدريس مما لا يمكن أي أحد من تطوير ملكاته اللغوية . إضافة إلى أننا نستبعد من اعتبارنا دوما أمرا هاما هو : ميولات الطالب الفعلية . فكل ما نقدمه من مواد ومقررات دراسية هي قناعات مبدئية في تصورنا تهمش القدرات العلمية والإدراكية لدى الطالب وحاجته إلى استعمالات لغوية معينة . فكيف يمكن للطالب أن يتقن لغة هو يتضايق منها ومن ملقنيها ؟ ولذلك اقترحنا فيما سبق أن يكون تعليم بعض اللغات ومنها الأمازيغية خارج نطاق التدريس وفي فضاء خاص أو معهد للغات وفق الحاجة العلمية والجهوية للطالب أو المتلقي . كما أن البرامج الدراسية التي تقدم اللغات بحمولتها الثقافية والحضارية من خلال أمثلة وحكايات غريبة عن الواقع المغربي تضيق هامش الاستفادة وتجعل اللغة ملتصقة بمجالها التداولي . فما يفيد ابن البادية المغربية أن يعرف القصص التي يشار إليها بالرموز الحضارية الفرنسية أو الإنجليزية وهو لا يعرف كيف ينطق الأبجدية؟. هذا يعني أن اللغة التي يراد تلقينها له مفارقة لواقعه مما يخلق لديه نفورا مبدئيا منها ومن مجالها التواصلي . هل تعتقد أن تدريس العربية لا تعاني بدورها من مشاكل، خاصة على مستوى المضامين ونوعية النصوص والقواعد وبطرق التدريس؟ لا يمكن القفز على الواقع والزعم بأن تدريس العربية مثالي ويعيش أزهى أيامه. فمنافسة اللغات الدخيلة والعجز الذي تعانيه الأمة حضاريا وضعف المقررات الدراسية منهجيا وغياب تخطيط لغوي سليم ومختص...كل هذه عقبات توصيفية لواقع لغوي عربي. لذا دعونا غير ما مرة إلى ضرورة إشراك المختصين من اللسانيين واللغويين في التخطيط الدراسي حتى تكون المواد المقدمة حاملة لدرجة كبرى من الجودة والإتقان. فالمواضيع المقررة والنصوص ومناهج التدريس المتغير باستمرار إضافة إلى ضعف التكوين المستمر للأساتذة... كلها تنعكس على جودة تعليم العربية. ويمكن أن نشير كذلك إلى عامل حاسم يضعف ليس فقط تعليم العربية وإنما التعليم بأكمله هو تغير مناهج التدريس بشكل مطرد. فلا يستقر برنامج دراسي حتى نجد أنفسنا مضطرين إلى تغيير البرنامج بأكمله، بله المناهج التعليمية بأكملها. فمن الأهداف إلى الكفايات لم تتغير الأطر الدراسية ولا أساليب التلقين . بناء على ما سبق، ما هي الأسس التي تقترحها لإقرار سياسة لغوية متوازنة؟ وما الذي يحتاج إليه المغرب لكي ينصف لغته؟ هناك العديد من المقترحات التي يمكن تقديمها في هذا المجال نعتقد أن من أهمها الحرص على لغة الهوية العربية باعتبارها لغة التدريس الأولى لكل العلوم والمعارف خاصة في المراحل العمرية الأولى باعتبارها المراحل الأساسية في خلق كفاية لغوية تواصلية. ويبقى تعليم اللغات الأخرى ضروريا لكن في مراحل ليست متقدمة. فاللغات الأجنبية يمكن تدريسها كلغات وليست كحاملات للمعارف. فما الذي يضير العلوم التقنية والدقيقة أن تدرس بالعربية حتى في مستوياتها العليا؟ وقد أثبتت التجارب المعمول بها في العديد من الدول العربية ذلك حيث يكون الطالب المتخرج متقنا لعلوم تخصصه إضافة إلى عناصر هويته التراثية. وهذا ممكن وأثبتنا من خلال دراسات علمية قطاعية على ذلك. ويمكن لأكاديمية اللغة العربية ـ التي وعدنا بها ولا زالت لم تر النور لحد الساعة ـ أن تقوم بالتحضير العلمي لذلك . حاوره اسماعيل حمودي تقرير المجلس الأعلى للتعليم يؤكد 50 %فقط من التلاميذ المغاربة يكتبون ويقرأون باللغة العربية كشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتعليم