« مدينة الصويرة منطقة صاعدة وفي طور التنمية والهيكلة على المستوى الاقتصادي، بالنسبة لنا نحن الأوروبيون، فهي تعتبر مجالا خصبا للاستثمار وممارسة أنشطة اقتصادية أصبح من المتعذر علينا ممارستها في فرنسا أو اسبانيا على سبيل المثال، لأنها أصبحت تعيش اختناقا على هذا المستوى، كما أن الأفكار التي يمكن تسويقها هنا قد أصبحت هناك في حكم المستهلك، إضافة إلى ارتفاع كلفة الاستثمار بالخارج، وبالتالي فكل رأسمال أوروبي صغير في أوربا، هو مفتاح لخلق الثراء بالمغرب، وفي الصويرة على وجه الخصوص» تصريح لأحد السياح الأجانب أواخر سنوات التسعينات، كنا نناقش ساعتها ظاهرة النهم الكبير الذي أبان عنه السياح الأجانب باقتناء الدور السكنية بالمدينة العتيقة والمسارعة إلى تحويلها بعد إصلاحها إلى دور ضيافة ومطاعم وفنادق. كانت الصويرة في بداية الخروج من عنق الزجاجة، مدينة أثرية جميلة لكنها بقيت تاريخا محنطا لا يعرفه إلا نخبة من عشاقها من المثقفين والفنانين والأجانب . كانت البداية من المدينة العتيقة، منازل ودور سكنية تاريخية بيعت بالعشرات، عائلات وأسر فقيرة اكتشفت ذات صباح أنها تنام وتصحو أسفل جدران متهالكة قيمتها عشرات ملايين السنتيمات، بعد أن كانت مصدر قلق دائم. أتذكر تصريح ذلك الوكيل العقاري البسيط في مظهره وتعليمه، والذي كان ممن أشعلوا النار في أثمان الدور السكنية بالمدينة العتيقة وعرفوا فعلا كيف تؤكل الكتف، ففي روبورتاج تلفزي حول المدينة نهاية القرن الفائت ، صرح بكل تلقائية وسذاجة وبلغة فرنسية متهاوية البنية لكن واضحة المعنى وتحمل حكمة لمن لا يريد أن يفهم مسار الأمور بالمدينة «لقد بعنا كل شيء، كل شيء» الوكيل العقاري لم يدل بتصريحه بخلفية نضالية تنتقد أو تشاغب أو تتنطع، فصديقنا كان جدلا يجيب بكل فخر عن سؤال للقناة التلفزية حول ظاهرة الإقبال المتزايد للأجانب على المنازل والدور السكنية العتيقة، وله كل الحق في أن يبتهج لبيع كل شيء، لأن قيمة سمسرته عن كل بيت سكني كانت تتجاوز ملايين السنتيمات لكل طرف على حدة، " فالوجيبة" ظرفية ، والسكاكين مشحوذة من طرف لوبيات العقار للاستفادة إلى أقصى حد من ريع المرحلة. وكل ذلك بطبيعة الحال تم بشكل غير مهيكل، فقد أطلقت يد السماسرة داخل دروب وأزقة المدينة العتيقة فيما يشبه سباق الثيران باسبانيا، وكل منزل سكني يباع يساوي عمولة يسيل لها لعاب أطراف كثيرة ولا حسيبا أو رقيبا أو ضابطا ، في رمشة عين انتقلت ملكية جزء كبير من البيوت العتيقة إلى عشرات الأجانب، بعضهم عشق عبق التاريخ بالصويرة وارتبط بأزقتها وشاطئها وهدوئها، لكن أكثرهم كانوا ممن يملكون حسا تجاريا ومعرفة مسبقة بمسار الأمور داخل المدينة، فكانوا على يقين بأنها فرصتهم لخلق الثروة بعد أن تعذر عليهم الأمر في بلدانهم الأصلية. الحديث هنا ليس عن الذين عبأووا رساميلهم واقتنوا عقارات وأسسوا شركات وطلبوا تراخيص وهيكلوا مشاريع وخلقوا فرص شغل ودفعوا ضرائب لخزينة الدولة، هؤلاء مستثمرون أجانب " قطع " المسؤولون المغاربة " صبابيطهم" استقطابا لرؤوس أموالهم قصد إنعاش الاستثمار في مجالات اقتصادية غير مجال " السيمة والبغلي" الذي يصر أغنياؤنا على تركيز مجهودهم المالية فيه، هذه الفئة من المقيمين والمستثمرين الأجانب تحترم نفسها إلى حد كبير، وعلى