بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد تحرير بويا عمر .. الحمق يلقي بظلاله على المدن المغربية والصحة النفسية شبه منعدمة في المغرب العميق

تفاجأ المواطنون في العديد من المدن المغربية ، خلال الأسابيع الأخيرة، بأفواج جديدة من الحمقى والمتسولين من الجنسين تغزو أهم الشوارع بشكل لافت للنظر. وقال العديد منهم، إن هذه الظاهرة تفاقمت بشكل كبير منذ بداية شهر رمضان والموسم الصيفي، في الوقت الذي كانت فيه المدينة تستعد لاستقبال ضيوفها، سواء منهم الوافدون إليها من خارج المغرب أو القاطنون بالداخل.
ووصف المواطنون معاناتهم مع المعتوهين ب" المريرة " بالنظر إلى حجم الأخطار والتهديدات التي أصبحت تحاصرهم في كل مكان، جراء وجودهم جنبا إلى جنب معهم في الشوارع والطرقات، والخطورة التي يشكلها هؤلاء على أمنهم وسلامتهم. حيث يجوب المختلون عقليا الشوارع ، يحمل بعضهم عصيا وهراوات، مما ينتج عنه إزعاج المواطنين و ضيوف المدن، دون إلقاء القبض عليهم.
وما يثير الاستغراب بالنسبة إلى مختلف المصالح بالمدن، أن المختلين عقليا تزايد عددهم في الآونة الأخيرة، وخلال تجولهم بين شوارع المدينة، تصدر منهم سلوكات تثير اشمئزاز المارة مثل الكشف عن عوراتهم والتبول في الطرقات أو إزعاج مرتادي المقاهي عند الأرصفة.
يبدو أن قرار إغلاق ضريح "بويا عمر" ألقى بظلاله على العديد من المدن المغربية ،ففي ظاهرة أثارت استغراب مجموعة من المواطنين وجمعيات المجتمع المدني ، الذين تفاجئوا بالارتفاع اللافت للانتباه للحمقى والمعتوهين والمختلين عقليا الذين يجوبون الشوارع والأزقة ،بالإضافة إلى أن تواجد أعداد كبيرة منهم أضحى يهدد الأمن والاستقرار الاجتماعيين, لأن أغلبهم يميلون للسلوك العنيف اتجاه المارة من النساء والأطفال دون تدخل من طرف السلطات المحلية للحد من هذه الظاهرة والوقوف على أسباب تزايدها ومخلفاتها . وقد اتخذ هؤلاء من البنايات المهجورة وأمام واجهات المقاهي والمطاعم الشعبية مأوى لهم ،حيث لوحظ مؤخرا ومنذ تم إغلاق ضريح بويا عمر وجوه جديدة لم تشاهد من قبل بحكم أن ساكنة مدينة الجديدة مثلا تعايشت ومنذ سنين مع حمقى ومعتوهين أصبحوا جزءا من المشهد اليومي للحياة الروتينية بالمدينة .
إلا أن الغريب في الأمر, أن بعض المختلين عقليا جعلوا من جنبات المباني وأبواب المؤسسات والإدارات العمومية مكانا آمنا لهم ،وحولوه إلى مطرح للنفايات وقضاء الحاجة تنبعث منه الروائح الكريهة وأعطوا صورة قاتمة على جمالية المدينة دون أن تطالهم يد من بيدهم الأمر الذي يبدو أن حالة ومنظر هؤلاء قد أراقهم وأعجبهم, الشيء الذي جعل هذه الفئة التي لها حقوق لا ينبغي المساس بها كالأخذ بيدهم والاعتناء بهم ولو من الجانب المعنوي ،على اعتبار أن مجموعة من الحالات تنقصها الرعاية الاجتماعية ،مما جعلها عرضة للإهمال والتشرد والضياع. وأمام هذه الظاهرة ووضعيتها المقلقة يهيب ساكنة المدن ومن بينها الجديدة بالمسؤولين المحليين أن يولوا اهتماما خاصا بالمختلين عقليا والحمقى، وذلك بإحالتهم على المراكز والمستشفيات المختصة, بدل القدف بهم الى المجهول رحمة بهم من جهة وحفاظا على راحة المواطنين وجمالية المدينة من جهة أخرى.
