بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يصادف العاشر من أكتوبر من كل سنة، وتحت إشراف وزارة الصحة ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، نظمت جمعية آفاق لللصحة النفسية، وبشراكة مع كل من مجلس جهة الدارالبيضاء،جمعية أملي،الجمعية المغربية لمستعملي الطب النفسي، المركز المغربي لحقوق الإنسان، أصدقاء المركز الصحي الجامعي ابن رشد، مستشفى الشيخ خليفة ابن زايد، جمعية شمس، جمعية يوما دراسيا، تحت شعار : الوصمة الاجتماعية للمرض النفسي…، لنكسر حاجز الصمت… ولنعرف المرض النفسي، وذلك بقاعة ثرية السقاط بالدارالبيضاء. وقد عرف اللقاء مساهمة ثلاثة متدخلين، البروفيسور ادريس موسوي، كبير الاختصاصيين في الطب النفسي مدير مركز الطب النفسي الجامعي ابن رشد، والدكتور جواد مبروكي، اختصاصي في الطب النفسي بمدينة الدارالبيضاء، والأستاذ عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، كما تخلل اللقاء عروضا مسرحية وفنية راقية، أبدعها بعض مستعملي الطب النفسي، فضلا عن عرض من فن الشعر الشفهي،وعرض موسيقي قدمه طلاب كلية الطب بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء… وقد أجمع المتدخلون على الأهمية التي ينبغي أن توليها الحكومة المغربية للصحة النفسية للمغاربة، في ظل تنامي عدد المصابين بالمرض النفسي والعقلي، واتخاذ التدابير الاحترازية، وكذا الاستشفائية والإكلينيية اللازمة، كما نوهوا بتصريح السيد وزير الصحة، الذي أكد على الأولوية الخاصة للصحة النفسية للمغاربة في برامج الوزارة. حيث صرح البروفيسور ادريس موسوي، في معرض تدخله على الجهود الجبارة، التي بذلها الأطباء النفسانيين المغاربة، منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، من أجل الارتقاء بالمؤسسات العلاجية الوطنية، رغم التحديات الجمة التي تواجههم، وعدم اكتراث الحكومات السالفة بهذا الجانب الحيوي في حياة المواطنين، كما صرح بأن كل أسرة مغربية، يوجد فيها شخص على الأقل، يعاني من مرض نفسي، وبالتالي، وجب على الأسر المغربية الإلمام بقواعد التعامل مع المريض نفسيا وإيلائه العناية والحرص اللازمين، وإخضاعه لحصص العلاج واحترام مواعيد تناول أدويته، لكون العملية العلاجية تستدعي تظافر جهود كافة الأطراف، وليس فقط الطبيب النفساني والمؤسسة الاستشفائية، مع ضرورة تحسيس الأسر المغربية بتقنيات التواصل مع المرضى النفسانيين، حتى يكونوا جزءا من العملية الاستشفائية، لكون مساعدة الأهل جزء محوري في شفاء المريض النفسي. من ناحيته، أكد الدكتورجواد مبروكي على أهمية الاهتمام بالمرأة المصابة بالمرض النفسي، لكونه، بناء على تجربته الميدانية، لاحظ كيف أن المرأة حين يصاب زوجها بمرض ما، تحيطه بكامل العناية والحرص والدعم، في حين، لما تصاب المرأة بالمرض، خاصة المرض النفسي، لا يهتم الزوج لحالها، وربما قد يسعى إلى التخلص منها، وهذا يعتبر من أشد أنواع الظلم، الذي تعاني منه المرأة المغربية، كما أكد على أهمية الاعتناء بمجال الطب النفسي، لما له من أهمية في حياة المجتمع المغربي. من جهته، أكد الأستاذ عبد الإله الخضري على الدور الكبير الذي يحمله على عاتقه الطبيب النفسي، في ظل التزايد المضطرد لحالات المرض النفسي والعقلي في المغرب، كما أوضح على أن المغرب يعاني من ضعف البنيات التحتية وضعف الموارد البشرية، المتعلقة بالطب النفسي والعقلي، حيث حذر من ظاهرة التفاقم، التي تصيب المرضى النفسيين، في حالة عدم إخضاعهم للعلاج، مما يتسبب في تطور الأمراض، خاصة في صفوف الشباب، ويدفع الكثير منهم إلى الإقدام على الانتحار، أو ارتكاب جرائم، تزهق بسببها أرواح مواطنين أبرياء، وقد أكد من ناحية أخرى على الوضع الأشد ترديا ومعاناة للمرضى النفسانيين في المناطق النائية، التي لا تتوفر على بنية صحية خاصة بالأمراض النفسية، سواء مستشفيات أو مراكزللعلاج النفسي، مما يساهم فيازدهار طقوس الشعودة والأساطير الخرافية، في ظل انتشار الأمية، وخاصة