يحتضن المغرب ثروة رمزية قل نظيرها في العديد من البلدان، لكنها تظل غير مستثمرة بما فيه الكفاية، وهي تعدده الثقافي وتنوعه اللغوي ووفرة تعبيراته الفنية. المكون العربي الإسلامي بشقيه العالِم والشعبي، المكون الأمازيغي، المكون اليهودي، العمق الإفريقي الزنجي، آثار لغات وفكر الغرب المستعمر أو العابر... كلها عناوين بارزة لهذا التنوع والتعدد والوفرة، لكنها عناوين تبقى، في أغلب الحالات، سجينة الدراسات وبعض الملتقيات ومجرد أثاث لتنميق الخطابات حول الخصوصية والانفتاح، دون أن تتحول إلى قاطرة فعلية لترويج المغرب الحضاري والثقافي والفني، أو إلى سند لسياسات مبتكرة تجلب سواحا من تلك الطينة التي لا تبتغي الشمس والبحر فحسب، وإنما تسعى خلف سياحة ذات نكهة ثقافية وحضارية، ليس همها بطاقات البريد «الفولكلورية» بل اكتشاف عمق البلد المضيف وتمظهرات موروثه الحضاري. استثناءات قليلة (فاس، الصويرة...) تراهن على هذا المخزون الثقافي والفني، المتنوع والمنفتح، لتجعل منه جسرا لاستقطاب الآخر، غير أنها تقترف خطأ السقوط في شراك النخبوية والانغلاق على فئات محددة ومحدودة بشكل لا يرقى إلى ما يمكن وسمه بالسياحة الثقافية «الجماهيرية». في عهده، كان الراحل الحسن الثاني قد انتبه إلى هذه الثروة الرمزية، ليس مغربيا فقط، بل وعالميا أيضا، وهو ما جعله يقترح على فيديريكو مايور، الذي كان حينها مديرا عاما لليونسكو، اعتماد مفهوم «التراث الشفوي واللامادي للإنسانية» وإقناع الدول الأعضاء بتبنيه، ذلك المفهوم الذي تجسدت أولى نتائجه الملموسة، بعد إقراره، في الاعتراف بساحة جامع الفنا بمراكش كأول فضاء ثقافي مكون للتراث المعني، وذلك وفق ما ورد في كتاب «خياطو السلطان»، الصادر باللغة الفرنسية عن منشورات «مرسم»، لمؤلفه ألبير ساسون الذي كان شاهدا على الحدث بوصفه مديرا مساعدا للمنظمة الدولية إبان ذلك. واليوم، وبعد أن صنفت العديد من المعالم والفضاءات المغربية ضمن هذا التراث الإنساني (فاس، قصر آيت بن حدو، مكناس، تطوان، وليلي، الصويرة ومازاغان)، ألا يحق التساؤل عن مدى توظيفها كثروة رمزية لجلب الثروات المادية والمساهمة في عجلة التنمية؟ الجواب عن علامة الاستفهام هذه صادم، ملؤه عدم الاهتمام بما فيه الكفاية بغنى المغرب الحضاري وبتنوعه الثقافي، بثروته الرمزية التي يجب أن تصير رأسمالا حقيقيا يوظف لترويج البلاد وتسويقها كوجهة لا توفر «السياحة البليدة» فحسب، بل السفر في عمق تاريخ يكشف المعنى الملموس للتنوع والانفتاح والتعدد. ولعل إنشاء مراكز ثقافية مغربية في الخارج خطوة أولى ضرورية في هذا الأفق، ومعها اعتماد ديبلوماسية ثقافية تطوي صفحة مغرب الفولكلور «العجائبي» و«المشوي».