على إثر الإضراب الانذاري الذي دعت إليه النقابات التليمية الأربع يوم 29 أكتوبر 2009 ، بادرت الوزارة إلى فتح الحوار، غير أن السيد الوزير فضل فتحه عبر قسم الاتصال التابع له ليتوجه به إلى الرأي العام الوطني والتعليمي. وإذا كان من حق بل واجب الوزارة أن توضح موقفها من المشاكل والمطالب التي يعرفها القطاع للرأي العام، فإنها للأسف اختارت أسلوب الهروب إلى الأمام والمغالطة . وقد تجلى هذا في ادعاء الوزارة بأن الإضراب السالف الذكر «يكتسي صبغة سياسية وليس له علاقة بمدى الاستجابة لمطالب معينة»، غير أن نفس البلاغ تغافل عن قصد موجة الإضرابات والاحتجاجات الجهوية التي عرفها قطاع التعليم منذ بداية الدخول المدرسي الحالي. فهل تستطيع الوزارة الادعاء بأن وراء تلك الاحتجاجات أهدافا سياسية لكي تتملص من عدالة المطالب المطروحة؟ وتستمر الوزارة في مغالطة الرأي العام بالإدعاء بأنها اتخذت مبادرات تجاه النقابات ، وأن الحكومة بدورها التزمت بالحوار مع النقابات لتخلص إلى اتهام ضمني للنقابات بكونها تتهربت من الحوار لدوافع سياسية. غير أن الحقيقة التي يجب أن يعلمها الرأي العام، والتي أكدتها النقابات في ندوتها الصحفية يوم 22 أكتوبر الماضي، هي أن جلسات الحوار التي دعت الوزارة إليها تمت في شهر شتنبر الماضي، كان تعتبرها الوزارة جلسات تواصلية لإطلاع النقابات على ما ستقوم به الوزارة خلال السنة الدراسية الحالية في إطار البرنامج الاستعجالي. وأن النقابات هي التي بادرت خلال هذه الاجتماعات إلى مطالبة الوزارة بضرورة إضافة نقطة حول مصير اتفاق فاتح غشت 2007 وبقية المطالب التعليمية إلى جدول الأعمال. وقد انتهت وقائع الجلسة الثانية التي خصصت لمناقشة المطالب التعليمية المطروحة على الوزارة بدون أي اتفاق . بعد ذلك انتظرت النقابات إلى منتصف شهر أكتوبر الماضي، حيث أصدرت بلاغا أعلنت فيه عن تشبثها بالمطالب التعليمية المطروحة على الوزارة. وبعد أسبوع من الانتظار أعلنت في بيان ثان عن عقد ندوة صحفية يوم 22 أكتوبر الماضي، حيث أعلنت عن الإضراب الانذاري ليوم 29 أكتوبر. هكذا يكون قد مر ما يقرب من شهر ولم يحرك السيد الوزير ساكنا، إلا بعد إعلان قرار الاضراب حيث تحرك أخيرا قسم الاتصال، يتصل بكل نقابة على حدة يطلب منها تأجيل الاضراب مقابل رسالة من السيد وزير التربية إلى السيد الوزير الأول. وهو تعامل أقل مايقال عنه أنه غير مسؤول، فالنقابات اتخذت قرارها بالإضراب بشكل موحد وليس من اللائق الاتصال بها كل على حدة لأن هذا الاسلوب غير مقبول، ولا يعبر عن نوايا حسنة أو احترام تجاه النقابات . هذا هو المنطق المتهافت الذي اعتمدته الوزارة لاتهام النقابات بأنها تخدم « أجندة سياسية». أما المغالطة الثانية، فتتمثل في الاحصائيات التي قدمتها الوزارة حول الإضراب. ففي الوقت الذي تدعي الوزارة بأن نسبة الإضراب لم تتعد 62 في المائة ، يؤكد البلاغ الوزاري نفسه أن الاضراب «نتج عنه هدر حق التلميذات والتلاميذ في التعليم يوما كاملا». وأضاف الوزير في تصريح صحفي بأن الإضراب يهم 23 ألف مؤسسة تعليمية، وهو ما يؤكد شساعة رقعة الاضراب في ذهن كل من قسم الاتصال والسيد الوزير يكاد يخفيه بصعوبة. أما كيف قامت الوزارة بإحصاء المضربين من غيرهم ؟ وهل رجال التعليم غير المضربين في نظرها كانوا في الأقسام يمارسون مهامهم مع التلاميذ أم اعتبرتهم غائبين؟ فهذا ما لا توضحه الوزارة. والحقيقة أن الوزارة أعطت أمرا داخليا باعتبار شغيلة التعليم الذين لم يحضروا صباح يوم الإضراب إلى المؤسسات غير مضربين. وهي للأسف حيلة لا تغني الوزارة ولاتسمنها. لكن الوزارة التي كانت في حيص بيص تشبثت بهذه القشة لمغالطة الرأي العام، وتحويل الانتباه عن مسؤوليتها الحقيقية في ما آل إليه الوضع التعليمي منذ 2007. غير أن أخطر ما في بلاغ الوزارة هو محاولته تجريم حق الاضراب، بل واعتباره ضد المصلحة العامة، حيث يستخدم بدهاء خطير مصلحة التلاميذ لتأليب الرأي العام ضد رجال ونساء التعليم، وفي مقدمتهم النقابات وكأن كل دعوة للإضراب هي ضد المصلحة العامة. إن الوزير بهذا المدخل الخطير يقدم لمناقشة قانون الإضراب ، بل يقدم بشكل غير مباشر منظورا حكوميا لهذا القانون، والذي يرجعنا للأسف إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي، حيث كان هناك تجريم للإضراب في القطاع العام. إن هذا المنزلق الخطير الذي هوى فيه البيان الوزاري، ينم عن المفهوم الحقيقي لدى الوزارة حول الحوار الاجتماعي وحول الشراكة، وحول الحق النقابي في مغرب القرن الواحد والعشرين، وهو فهم متناقض كليا مع المرحلة التي دخلها المغرب منذ حكومة التناوب. وإلى حين أن تختار الوزارة المنبر الحقيقي للحوار مع النقابات، نؤكد أن النقابات التعليمية لم تتنصل يوما من مسؤوليتها في الدفاع عن قضايا المنظومة التعليمية بكل مكوناتها، وفي مقدمتها العنصر البشري. وخاضت لأجل ذلك كل أشكال الدفاع عبر الحوار عندما تكون هناك نية صادقة لحل المشاكل عبره، أو عبر أشكال النضال الاخرى عندما تغيب الإرادة الصادقة في التعاطي مع مشاكل ورهانات هذا القطاع. (*() الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم