الإعلام ذ.محمد زمران بكل مكوناته يعد المرآة التي تعكس كل كبيرة وصغيرة .. وهو بالدرجة الأولى من يتحتم عليه أن ينور الرأي العام الوطني قبل العالمي، ويغطي جميع الأحداث في الوقت المناسب، خاصة في عصر الثورة الإعلامية التي نعيشها، ونظرا إلى ما عرفه من تحول، بحيث أصبح أداة نقل مباشر للحدث، بالصوت والصورة وبالزمان والمكان الذي تجري فيهما الأحداث، بما فيها أشد الحروب أوالكوارث هولا، أو القضايا التي تشغل المجتمعات البشرية، بمختلف تنوعاتها، الأمر الذي أعطى للإعلام قوة حضور، وقدرة على تشكيل الرأي العام .. ولا يجادل عاقل في أن قناتينا (الأولى والثانية) على حد السواء، من واجبهما أن تعملا بهذا المنطق، بل ومن أولويات مهمتيهما المهنية أن تخبرا المواطنين - الذين يدفعون المقابل- بكل ما استجد من حولهم في لحظة وقوعه، وأن تحترما في نفس الوقت مشاعرهم، وتكونا لهم بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .. وان ما جعلني أستهل كلمتي بهذه المقدمة، هو أسلوب الإهمال واللامبالاة الذي تعاملت به تلفزتينا مع الأحداث المفجعة التي وقعت مؤخرا قرب مدينة كلميم، والمتمثلة في سقوط الطائرة العسكرية (C 130) هذه الفاجعة التي أدمت قلوب كافة أفراد المجتمع المغربي، كما روعت الجميع، سواء في الداخل أوالخارج، و بخاصة أفراد أسرة القوات المسلحة الملكية، الذين عاشوا الحدث لحظة بلحظة، بحيث كان مصير العشرات من الضباط وضباط الصف والجنود، الموت حرقا بالنيران التي اندلعت في الطائرة التي كانت تؤمن الرحلة من الداخلة إلى مدينة القنيطرة، وكان على متنها 81 شخصا ينتمون لصفوف القوات المسلحة الملكية، من ضمنهم 8 مدنيين. واني ماكنت لأدلي بدلوي في هذا الموضوع، ( المأساة المتمثلة في الموت الجماعي ) رغم أن العديد من الأقلام قد تناولته، لولا الفعل الذي أقدمت عليه القناتين التلفزيتين ( الأولى والثانية) على حد السواء .. فالكارثة حلت صباح الثلاثاء كما هو معلوم، الأمر الذي كان يفرض على القناتين المذكورتين برمجة برامج تحليلية للواقعة، تعمل على محاولة تهدأة النفوس المفجوعة من أهالي الضحايا، لكن المسؤولين لم يعيروا هذا الجانب أي اعتبار، وابقوا على تنفيذ البرامج التي تم تخطيطها من قبل والمتضمنة لمسلسلات (الخردة) الميكسيكية، ولم يقع أي تغيير في شبكة البرامج وكأن شيئا لم يحدث .. وكأن بلادنا لم تفجع من هول المحرقة الكبرى التي ما سبق أن شهد تاريخ المغرب مثلها أبدا، واكتفى شرطي الكلام (الوصي على الجهازين) بالتفرج من بعيد دون التدخل للنهي عن المنكر الذي أصاب الناس .. حقا، مثل هذه الظاهرة تضعنا أمام تساؤلات مهمة، منها على سبيل المثال، هل نحن كمواطنين نعيش في بلد يدين دين الإسلام الحنيف، هل يحق لنا أن نساهم بسكوتنا ومباركتنا في مسخ الثقافات القومية، وتذويب الهويات الوطنية ..؟! وما أحزنني فعلا، أنه في الوقت الذي لم يبق للمغاربة، إلا التعبيرعن هول الخطب الجلل و المصاب العظيم، لم يكترت مسؤولو