الصيف يصدر المعتوهين
الى المدن الشاطئية
بحلول فصل الصيف، تزايدت أكثر من أي وقت مضى، أعداد الحمقى والمعتوهين.. يجوبون الشوارع والأزقة في مشاهد تثير عطف وشفقة المارة، ومنهم من يثير اشمئزاز المواطنين ، إذ يبدون بلباس رث لا يحجب عوراتهم، وفيما يظهر آخرون في حالة عري تام تدفع المارة إلى تغيير وجهتهم، كما أن هناك فئة من أولئك المرضى، تغيرت ملامحهم من فرط الأوساخ العالقة بأجسادهم وثيابهم الرثة.إنهم مرضى نفسانيون ومصابون بخلل عقلي، علينا أن نعطف عليهم في الحقيقة، ونبحث عن حل لهم، لا أن ننظر لهم باشمئزاز كما يفعل الكثير منا.
هؤلاء المرضى يجوبون شوارع المدن طولا وعرضا، وأحيانا يشكلون خطرا على المارة، خاصة الذين تنتابهم حالات هستيرية بشكل فجائي، تجعلهم يتحولون إلى أشخاص عدوانيين، وقد يعتدون على كل من يصادفهم في طريقهم.
أغلب هؤلاء المرضى يلجؤون لقمامات الأزبال من أجل البحث عن بقايا أطعمة يسدون بها رمقهم، أو يلتجئون إلى أبواب المقاهي أو المطاعم طلبا لكسرة خبز وأحيانا يتعرضون للتنكيل أو الطرد من هذه الأماكن، مبيتهم عادة يكون العراء حيث يفترشون الأرض ويلتحفون السماء...
أين المسؤولون من كل هذا..؟؟ سؤال جاء على لسان أحد المواطنين وهو يرى إحدى الفتيات فقدت كل قدراتها العقلية وهي تتعرض لكل أنواع الاستفزاز من لدن صبية لا يدرون ما يفعلون..
هذه الفئة التي قدر عليها أن تعيش هكذا، وجب على الجهات المختصة العناية بها والتفكير مليا في انتشالهم من الوضعية المزرية، وجب على الجمعيات, خاصة تلك التي تطبل على طول السنة بحقوق الانسان، العمل على انتشال هؤلاء وإيداعهم المراكز الصحية الكفيلة بعلاجهم والتخفيف من معاناتهم المرضية
المغاربة في مواجهة أرقام مخيفة حول الصحة النفسية
الأرقام التي كشفت عنها الدراسات التي تهم الصحة النفسية للمغاربة تدعو إلى القلق، وتفرض البحث عن حلول حقيقية لكثير من الاختلالات.
تقول الدراسة إن 48.9 من المستجوبين يعانون نوعا من أعراض المرض النفسي مع تفاوت درجة الخطورة من شخص إلى آخر (رقم تم تعديله في ما بعد ليتراجع إلى 42 في المائة)، كما يصل عدد المغاربة ممن يعانون مرض الاكتئاب إلى 26 في المائة, أي حوالي أزيد من 10 ملايين مغربي يعانون جراء هذا المرض، ضمنهم 34,3 في المائة من النساء و20.4 من الرجال في حين يتمركز 31.2 في المائة من المصابين في الوسط الحضري مقابل 21.8 في الوسط القروي.
الدراسات كشف بعضها أيضا أن 5.6 في المائة من المستجوبين يعانون الأمراض الذهانية، و6.3 في المائة منهم يعانون مرضا آخر يسمى الرهاب الاجتماعي، و6.6 في المائة من المغاربة يعانون الوسواس القهري، و9 في المائة يعانون مرضا نفسيا يسمى «الخوف الداخلي العام». كما تشير الدراسة ذاتها إلى أن نسبة 1 إلى 2 في المائة من المغاربة يعانون مرض انفصام الشخصية أي بعملية بسيطة، يتراوح عدد المصابين به بين 300 و700 ألف مواطن وأن نسبة كبيرة من هؤلاء حالتهم خطيرة تستوجب خضوعهم للعلاج بسرعة قصوى كونها مرشحة للارتفاع نتيجة تزايد عدد المدمنين على المخدرات والأقراص المهلوسة خصوصا في أوساط الشباب..