قناعة تامة بمسألة احترام القانون سواء بالمغرب أو بأوربا. الحديث هنا عن أجانب حلوا بمدينة الصويرة ليخلقوا الثروة رغم انف القانون . الفئة الأولى عبارة عن سماسرة قروا على الاستفادة من حملة " بيع كل شيء"، ودخلوا بدورهم " جوطية" المنازل العتيقة ، اقتنوا منازل متهالكة بأثمان صدمت حتى مالكيها الفقراء في الغالب والذين لم يكونوا ليملكوا معرفة عن التطور الذي ستعرفه الأمور فيما بعد، بعد سنتين أو ثلاث سنوات من عملية إصلاح وترميم المنزل، يقوم الأجنبي بإعادة بيعه ، هذه المرة في جوطية الانترنت الأنيقة ولأوروبيين يفتتنون لجمالية الدور العتيقة التي تعرف تحولا كبيرا بعد كل عملية إصلاح وترميم. وهنا أذكر حالة أحد المواطنين الصويريين من الذين باعوا منازلهم مع بداية هذه الحمى، المقابل كان يقارب مليون درهم، كانت الصفقة بالنسبة له جد مرضية، بعد أربع سنوات، باع الأجنبي نفس المنزل الذي خضع لإصلاح وترميم مقابل 4 ملايين درهم، ثم جمع " قشه" وعاد برأسمال محترم إلى دياره. فهل هذا النوع من المستثمرين هو ما كانت تحتاجه مدينة الصويرة؟. الفئة الثانية تتكون من أجانب اشتروا منازل ليس بدافع إعادة بيعها ولكن لاستثمارها بطريقة غير شرعية، تضرب كل الجهود الوطنية لمحاربة الاقتصاد غير المهيكل، فخلقوا دور ضيافة وفنادق بدون أي ترخيص يذكر، كل ما يحتاجونه هو موقع على شبكة الانترنت يبثون فيه صور بناياتهم العتيقة الجميلة ويبيعون ليالي إقامة بشكل مباشر فيأتي السائح "مكودا" إلى دار الضيافة وكان الأمر يتعلق بصديق أو ضيف، كل شيء يتم حسي مسي، حتى تشغيل اليد العاملة المغربية من عاملات نظافة وطباخات وخدمة غرف يتم بشكل سري وبتواطؤ مع العاملات المطحونات بالفقر والحاجة، والغريب في الأمر أن هنالك كثير من الدور يتم تدبيرها عن بعد، فالمالك الأوروبي مقيم بدياره، ويقوم بتدبير عمليات الكراء بواسطة الهاتف والانترنت، فلا ضرائب ولا رخص ولا تامين ولا ضمان اجتماعي ولا امتثال لأدنى مواصفات قانون تصنيف المؤسسات السياحية. ففي الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات لتقنين عملية كراء الشقق المفروشة المعدة للكراء، تنامت كذلك ظاهرة دور الضيافة الباذخة المعدة للكراء ، الفرق في فئة الزبناء ومستواهم الاقتصادي ، وفي طريقة الكراء كذلك، فإذا كان أطفال وشباب ونساء الصويرة الفقراء ينتشرون في مداخل المدينة وشوارعها وعلى جنبات المحطة الطرقية تشوي وجوههم أشعة الشمس حاملين مفاتيح علامة على عرض شقق جاهزة للكراء، فان هؤلاء المتحاذقين الأجانب يمارسون نفس العملية، ولكن بشكل جد أنيق، وفي شروط الرفاهية والراحة المطلقة، فلا خوف من دورية أمن ولا معاناة من حر الشمس وموجات رياح الشركي العاتية. والله وحده يعلم ماذا يقع في هذه المنازل ودور الضيافة التي لا يرتادها السياح الباحثون عن الشمس والتراث المعماري والموسيقي فقط، بل كذلك الشواذ والحشاشون والذئاب البشرية التي تستمتع باغتصاب براءة الأطفال. وأتذكر في هذا الباب تصريحا لأحد المسؤولين السابقين لوزارة السياحة، ففي حديث عن الظاهرة، أكد لي قيامه ببحث على الانترنت حاول من خلاله ضبط عدد دور الضيافة والمطاعم التي تشتغل بدون تصنيف أو ترخيص، مفاجأته كانت عظيمة حين وجد عشرات الدور تقوم بالدعاية على الانترنت ولا علم لأي جهة بوجودها. فهل هذا النوع من المستثمرين هو ما نحتاجه لتنمية مدينة الصويرة؟ كيف نطالب بالتشدد مع أرباب الفنادق المحليين في المعايير والتراخيص والضرائب ونسمح لأجانب متحذلقين ببيع المنتوج السياحي للمدينة بدون أن يدفع ولا فلسا واحدا لخزينة الدولة؟ الفئة الثالثة من المستفيدين من الزخم الذي عرفته مدينة الصويرة، هم فئة من الأجانب الذي جاؤوا إلى مدينة الصويرة عراة حفاة لا يملكون أجرة فندق ، لكنهم استثمروا نهم البعض لكل ما هو أجنبي، وعرفوا كيف يصنعون الثروة في مدينة يضرب الفقر فيها أطنابه طولا وعرضا. كما هو الحال بالنسبة لإحدى السيدات الأوروبيات، جاءت بداية الأمر إلى مدينة الصويرة وهي لا تملك أجرة فندق، كانت امرأة جميلة تدخل الأربعين بكامل مشمشها، اخترقت صالونات ( النخبة)، وخالطت كبار المسؤولين بالمدينة، و" صيدات الرخى" إلى أن صارت من أصحاب دور الضيافة في زمن جد قياسي. وليست هذه حالة معزولة فغيرها كثير جدا... للأسف، يبقى البون شاسعا بين حلم التنمية المنشود لمدينة الصويرة وبين واقع الاختلالات الحالية التي لا زال يجترها القطاع السياحي الذي لا زال جزء كبير من أنشطته وسيولته يتم بشكل غير مهيكل و" تحت الطبلة"، فحتى بعض الفنادق والمطاعم ودور الضيافة بالمدينة، وبعضها كثير، تشتغل بشكل اقرب منه إلى غير المهيكل منه إلى الشرعية، بدءا بخرق قانون تصنيف المؤسسات السياحية الذي تبقى شروطه ومعاييره واضحة في شان ضمان الجودة وشروط الصحة والسلامة، وتحضرني هنا حالة أحد المطاعم بالمدينة العتيقة، زارته لجنة المراقبة قبل سنتين، فاكتشفت أن الصراصير في مطبخه بحجم الفئران، وأن لا فرق يذكر بين المرافق الصحية وبين المطبخ، ولم يتم إغلاق المطعم، تدخل " أصحاب الحسنات" وتم الاكتفاء بتنبيهه إلى ضرورة تحسين الجوانب موضوع الخلل. الآن وقد استهلك الرصيد العقاري والمنتوج السياحي للمدينة العتيقة، وأصبح معدل المبيت لا يتجاوز ليلتين، بدأ التفكير في تنويع المنتوج السياحي من خلال تشجيع السياحة القروية وخلق مدارات سياحية جديدة بالإقليم، وهنا أيضا ظهرت فئة جديدة من الأجانب الذين يسبقوننا في كل شيء، وباتون ليرشدوننا إلى خروب بلدنا، التوجه الحالي نحو شراء أراضي فلاحية في نواحي إقليمالصويرة، تشييد منازل ومسابح ومنتزهات ، وبيع منتوج السياحة القروية للأصدقاء والمعارف من الأوروبيين الباحثين عن الشمس بعيدا عن رطوبة المدينة العتيقة وبرودتها. وكل شيء في سرية تامة بعيدة عن الضرائب ولجان التصنيف والمراقبة. جولة بسيطة على الشريط المؤدي إلى أكاديرعلى سبيل المثال، وسنكتشف وجود هذه البنيات بالعشرات. الالدورادو السياحي لمدينة الصويرة متعدد الأوجه ولا ينضب معينه وليس ملكا لأحد في جميع الأحوال، لكن الأنشطة السياحية غير المهيكلة أبعد من أن تخدم التنمية الاقتصادية للمدينة ، وبالتالي فالمطلوب هو شن حملة تطهيرية واسعة للحد من أنشطة هؤلاء الأجانب الذين يبيعون شمسنا وتاريخنا من وراء ظهورنا، بدل تركيز الحديث والانتقادات اتجاه الأطفال والنساء الذين ينتشرون في العراء يتصيدون زبناء للشقق المعدة للكراء طمعا في عمولة لا تسمن ولا تغني من جوع. وأنا هنا لا أدافع عن الظاهرة، ولكن حملة المفاتيح على الأقل لا يملكون، في أغلب الأحوال، "عشا ليلة".