لقد خيم الإحباط وخيبة الأمل على عدد من الأوساط الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية٬ حيث وصل برنامج حل الدولتين الذي روجت له إدارة الرئيس الديمقراطي أوباما إلى الباب المسدود٬ وذلك بعد فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة رئس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو بأغلبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي. كما أن خطاب التنصل من كافة الالتزامات المتعلقة بالتسوية السياسية للقضية الفلسطينية في تصاعد مستمر٬ حيث ارتفعت وثيرة الخطاب السياسي والديني الصهيوني واليميني الداعي لوأد عملية السلام وحرمان الفلسطينيين من كافة حقوقهم التاريخية المشروعة. فمن المعلوم أن جل الأحزاب الإسرائيلية، ترى بأن العرب يخضعون بالقوة فقط، ولذلك فكل حزب أو تيار سياسي يريد أن يحقق نتائج سياسية وشعبية وحضورا أكبر في البرلمان والحكومة، لا يتوانى في سفك الدم الفلسطيني وجعله وقودا لمعاركه الانتخابية والسياسية - وما الحروب على غزة عنا ببعيد - عبر ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر المنافية لأبسط حقوق الإنسان وتوسيع دائرة القمع والإذلال والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني. غير أن معظم المهتمين بالشأن السياسي في منطقة الشرق الأوسط لم يتفاجئوا كثيرا ببنية وتركيبة الكنيست الإسرائيلي الجديد٬ بل يعتبرون هذا الواقع المستجد بمثابة امتداد طبيعي لسيرورة التنشئة السياسية التي تم تكريسها وتثبيتها داخل فضاءات المجتمع الإسرائيلي. حيث تنطلق هذه التنشئة من مسلمة أساسية مفادها٬ نشر وبث جذور العداء المقدس ضد العرب والفلسطينيين بالخصوص عبر استثمار كل الإرث الديني و الإيديولوجي المتطرف للجماعات اليهودية الدينية والصهيونية٬ ثم العمل على ترويج منظومة متكاملة من الأكاذيب والأساطير والافتراءات الموجهة ضد العرب داخل الأوساط التعليمية والثقافية والأكاديمية الإسرائيلية. هناك مسألة بالغة الحساسية في المعادلة الانتخابية الإسرائيلية وتتمثل في اللعب على وتر الأمن الإسرائيلي وامتداداته الجيوسياسية. فكتلة اليمين بتياراته المختلفة توظف هذه الورقة توظيفا قذرا تدغدغ به مشاعر الناخب الإسرائيلي وتجعله يردد أهازيجها ويرقص على أنغام و قذارة موسيقاها. والحقيقة أن تيارات اليمين الإسرائيلي هي من تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وتخلط أوراقها الجيوسياسية٬ وذلك بسياساتها العنصرية والتحريضية٬ ناهيك عن تجويع الشعب الفلسطيني – حصار غزة منذ سنين- واستفزاز مقدساته في إطار عملية ممنهجة تهدف لإقبار القضية الفلسطينية وتنحيتها عن مسار التاريخ الإنساني. لكن رب ضارة نافعة فقد تكون إعادة انتخاب الزعيم الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتانياهو بداية الغيث. اليوم العالم بكل أطيافه أصبح متيقنا من أن دولة إسرائيل لا تريد السلام ولا تسعى إليه٬ بل إنها تتلذذ بسفك دماء الشعب الفلسطيني وهضم كل حقوقه المشروعة في اعتداء سافر ومتعمد على كل المواثيق الدولية والمعايير الأخلاقية الكونية.
أعتقد بأنه آن الأوان لكل الحساسيات الفكرية والسياسية الفلسطينية٬ أن تعيد النظر في استراتيجيات مقاومة الاحتلال والسعي وراء إقامة الدولة الفلسطينية خاصة مع فشل مسلسل التسوية ورحلة عملية السلام التي بدأت بمفاوضات مدريد. وذلك عبر نبذ كل الخلافات والصراعات الضيقة والعمل في كتلة وطنية واحدة متعددة الأبعاد وتجنب السقوط في فخ أكلت يوم أكل الثور الأبيض. كما ينبغي توحيد الجهود العربية لخوض حرب سياسية ودبلوماسية لنصرة القضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل للرضوخ لمقررات الأمم المتحدة٬ فمن غير المعقول أن لا تستثمر الدول العربية ثقلها الاستراتيجي والاقتصادي لخدمة قضاياها الوطنية والقومية. رضوان قطبي