لنا يوم في السنة لكي نحتفل، وربما بقية الأيام الأخرى لنحدر، لنتهامس أو لنتخاصم على طول الأعمدة والمقالات. لنا يوم في السنة لكي نحتفل، بهذه الطريقة أو تلك أو نحتكم، إذا استطعنا إلى ذلك سبيلا إلى قواعد المهنة وإلى التنافس الحر، وإلى المعايير والمهنية، وننسى قليلا أننا تحت النيران أو أننا نطلقها. لنا يوم واحد في السنة لكي نحتفل و364 يوما لكي نتحقق وننجز ونقنع ونخلق قراء ونخلق عادات حسنة (حسنة أو سيئة)، ونخلق عداوات نعيش بها أياما قليلة ..! لنا يوم واحد لكي نحتفل والباقي من السنة لكي نشتغل. مع القراء ومع الجمهور أو ضد أنفسنا. في الصحافة، قد نعيش نفس الأحداث، ونفس الأشياء، ونفس العناوين، لكننا حتما لا نعيش نفس السنة، ولا نفس المهنة، ولا نفس المردود. وأحيانا كثيرة نتصرف كما لو أن المهنة نضجت وحان آوان قطاف ثمراتها، ونحن مازلنا نبحث لها عن الأرض الطيبة والأجواء المناسبة والبستاني الذي يليق، والمنسوب المائي المقبول، حتى لا نغرق أو تجف البذرات. نحن نحتفل هذه السنة، وقليل منا ينتظر ما ستفرزه نتائج لجنة التحكيم الخاصة بالجائزة الوطنية. ولا شك أنه حدث، حدث وطني يستحق الاهتمام، ومن دلالات ذلك أن الصحافيين يتبارزون ويقدمون مقترحاتهم (لمن استطاع ذلك أو راكم ما يستحق أن يدافع عنه .. أما فاقد الشيء فلا يستطيع شيئا)، ومن حسن الحظ أيضا أن الصحافيين يتصلون ويسألون عمن نال الجائزة، وهل تسرب خبر ما، وهم الذين اعتادوا أن يتلصصوا (إيجابا) على الأخبار الخاصة بالوزارات والأحزاب والمؤسسات والهيآت، ها هم يتلصصون على بعضهم البعض ويفكرون ويخمنون، وأحيانا يستعملون نفس الأسلوب الذي يستعملونه مع السياسيين لكي يتأكدوا من أخبار تليق بجائزتهم: - هل صحيح أن الجريدة الفلانية هي التي حصلت على الجائزة؟ - في الواقع لا أدري -وا خليك، گالوا لي بأنك كنت مع الرئيس يوم أمس. - لا، لم أره على الأقل منذ رمضان الماضي. -واش بصح ال.....هي التي أخذت الجائزة؟ وهكذا ذواليك من الاستجوابات التي تخص الجائزة. صحيح أن صحافتنا تستحق الجوائز التي تنالها، والصحافيون عندما يحققون ذلك، فهم يحتكمون إلى جرأة الموضوع، واحترام المهنية والمعايير والتوثيق ومصداقية الخبر والمعاينة الخ. وهم بذلك يحتكمون إلى ما هو مهني محض، لكي يدافعوا عن حقهم في التنصيب وفي التتويج. هذه المهنية التي يحتكمون إليها في البحث عن التكريم والتكريس هي نفسها التي يطالبهم بها الآخرون من سياسيينا وزعماء ودولة ومكونات ومواطنين عاديين.. يريدون أن يستفيدوا من تطور الصحافة في بلادهم، ويستفيدوا من موضوعيتها ومن التزامها وحرصها على التفوق. ونحن اليوم نحتفل، لابد من ربط المشاركة بسياقها. أمامنا على الأقل اليوم مبادرتان مهنيتان، تلك التي خرجت من رحم المهنة، وتقودها النقابة الوطنية والفدرالية الخاصة بالناشرين، وهو لقاء يؤكد دلالات عميقة، ويؤكد حرص مكونات المهنية على الفعل والانتقال إلى مستوى آخر من وجود الصحافة في بلادنا وترسيم الفجوة التي تتأسس اليوم بين الدولة والمهنة، أو بين «الصحافي والأمير»، كما كنا نقول في السبعينيات عن المعارضة وعن الدولة. ولا شك أن الهيآت الأخرى سواء من ناشرين آخرين أو من مكاتب ونقابات أخرى تعمل في الميدان لها إضافاتها التي تفيد في ميدان فتح حوار مهني من أجل الإرتقاء بالصحافة وبالقانون وبالمهنة إلى المستوى المطلوب. وهناك مبادرات من رحم السياسة تقوم بها فرق برلمانية لتجاوز وضع الريبة والاحتياط والتدني أحيانا في ممارستنا المهنية. هناك مساران أساسيان في المعالجة، متكاملان تكامل الجناحين بالنسبة لطائر لا يريد أن يظل طريح...الفرار!!! وقد عبر الرئيس الهاشمي في حواره مع الشرق الأوسط عن جزء من هذه المفارقة وهو يتحدث بوضوح وبعقلانية عما يقع اليوم عندما قال بأن المهنة لم تطل الحديث عن الأخلاقيات المهنية وربما فضلت تجريب المدى الذي يصل إليه صوتها قبل أن تضبط حبالها جيدا. وكان أيضا بليغا وهو يشير إلى أن الفيدرالية، والمهنة تعارضان اللجوء إلى العقوبات الزجرية الإدارية في مجال الصحافة، باسم القانون وباسم الروح والنص! ولعل اليوم الوطني الذي نحتفل به يوم للجائزة، ولكن أيضا للجائز .. فيها ومنها ومن ممارستها، معها أو ضدها.