وبالنظر إلى الأرقام التي يتم الكشف عنها بين الفينة والاخرى والتي لا تحتاج إلى تعليق يكون المغرب أمام مشكل حقيقي يهم الصحة النفسية لشرائح عريضة من مواطنيه، وهو رأي لا يخالفه عدد من المهتمين بقطاع الصحة النفسية
خصاص مهول في قطاع الصحة النفسية على كافة المستويات
تعاني العديد من المدن المغربية وضعا صعبا على الوحدات الصحية العامة فأحرى الوحدات الخاصة بالصحة النفسية ذلك أن الإحصائيات تُبين بجلاء، حجم العجز المسجل في الوحدات الاستشفائية الموجهة للمرضى النفسيين وحجم الخصاص في عدد الأسرة, بل يتعداه إلى نقص حاد في عدد الأطباء المختصين في الطب النفسي.
تقول الأرقام إن مجموع الأطباء المتخصصين في الطب النفسي لا يتعدى 450 طبيبا في أحسن الاحوال ويتوزع هذا الرقم على القطاع العام والقطاع الخاص مما يبين نقصا مهولا على مستوى الاطر الطبية أمام الرقم المهول الذي يتزايد يوما عن يوم جراء تعاطي المخدرات والقرقوبي إضافة الى الضغط النفسي والمشاكل الاجتماعية وهو الخصاص الذي يكمن في أن عدد الأطباء الذين كانوا يوجهون للتكوين في مجال الطب النفسي لم يكن يتعدى 15 طبيبا في السنة، قبل أن يرتفع العدد إلى 40 طبيبا، وهو الرقم الذي مازال بعيدا عن تحقيق الاكتفاء فيما يخص الصحة النفسية عند المغاربة الذين يعجز الكثير من مرضاهم الولوج الى العلاج
يضاف إلى ذلك ما يعرفه توزيع الأطباء المتخصصين على جهات المملكة من اختلالات كبيرة، إذ نجد أن المدن الكبرى وحدها تستفيد منهم، في الوقت الذي تستفيد مستشفيات من اكثر من 20 طبيبا نفسيا كالبيضاء والرباط ومراكش نجد مدن تعج بالحمقى والمرضى النفسيين كالجديدة لا يغطيها سوى طبيبة في القطاع العام وأربعة في الخاص خاصة وان الوزارة لم تعوض المحالين على التقاعد ولم تتعاقد مع اخرين أو هم انفسهم.
الخصاص يشمل أيضا عدد الأسِرة المخصصة للمرضى النفسيين في مجموع مستشفيات المملكة البالغة حوالي 20 مركزا ، إذ لا يتعدى 2200 سرير يمثل نصيب مدينة الدار البيضاء حصة الاسد في الوقت الذي تعرف مدن كبرى خصاصا مهولا في الاسرة مما يجعل العائلات تتخلص من مرضاها في الشارع العام لتزداد وضعيتهم تعقيدا ويزدادوا عدوانية .
وقد كان ضريح «بويا عمر»الذي يقع على بعد 30 كيلومترا عن مدينة قلعة السراغنة ولا يبعد سوى ب 3 كيلومترات عن قرية العطاوية على ضفاف نهر تسّاوت. يُعرف هذا المكان لدى المغاربة بأنه أكبر «مستشفى للأمراض العقلية»وذاع صيته ليتجاوز الحدود لأنه يضم أزيد من 1200 «نزيل»يلتمسون بركة الولي من أجل التداوي من حالات المس والجنون والخلل العقلي.
في هذا المكان، كان «النزلاء»، ممن استعصى على ذويهم علاجهم في مصحات العلاج النفسي أو لدى المتخصصين في الطب النفسي،يجدون ضالتهم مقابل مبالغ مالية يحددها سماسرة يتاجرون في كل شيء، بدءا من أسِرّة النوم إلى المواد الغذائية بل حتى في السلاسل التي تُستخدم لتكبيل المرضى أملا، وكما هو معتقد هناك، في تخليصهم من الجن الذي يلبسهم.
الجميع كان يعلم بأمر الضريح والممارسات اللاإنسانية التي تمارس في حق النزلاء، بدءا من أي مواطن عادي إلى أعلى مسؤول حكومي، لكن الجميع كان يقف عاجزا أمام الظاهرة، ويكتفي كثير من المسؤولين، الى التأسف الى ان اتخذ قرار فك هذا التجمع الاكبر من نوعه على الصعيد الوطني واحالة نرلائه على المستشفيات من اجل العلاج, الا ان لا شيء من ذلك قد حصل, امتلأت الشوارع بالحمقى وتخلت العائلات عن ابنائها ووجد الاطباء في المراكز العلاجية انفسهم في حالات تستعصي على الفهم في غياب وسائل العمل والادوية.