أن نسبة مهمة من التلاميذ المغاربة لا تتقن اللغة العربية، وتجد صعوبة في فهمها والتعبير بها، كما أنهم لا يتحكمون في اللغات الأجنبية. وأكد التقرير، فيما يخص تدريس اللغات، أنه على الرغم من كون المتعلمين والمكتمدرسين من الساكنة (10 سنوات فأكثر) تلقوا تعليما في اللغة العربية ولغة أجنبية على الأقل، فإن 50% فقط منهم يعتبرون أنهم يقرأون ويكتبون باللغة العربية وبلغة أجنبية، الفرنسية أساسا. مشيرا إلى نتائج الإحصاء الوطني لسنة ,2004 فإن 9% منهم فقد يقدرون أنهم يستعملون أكثر من لغتين، كما أن الانفتاح على اللغات الدولية الأولى، الانجليزية والاسبانية، ما يزال ضعيفا. وتحدث التقرير عن ما أسماه إشكالة الأمن اللغوي، ووصفه بكونه بات يشكل إحدى النقائص الأكثر حدة على مستوى التحصيل البيداغوجي، لكونها لا تؤثر على المدرسة فحسب، بل وعلى المحيط المهني والاجتماعي، وهو أمر اعتبره التقرير مقلقا بالنظر إلى كون إتقان اللغات يمثل عاملا حاسما في الارتقاء الدراسي للتلميذ وفي مسار حياته. وأوضح المصدر أن التباين بين مستوى التلاميذ، حاصل بالرغم من الغلاف الزمني المخصص لتدريس اللغات، إذ من المفروض أن يكون التلاميذ قد تلقوا، في نهاية التعليم الإلزامي ما يناهز 3800 ساعة تدريس باللغة العربية، وكذا 5000 ساعة في نهاية التعليم الثانوي التأهيلي، وهو غلاف زمني يعتبره الخبراء كاف لإتقان استعمال لغة، على حدّ قول التقرير. ولا يقتصر الأمر على اللغات، بل يتعداها إلى غيرها، ذلك أن هؤلاء التلاميذ يعانون أيضا من نقص في المعارف والكفايات الأساسية (قراءة، كتابة، حساب، لغات) وحسب دراسات دولية أشار إليها المصدر، في مجال الرياضيات والعلوم سنة ,2003 وأخرى في مجال القراءة المدرسية سنتي 2001 و,2006 كشفت عن ضعف كبير في مستوى التلميذ المغربي، مقارنة بمستوى تلاميذ خمسين دولة شملتها تلك الدراسات. وفي تفسيره للأسباب الكامنة وراء هذه الوضعية، أرجعها التقرير إلى التنوع اللغوي الذي يعيشه التلاميذ المغاربة، وذلك لأنهم مجبرون على التعامل مع عوالم لغوية متعدد، اللغات الأم، لغات الدراسة، لغات الاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا، إضافة إلى عوامل أخرى، تجد تفسيرها في ضعف نجاعة طرائق تدريس اللغات، وفي محدودية استعمال اللغة العربية خارج الفصل الدراسي وبعض الأنشطة المدرسية.أما الانعكاسات فهي متعددة، سواء على مستوى العلاقة بسوق الشغل، أو على مستوى القدرة التنافسية للطالب المغربي مع غيره، فبالنسبة للمستوى الأول، يعتبر المشغلون أن عدم إتقان اللغات يمثل أحد مكامن ضعف مؤهلات المترشحين لمناصب الشغل، كما أنه يشكل عقبة أمام الإدماج المهني للخريجين، لأن معظم فرص الشغل في القطاع الخاص، تتطلب إتقان اللغة العربية ولغة أجنبية واحدة على الأقل. ولأن إتقان اللغات الأجنبية يعد معيارا للانتقاء، من أجل ولوج الشغل في القطاع المهيكل، وهذا يعني حسب التقرير أن عد إتقانها يكون لحساب أولئك المنحدرين من أوساط ميسورة. أما المستوى الثاني، فإن ضعف التحكم في اللغات، يقلص من حظوظ الشباب المغربي في متابعة دراستهم أو مسارهم المهني بالخارج ذلك أن المتعلم المغربي الذي يواجه إشكالية الأمن اللغوي، تتقلص قدراته التنافسية، مقارنة بأمثاله في الدول التي لا تعرف التذبذب أو النقص في تعلم اللغة الوطنية واللغات الأجنبية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.