الأمية الصحية والنفسية في صفوف المواطنين، وهو ما يتسبب في تطور الوضعية النفسية والعقلية للعديد من المواطنين إلى الأسوأ، مما يستدعي وضع سياسة عمومية فعالة لمواجهة ظاهرة المرض النفسي، التي أصبحت مستشرية في المجتمع المغربي، بسبب الضغوطات اليومية، التي يتعرض لها المواطن، سواء بسبب بحثه المضني على لقمة العيش، أو في مجال عمله، أو داخل الأسر، علما ان آخر الإحصائيات، التي جرت في سنة 2008، تشير إلى أن نصف المغاربة يعانون من أحد أشكال الأمراض النفسية، وقد تكون نتائج أي إحصاء حديث أسوأ بكثير، مما يستدعي دق ناوقس الخطر حول آفة الأمراض النفسية والعقلية في صفوف المغاربة، وهو ما يستوجب دق ناقوس الخطر، ويدفع إلى الاعتراف بأن أي مشروع تنموي لا يأخذ بعين الاعتبار التصدي لظاهرة الأمراض النفسية كمن يصب الماء في الرمل. وعلى ضوء النقاشات التي فتحت بين المتدخلين والحضور، تقرر الخروج بالتوصيات التالية : * ضرورة أن تتحمل الحكومة المغربية مسؤوليتها في وضع سياسة عمومية مندمجة، من شانها إشراك كافة الفاعلين في مجال الطب النفسي والعقلي، وكذا فعاليات المجتمع المدني، بغاية الاعتناء بالصحة النفسية للمغاربة، واستهداف المناطق التي تعاني خصاصا مهولا في هذا المجال… * القيام بدراسة علميةللصحة النفسية للمغاربة، بما يمكن من الاطلاع على مستجدات الواقع وتقييم التحديات التي يواجهها المرضى النفسيين وعوائلهم، بغاية وضع خارطة طريق من شأنها تخفيض نسبة المصابين بالمرض النفسي. * دعم تخصص الطب النفسي في صفوف طلبة الطب، لسد الخصاص المهول في الكادر الطبي، ومضاعفة الاستثمار في مجال الطب النفسي. * الاشتغال بمقاربة نسقية، من خلال : o إحداث نواة مشتركة بين مختلف تخصصات الطب النفسي (Psychologue, Psychothérapeute, Art thérapeutes) o تأمين دورات للتكوين المستمر لفائدة الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى المساعدين المعالجين والمرافقين المساعدين (pair aidant)، حول الأمراض النفسية والعقلية. o تأمين نقل المرضى النفسيين بوسائل نقل مناسبة ومتخصصة. * ضرورة إعادة النظر في مشروع القانون المنظم لقطاع الصحة النفسية، المعروض على مجلس النواب حاليا، نظرا للنواقص الجوهرية التي تعتريه، مما يجعله لا يخدم مصلحة المريض النفسي إطلاقا، ويقيد حرية الطبيب النفسي في وضع الوصف العلاجي المناسب لفائدة المريض، حيث يبدو أنه مجرد قوانين زجرية وعقابية لا غير، قد تفاقم ظاهرة العزوف عن التخصص في هذا المجال، كما أنه لا يشير إلى حماية حقوق المرضى النفسيين، ولم يتطرق إلى المرضى الأطفال والمسنين، كما أغفل نظام الاستشفاء المنزلي، وكذا مقاربة النوع، من أجل العناية بالصحة النفسية للمرأة المغربية، فضلا عن عدم إدراجه لقواعد التغطية الاجتماعية في هذا المجال. * إحداث وحدات متنقلة للأطباء النفسيين، تضم أطباء نفسيين والمرافقين المساعدين (pair aidant)، بهدف سد الخصاص، خاصة في المناطق النائية، وإحداث نظام التواصل الطبي عن بعد، عبر استخدام وسائل التواصل التكنولوجي الحديثة. * إشراك مختلف الأطراف والمتدخلين في قطاع الصحة النفسية، بما يمكن من الإلمام بكافة الجوانب المرتبكة به،واتخاذ التدابير الاحترازيةوالأجرائية اللازمة، للحد من الأمراض النفسية والعقلية، والتصدي لها، وتقديم يد المساعدة الجماعية، مؤسساتيا وقانونيا واجتماعيا للمرضى النفسانيين والعقليين، خاصة في الوسط القروي وفي المناطق المهمشة، وكذا بين الفئات ذات الدخل المحدود وتحت خط الفقر. * كما ثمن اللقاء مبادرة إحداث مركز الطب النفسي والاجتماعي بالدارالبيضاء، بشراكة بين وزارة الصحة ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، والذي تكلفت الدكتور نادية مشتاق بالإشراف على إدارته،فضلا عن اعتزام الحكومة المغربيةبتعميم هذا النموذج على باقي المدن المغربية، من أجل دعم أكبر عدد ممكن من المرضى النفسيين، وتخفيف العبئ المادي والنفسي على العوائل المغربية.