إعلامنا العمومي مرة أخرى، وعملوا على برمجة سهرة عرس "لالاهم لعروسة" ليلة الجمعة ( 29 يوليوز 2011 ) الموالية ليوم المصاب الجلل، التي بثتها القناة الأولى، وما اللوحات الراقصة المؤدات من طرف راقصات شبه عاريات، التي تخللت السهرة المعلومة، إلا دعوة صريحة لنشر مفاتن الحضارة الغربية المتعفنة، والتقليد المذموم والانبهار الأعمى الذي لا يمت بصلة لقطعيات النصوص الإيمانية التي تدعو بكل حزم ووضوح إلى الاحترام والاحتشام والستر والحياء، ولم تفت الفرصة قناة عين السبع التي عملت هي الأخرى ليلة السبت الموالي على إعادة اللحظات الساخنة –حسب رأي أصحابها- من استوديو (M2) وقد جمعت كل المتفننين في رقص (الدرديك) وكأن مسؤولينا (حفظهم الله) ليس لهم علم بما يدور على أرض الوطن، ويريدون بذلك القول:" القافلة تسير و(......) الفاهم يفهم"، وذلك بدل مشاركة عائلات الضحايا خطبهم، كما تحث على ذلك كل أعراف وتقاليد المغاربة التي تدعو إلى التضامن والتآزر، ومن سيئات هذا الفعل الشنيع الذي قامت به القناة الأولى أنه يأتي مباشرة بعد انتهاء مدة الحداد، الذي دعا إليه ملك البلاد، ولم أدر ماذا كانت ستخسر قناتنا (الموقرة) لو تم تأخير برنامج عرسها أياما أخرى، حتى تهدأ نفوس الأسر المكلومة على الأقل، وإذا كان حادث مثل هذا يستدعي التحام كل المسلمين للتضامن مع أسر شهداء الواجب الوطني ومواساتهم، واحترام رجال كانوا قيد حياتهم مثالا للالتزام والصدق والأمانة وأداء الواجب العسكرى، فقد كان من الإنصاف التعبيرعن وقوفنا جميعا وقفة رجل واحد، لكن المفاجأة التى أدهشت الجميع هي أن هذا ما لم يعبر عنه الإعلام المذكور، في شخص التلفزيون المغربي الذي يعد قناة التواصل الدائمة المحركة للانتقال الديمقراطي، في حين عبر عنه أناس من عقائد أخرى، وتجلى ذلك في قيام مجلس الطوائف اليهودية في المغرب بصلوات على أرواح ضحايا الطائرة، ( ياللعجب ..! ). ومن موقعي كصحفي، وكانسان ومواطن مغربي قبل كل شيء، -ومن باب أضعف الإيمان-، أجدني مضطرا إلى دعوة المواطنين المغاربة إلى إلغاء دفع الضريبة المخصصة لتمويل القناتين، ما دامتا لا تحترمان مشاعرهم ولا تشاركهم همومهم وأحزانهم، ولاتهتمان بخدمة الوطن والمواطنين التي هي جزء من الواجب الديني والوطني، الراسخ في هوية المغرب وأساسياته الأخلاقية وأعرافه الإسلامية والقومية، وهذا عنصر أساسي يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى توقيف تمويل القناتين من جيوب المواطنين إلى أجل لاحق. ولا يسعني في مثل هذا الموقف إلا أن أتقدم إلى السدة العالية بالله، جلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة، بتعازي الحارة، وإلى أسرة القوات المسلحة الملكية، الساهرة على أمن واسقرار بلادنا، وإلى ذوي جميع الضحايا الذين لقوا حتفهم في الحادث، وأسأل الله جلت قدرته أن يتغمد الهالكين بواسع رحمته وأن يعوض ذويهم خيراً، وأن يلهمهم الصبر والسلوان انه سميع مجيب. وإنا لله وإنا إليه راجعون