احتضنت قاعة الجلسات العامة التابعة لمجلس النواب مؤخرا أشغال انطلاق الحوار الوطني حول: «الإعلام والمجتمع» بمبادرة مشتركة من الفرق البرلمانية لأحزاب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والأصالة والمعاصرة وبدعم من بقية الفرق البرلمانية بمجلسي البرلمان. وقد تباينت ردود الفعل من تنظيم هذا الحوار الوطني الموسع بين مؤيدين ومنتقدين ورافضين لأسباب تختلف باختلاف وجهات نظر كل طرف من هذه الأطراف المعنية. إن هذا العمل المشترك الذي قامت به فرق برلمانية داخل المؤسسة التشريعية في موضوع له ارتباط وثيق بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، بما فيها بالأساس حرية الرأي والتعبير وانعكاساتها على الممارسة الديمقراطية والحياة العامة وصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وحرمتهم وكرامتهم وما لقيه من ردود فعل متباينة، يدفعني إلى تقديم الملاحظات التالية: إن هذه المبادرة تجسد بحق التعاون المثمر والمسؤول بين مكونات البرلمان من أجل مناقشة موضوع يكتسي أهمية بالغة داخل المجتمع، وبالتالي فهي تدخل في إطار عمل من أعمال الاجتهاد انطلاقا من قوله (ص): «من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد». إن هذه المبادرة تدخل في إطار انفتاح البرلمان على محيطه الخارجي، بما فيه المجتمع المدني، خاصة عندما يتعلق الأمر بممثلي وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية بهدف فتح حوار وطني واسع يتخلله نقاش بناء ومثمر حول دور وسائل الإعلام في المجتمع المغربي بالنظر لتأثيرها القوي في الرأي العام الوطني. إن هذه المبادرة تدخل في صلب اهتمامات أعضاء البرلمان بالشأن العام في موضوع يشغل بال المواطنين ويستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، عندما يتعلق الأمر بالإعلام كسلطة رابعة ودور وسائله في المجتمع. إن هذه المبادرة تجسد مدى انخراط المؤسسة التشريعية في بناء أواصر التعاون مع قطاع الإعلام للوصول إلى تصور شامل لصيانة المكتسبات التي تحققت في مجال الحريات العامة، بما فيها حرية الرأي والتعبير، انطلاقا من قوانين 1958 لما فيه تحصين هذه المكتسبات وحمايتها بما يخدم تعزيز المسار الديمقراطي بالبلاد وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات. - إن هذه المبادرة تشكل أداة ملائمة لمد جسور التواصل والتكامل بين السلطة التشريعية وسلطة الإعلام كسلطة رابعة من أجل القيام بمراقبة شاملة ودقيقة للشأن العام، مادامت هذه المراقبة تدخل في المهام الدستورية الموكولة إلى البرلمان وتعتبر من الوظائف الأساسية للسلطة الرابعة. - إن هذه المبادرة تجسد سياسة الانخراط الجماعي في بناء الصرح الديمقراطي من خلال ضمان تأهيل المشهد الإعلامي بتناسق مع التأهيل السياسي الشامل لكل المؤسسات والتنظيمات والهيئات والفاعلين وتوطيد ركائز الدولة القوية بسيادة القانون وترسيخ التطور الديمقراطي وتعزيز الحكامة الجيدة في إطار الالتزام الكامل بمقدسات الأمة وتواثبها وتعزيز المكاسب السياسية وحقوق الإنسان بعدما قطع المغرب أشواطا مهمة في مساره السياسي المتقدم وتغلب على العديد من الأزمات والتوترات التي مر منها، في أفق إعطاء الديمقراطية مدلولها الحقيقي السليم مادامت المؤسسات التشريعية تشكل الواجهة الحقيقية للديمقراطية ومادام إعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية يقتضي من ممثلي الأمة عملا دؤوبا ليس داخل القبة البرلمانية من أجل أداء مهامه الدستورية فحسب، بل الالتزام أيضا بالقرب من المواطنين وإعماق مكونات المجتمع والإصغاء إليهم من أجل التعبير عن انشغالات الأمة، حتى تكون المؤسسة التشريعية صلة الوصل بين الشعب والجهاز التنفيذي والمجتمع المدني، كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2003/2002.