مسؤولية الدولة عن حمقاها
علما أن مسؤولية الدولة في جميع الأحوال قائمة بسبب الإهمال والتقصير في القيام بالوظائف المنوط بها على اعتبار أن مسؤولية حفظ الأمن العام, خاصة في حالة المشردين الذين لا يوجد من يشرف عليهم هي مسؤوليتها، وحينما نرى مجنونا مشردا يتجاهله رجل الأمن رغم أنه يلحق الأذى بالمارة وأملاك الغير, نكون أمام مسؤولية الدولة عن خطأ ارتكبه موظف عام.
علما أن المسؤولية يتحملها الجميع، فالوزارة لا تعطي الأدوية للمرضى النفسيين ذوي الحالات الخطرة مثل المصابين بانفصام الشخصية، علما أن ظهير سنة 1959 يمنح هؤلاء حق الحصول على الدواء بالمجان. علما أنه بسبب الضغط الشديد على عدد الأسِرّة في مركز طبي مثل مستشفى ابن رشد وحدث أن رفض طبيب أو مسؤول صحي استشفاء مريض أو الاحتفاظ به في المستشفى، واقدم هذا الشخص على قتل أحد، فمن يتحمل المسؤولية إذن؟ لا يمكن بحال تحميلها للطبيب المعالج لأنه سمح بخروجه، ولا للأسرة لأنها فعلت ما أمكنها فعله، وبالتالي فالدولة تتحمل المسؤولية رغم تحججها بأشياء اخرى وبالتالي فالطب النفسي ظل دائما بمثابة قطاع صحي غير مرتبط بقطاع الصحة العمومية لأنه لم يكن أبدا ضمن اولويات أو مخططات وزارات الصحة المتعاقبة، حيث انه بإمكان أي مصاب بمرض نفسي أن يعيش بشكل عادي لو توفرت له سبل العلاج وتم التكفل بحالته بالشكل المطلوب، بعيدا عن المقاربة الأمنية.
البروفسور الوردي الذي يشرف على قطاع الصحة العمومية مدعو اليوم وأكثر من أي وقت مضى الى الاهتمام بالصحة النفسية التي اضحت تعرف بعض الانفلاتات كجرائم قتل الاصول والفروع ,كما حدث في دوار القدامرة. ففي الوقت الذي كان الرأي العام ينتظر أن تنتقل وحدة خاصة في الصحة النفسية الى الدوار المذكور لتقديم العلاجات الى العديد من الاشخاص المصابين بالأزمات النفسية والامراض العقلية خاصة وان امر الجريمة اصبح واضحا ويتداخل فيه الاخلاقي بالشخصي, نجد تجار الانتخابات يوجهون القافلات الطبية الى الدوار المنكوب طامعين في اصوات ناخبيه كما أن وزير الصحة تفاعل مع سؤال ملغوم لبرلماني اضحى يحتل كل المواقع بتدخلاته المثيرة للاستغراب .
نسبة الاطباء الاخصائيين في المغرب تدعو للقلق مقارنة مع الغرب
تدعو وضعية البنيات التحتية لمستشفيات الأمراض العقلية والنفسية بالمغرب إلى القلق، بالنظر إلى الأعداد المتزايدة من المرضى النفسيين والمختلين عقليا، الذين لا يمكن حصر أعدادهم بدقة، بسبب تقاليد العار والخوف من المجتمع التي تسيج هذه الأنواع من الأمراض، وتضطر الأسر إلى «عزل» أبنائها وبناتها، بدل الزج بهم في المؤسسات الصحية، الأشبه بمعتقلات.
ولا توفر الدولة لآلاف المرضى، الذين يتجولون بيننا، سوى ألفي سرير على أكبر تقدير (إلى حدود الثمانينات كان مستشفى الرازي للأمراض النفسية ببرشيد يوفر أكثر من هذا العدد من الأسرة قبل أن يتقلص إلى 240 فقط)، وتوزع هذه الاسرة على المراكز الاستشفائية الجامعية الأربعة ب636 سريرا والمستشفيات العمومية بحوالي 725 سريرا، ومصالح العلاج النفسي بالمستشفيات ب549، وعدد آخر من الأسرة لا يزيد عن 70 بالنسبة إلى العلاجات الاستعجالية.
