إدريس اليزمي، رئيس الجالية المغربية بالخارج، بلغة سوسيولوجي أعمل آليات التحليل والتشخيص في سوسيولوجيا الهجرة المغربية ، أدبها، تاريخها ، تمفصلاتها وتنوعها، أجاب عن أسئلة «الاتحاد الاشتراكي» التي حاورته بمدينة الصويرة بمناسبة المعرض الجوال " الذاكرة المغربية ببريطانيا" الذي تحتضنه موكادور خلال الفترة الممتدة من 29 أكتوبر إلى 10 نونبر 2009 بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، فكان الحوار التالي: توالت خلال الشهور الأخيرة المبادرات الثقافية والفنية المنظمة بمبادرة من الجالية المغربية بالخارج، فهل تدخل هذه المبادرات في إطار رؤية شمولية لمجلس الجالية المغربية بالخارج؟ بطبيعة الحال،الأمر يتعلق برؤية شمولية ومندمجة للمجلس الذي يطمح إلى تغيير نطرة المغربي إلى ظاهرة الهجرة ، فالهجرة ليست مسألة مادية صرفة، هي ظاهرة سياسية، ثقافية، تجارية ثم اقتصادية واجتماعية. لقد حاولنا ترجمة هذا المعطى التاريخي على شكل مبادرات فنية وثقافية، تعيد رسم مسار هذه التجربة الإنسانية المحملة بكثير من التنوع والغنى.سنة 2008 قام مجلس الجالية المغربية بالخارج بإنتاج شريط غنائي من إبداع شيوخ منطقة بركان يؤرخ للحظات تفاعل قوية مع مشاعر أنتجها واقع الهجرة، قمنا كذلك بمصاحبة قافلة تواصلية وفنية تمت بمبادرة مهاجرين مغاربة من منطقة سوس ماسة درعة،كما تم تنظيم تظاهرة ثقافية خلال الشهور الفائتة في إطار فعاليات تخليد مرور 40 سنة على توقيع معاهدة بين المغرب وهولندا حول اليد العاملة، واليوم يحل معرض " الذاكرة المغربية البريطانية" بمدينة الصويرة في إطار جولة انطلقت من بريطانيا لمدة ثلاث أشهر فالرباط فطنجة. المعرض يهدف إلى إبراز قيمة التراث المغربي البريطاني المشترك الذي يعود إلى القرن 19 ، مع التأكيد على أن الهجرة المغربية لم تكن فقط لدوافع مادية، فهناك الذين هاجروا لأجل الدراسة،التجارة،مهام دبلوماسية، أو لأجل أسباب ودوافع فنية، وهنا يمكن استعراض مجموعة من الأسماء الفنية التي مرت بتجربة الهجرة وعادت بحمولة معرفية وفنية ساهمت إلى حد كبير في إعطاء دفعة قوية لمختلف الأجناس الفنية بالمغرب، كما هو الحال بالنسبة للحاج بلعيد الذي هاجر سنة 1936، الحسين السلاوي، أو بهيجة إدريس وغيرهم من الفنانين السينمائيين والتشكيليين. من خلال هذا النوع من المبادرات، نحاول أن نوضح أن الهجرة ظاهرة ثقافية بالأساس، وبأنها تعود إلى تاريخ بعيد، فمجلس الجالية المغربية بالخارج يتوفر حاليا على 40 مؤلفا في أدب الهجرة تشهد على قدم الظاهرة وتنوعها على مستوى مساراتها وأسبابها. نحن نقوم باشتغال رصين على التاريخ قصد تغيير نظرة المغربي إلى ظاهرة الهجرة. كيف تحددون طبيعة المهام المنوطة بمجلس الجالية المغربية بالخارج؟ أولا يجب توضيح أن مجلس الجالية المغربية بالخارج لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم مقام المؤسسات الرسمية والحكومية، فمهمته ذات طبيعة استشارية واستشرافية. فبحكم مهمته الاستشارية يقع على عاتق المجلس انجاز تشخيص واقعي، موضوعي ومستقل حول واقع الجالية المغربية بالخارج ، أما من الناحية الاستشرافية، فالمجلس مطالب بإعداد تقرير استراتيجي كل سنتين يقدم من خلاله مقترحات للإجابة عن انتظارات المهاجرين المغاربة بالخارج. التقرير الاستراتيجي ل 2010 والذي يوجد في مراحله النهائية، سيقدم خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2010 . ماهي الإكراهات التي واجهت المجلس في مهامه؟ أنا أفضل كلمة ثراء على كلمة إكراهات، فالمجلس وجد نفسه أمام حالة غنى وتنوع ظاهرة الهجرة المغربية. فمن جهة هنالك ظاهرة الانفجار الديمغرافي للجالية المغربية بالخارج والتي انتقلت من 1،4 مليون سنة 1995 إلى 3 ملايين سنة 2007 ، من جهة أخرى عرفت الهجرة المغربية نوعا من العولمة حيث تجاوزت الحدود الأوروبية التقليدية لتصل إلى اليابان، كندا، أمريكا اللاتينية وإفريقيا كذلك. كما عرفت الهجرة المغربية عملية تأنيث كبيرة ، فنسبة النساء داخل الجالية المغربية بالخارج تصل حاليا إلى 50 في المائة، أما على المستوى الجغرافي والاجتماعي فقد تبين أن الهجرة لم تعد حكرا على منطقة جغرافية أو طبقة اجتماعية بعينها، بل أصبحت ظاهرة عامة على جميع المناطق المغربية والفئات والطبقات الاجتماعية.نسجل كذلك ارتفاع المستوى التعليمي للمهاجرين المغاربة بالخارج، وكذلك تجذرهم ببلدان الاستقبال. ففي استقراء رأي أنجزه مجلس الجالية المغربية بالخارج واستهدف 3000 مهاجر مغربي، اقترح عليهم الإجابة باللغة العربية أو الامازيغية أو بلغة بلد الاستقبال، أجابت الأغلبية الساحقة بلغة البلد المضيف، كما أكد 78 في المائة من المستجوبين بأنهم حاصلون على الجنسية.لقد وجدنا أنفسنا أمام تنوع على مستوى درجة الاندماج، وكذا على المستوى الاجتماعي، وهذه معطيات أساسية يجب أخذها بعين الاعتبار، تحليلها، وتدبيرها بشكل متوازن قصد الاستجابة لانتظارات الجالية المغربية بالخارج والتي تبقى ذات انتظارات مرتبطة بالمعطى الثقافي أساسا. كيف تقيمون مستوى التأطير الجمعوي للجالية المغربية بالخارج؟ مقارنة بجاليات بعض الدول الأخرى ، أرى أن الجالية المغربية في حاجة إلى تقوية إطاراتها الجمعوية بالخارج، فمستوى التاطير الحالي والذي تلعب فيه المساجد دورا أساسيا، لم يعد قادرا على مسايرة التحولات المتسارعة في مختلف القطاعات بالدول المضيفة، وبالتالي يجب بذل مجهود على مستوى تقوية الإطارات الجمعوية الخاصة بالمهاجرين المغاربة ، وهي خطوة مهمة من شأنها إنتاج مجموعة من المبادرات الداعمة لمسلسل التنمية بالمغرب ، كما هو الحال بالنسبة لأربعين إطارا مغربيا بالولايات المتحدةالأمريكية يحملون مشروعا لإحداث جامعة خاصة بالمغرب مع التكفل بتأمين منحة دراسة لمجموعة من الطلبة الذي تعوزهم الإمكانيات المالية لارتياد هذا النوع من الجامعات الخاصة.