سرق فتح ولعلو الأضواء من خلال تدخله المتميز حول الحكامة الماكرواقتصادية في الندوة العالمية الثانية حول السياسة المنعقدة بمراكش صباح يوم السبت الماضي، ولم يتمكن من أخذ قسط من الراحة بعدما حاصرته مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة الوطنية والدولية قصد الظفر بتصريح أو حوار معه عقب الجلسة الصباحية الثانية إذ لم يتمكن من ولوج قاعة غداء المناقشة إلا بشق الأنفس.. تدخل ولعلو و هو التدخل المغربي الوحيد في هذه الجلسة، كان مركزا وعميقا في تحليله حيث قارب السياسة الاقتصادية العالمية والحكامة عبر ثلاث مراحل تبدأ بتدخل الدولة وتنتهي بالاستنجاد بالدولة عبر الأزمات التي تحكمت في سير هذه العملية.. ونورد أهم ما جاء في هذا التدخل: منذ الثلاثينات من القرن الماضي مرت الحكامة الماكرواقتصادية بما هي آليات مستعملة من طرف الدولة لمصاحبة التطور و النمو و الاهتمام كذلك بالتوازنات العامة الماكرو اقتصادية المالية أو التجارية أو التضخم إلى غير ذلك، من ثلاث مراحل أساسية . الأولى تبدأ من الثلاثينات و تقوت بعد الحرب العالمية الثانية و غلب عليها التوجه الكينزي ، حيث أمام تدهور الأوضاع بعد الأزمة العالمية أو ضرورة إعادة البناء الاقتصادي بعد الحرب ، فالدولة هي التي لعبت دورا أساسيا في خلق البنيات الأساسية و الاهتمام بالاقتصاد الاجتماعي و مساعدة الاقتصاد و إعادة الانتعاش إليه . و هذه المرحلة هي استمرت عمليا إلى أواسط السبعينات و سميت بالعقود المجيدة . و بالنسبة للبلدان النامية بعد حصولها على الاستقلال فالدولة هي التي لعبت دور المحرك كما حدث بالمغرب . المرحلة الثانية بدأت في أواسط السبعينات و تقوت في الثمانينات , كانت الإشكالية حينها وجود تضخم و عجز كبير في الميزانيات و في الأداءات الخارجية مع ارتفاع سعر النفط مما أدى إلى طفرة التوجه الليبرالي مع "تاتشر "و "ريغن" . هذا التوجه هيمن إلى غاية الأزمة الحالية . فأصبحت السياسة الخارجية مبنية على التقليل من الضرائب و النفقات مع تراجع تدخل الدولة . الآن نحن أمام ميلاد مرحلة جديدة . فبعد الأزمة لاحظنا أن الاقتصاد أصبح يستنجد بالدولة و بالسياسة و يعيد الاعتبار لهما أي للديمقراطية ، لإنقاذ المنظومات البنكية ، و إعادة الانتعاش للاقتصاديات . ذلك ما حدث بالولاياتالمتحدةالأمريكية و الصين و أوروبا . لكن مع الطابع المعولم للاقتصاد هناك مسلسل للتنسيق ظهر في مجموعة من الاجتماعات كاجتماع لندن و بيتسبرغ . و هذا التنسيق أدى إلى تحول في اشتغال الحكامة، من حكامة يتحكم فيها بلد وحيد هو الولاياتالمتحدة إلى حكامة متعددة الأطراف كالهند و البرازيل إلى جانب أوروبا بطبيعة الحال. و هذا يدخلنا إلى عالم جديد متعدد الأقطاب و يبحث عن قاطرات جديدة للنمو مرتبط بتسلسل العقود القادمة كالاقتصاد الأخضر و الطاقات البديلة . . و هنا تطرح مسألة موقعنا كعرب و كأفارقة كمغاربيين و كمتوسطيين . لأننا نوجد في عالم الأقطاب و يجب أن نقوي موقعنا فيه ؛ و لأن السياسات الاقتصادية لم تعد تحدد في إطار وطني. و نحن نلاحظ أنه حتى الولاياتالمتحدة أصبحت محتاجة إلى الصين و هناك تبادل للمصالح بينهما كبير جدا . و هذا بالطبع يطرح موقعنا التفاوضي . ما هو هذا الموقع ؟ هناك أولا البعد المتوسطي فأروبا في حاجة إلينا و نحن كذلك في حاجة إليها . وإضافة إلى ذلك هناك شيئان ضروريان علينا إنجازهما ، هما التعاون جنوب جنوب ، ثم القيام بالإصلاحات السياسية و الاقتصادية المحلية . ينبغي الاهتمام بمضامين الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك لهذا المؤتمر لأنها تسائل المغاربة و تسائل العالم .فهي تسائل المغاربة بتأكيدها على ضرورة تنظيف السياسة بصفة عامة و إعادة تأهيلها و إعادة الاعتبار لها , و تسائل العالم لأنها تطالبه بإدراجه في أجندة نقاشاته لقضايا التنمية التي نحن جزء منها باعتبارنا بلدا ناميا . . ملامح الحكامة العالمية الجديدة تقوم على ضرورة القبول بالآخر ، حيث أن على كل بلد أن يقبل بكون للبلدان الأخرى مصالح ، بمعنى أن سؤال الحكامة العالمية اليوم هو كيف نبني سياقا لتبادل المصالح عوض صراعها . و في هذا الإطار علينا كبلدان نامية أن ندفع بملفاتنا لكي لا تنسى».