ويتوفر المغرب، الذي يزيد عدد سكانه عن 40 مليون نسمة، على 25 وحدة صحية متخصصة فقط، و80 وحدة للعلاجات اليومية، و5 مراكز للصحة النفسية للأطفال والمراهقين والشباب.
ويشتغل بهذه المراكز مجتمعة 160 طبيبا مختصا. وقد نشعر بالغبن، إذا علمنا أن مدينة إسبانية واحدة تتوفر على 1200 طبيب مختص في الأمراض النفسية والعقلية. وتتوفر جنيف السويسرية، مثلا، على 500 طبيب، ويوجد في فرنسا 13 ألف طبيب اختصاصي في الأمراض النفسية والعقلية ويبحثون عن سبل لرفع العدد. وإذا أخذنا فرنسا مقياسا، فالمغرب في حاجة إلى حوالي 7 آلاف طبيب، بما أن سكان فرنسا يبلغ عددهم ضعف سكان المغرب، والحال، أن البلد، تتوفر، اليوم، على نصف طبيب نفساني لكل ألف مواطن مغربي.
وانتبه الحسين الوردي، وزير الصحة، إلى هذه الوضعية الخطيرة، موصيا بجعل إصلاح القطاع وتحسين الولوج إليه والاهتمام بالمرضى وتأهيل الموارد البشرية والمالية واللوجيستيكية ضمن أولويات القطاع خلال عرضه مخطط العمل 2012/2016.
ومن بين الإجراءات الأساسية التي تدافع عنها الوزارة، محاربة الإقصاء والتمييز تجاه المصابين بالأمراض العقلية، والإعداد لوضع اللبنات الأساسية لبناء مصالح للطب النفسي في كل المستشفيات الجهوية (مصالح ذات طاقة استيعابية صغيرة بتدبير مرن ومؤنسن)، وتوفير الأدوية بشكل كاف لجميع المرضى داخل المستشفيات وخارجها، خاصة دواء «البسيكوتروب» الجيلين الثاني والثالث، بموازاة العمل على مراجعة قانون 1959.
وفي اعتقاد مسؤولي جمعية البلسم لآباء وأولياء وأصدقاء المرضى النفسيين بالمغرب، أن الوضعية لا تسجل أي تحسن وسط ارتفاع حالات المرضى واستقرار عدد الأسرة، أو تراجعه، مؤكدين أن المستشفيات العمومية شهدت رحيل حوالي 10 في المائة من الأطر النفسية المتخصصة بسبب المغادرة الطوعية، كما يعاني قلة عدد الأطباء النفسيين في المغرب، مقارنة بمليونين ونصف مريض، ونجد مثلا في الرباط عدد كاف من المختصين في معالجة الأطفال المرضى نفسيا.
وتوجد في كل دول العالم مقاربة لإخراج المرضى من المستشفيات وإعادة إدماجهم في المجتمع، بعد المرور بسلسلة من المؤسسات التي ترافق فترة العلاج عبر المصحات النفسية والعلاجات المنزلية والورشات المحمية، لأنه لو ظل محبوسا في البيت فإن وضعه سيتدهور أكثر ويصاب بنوبات حادة، مستنتجة أن القطاع الصحي العمومي للصحة العقلية في وضعية متدهورة، عكس المصحات الخاصة التي يقصدها الذين يتوفرون على إمكانيات مادية
على سبيل الختم
ويبقى ارتفاع تكلفة العلاج عائقا كبيرا أمام إكمال العلاج بالنسبة للمرضى النفسيين, شأنهم في ذلك شأن العديد من الأمراض التي تتطلب علاجا طويلا، حيث أن غياب تغطية صحية وغلاء الأدوية يدفع بالكثير من المرضى إلى مقاطعة العلاج وهو ما يؤدي إلى تطور المرض الذي لا يشكل خطرا وعائقا نفسانيا واجتماعيا للمريض فحسب بل كل المحيطين به.
يجب على الدولة معالجة مشكل ضعف التطبيب النفسي بالمصحات التابعة للمستشفيات، وتوفير هذه المصحات بالمناطق البعيدة التي تعرف شبه انعدام لما يسمى الطبيب النفسي، بالإضافة إلى معالجة مشكل ندرة الأطباء النفسيين الذين لا يتجاوز عددهم 400 بحسب إحدى الإحصائيات الرسمية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.