وتستمر الأسئلة حول كاستير سيمينيا الحائزة على الميدالية الذهبية في مسافة 800 متر ببطولة العالم ببرلين في غشت الماضي.. ما هي حقيقة النقاش الدائر حول موضوع جنسها، هل هي أنثى فعلا أم رجل، أم هي ثنائي الجنس؟ أم هي فقط دوافع عنصرية كانت وراء طرح مثل هذا النقاش؟ الصحافي الفرنسي «جون فيليب ريمي» عاد ليطرح من جديد قراءة في الموضوع بجريدة «لوموند» الفرنسية، في عدد الأحد / الاثنين 27 / 28 شتنبر: من يعرف «مبولياني مولدزي»؟ ربما لا أحد، مع أن هذا العداء الجنوب إفريقي نجح بامتياز في إحراز اللقب العالمي في مسافة 800 متر ذكور، في بطولة العالم الأخيرة ببرلين في شهر غشت الماضي! في وقت وجيز جدا، انطفأت كل الأضواء عن هذا العداء، وتركزت في المقابل، على مواطنته «كاستير سيمينيا» التي لفتها كل نجوم وأضواء الشهرة مباشرة بعد تحقيقها للقب العالمي في نفس المسافة (800 متر) وبنفس البطولة العالمية ببرلين.. هذه المرة في صنف الإناث!؟ كاستير سيمينيا أصبحت منذئد مصدر نقاش غريب وغير منتظر! مباشرة بعد فوزها بالمرتبة الأولى في مسافة 800 متر إناث، طرحت العديد من الأسئلة حول هذه البطلة القادمة من جنوب إفريقيا: هل كانت سيمينيا تستحق فعلا الجري إلى جانب الإناث، أم أن موقعها كان من المفروض أن يكون ضمن صفوف الرجال؟ السؤال ظل بدون جواب شاف منذ غشت الماضي، مع ما خلف من زوبعة في كل جنوب إفريقيا، بل وخارجها. وتمازجت عدة محاور حول هذا السؤال، حيث اختلط سؤال الهوية الجنسية، مع لون البشرة، مع بعض المصالح والمنافع المالية، بالإضافة إلى السرعة الخارقة التي انتشرت فيها الإشاعات حول نفس السؤال! انطلق السؤال في البداية بخبر نشرته صحيفة «دايلي تيلغراف» في شهر غشت، أشارت فيه إلى أن تحاليل مختبرية أكدت وجود مادة «تيستوغين» في دم العداءة سيمينيا، والمادة عبارة عن هرمون ذكوري أعلى ثلاث مرات عن الهرمون العادي لدى الإناث!... اتسعت حينها الشكوك حول هاته العداءة التي أحرزت اللقب العالمي بشكل غير منتظر إطلاقا، سيما أنها اكتفت سنة واحدة قبل ذلك بالرتبة 36 في بطولة العالم للشباب! وفي ظرف سنة واحدة فقط، تحسن توقيتها في نفس المسافة من دقيقتين ،11 ثانية و98 جزءا من المائة، ليصبح دقيقة واحدة فقط و55 ثانية و45 جزء من المائة! أي أنها طورت توقيتها بما يعادل 16 ثانية و53 جزءا من المائة! وهو ما علق عليه الطبيب «روس تاكر» الخبير في الفيزيولوجيا الرياضية في معهد العلوم والرياضة بجنوب إفريقيا بتصريحه: «لا أعرف أي تطور مماثل لا من حيث التوقيت ولا من حيث المسافة»! مضيفا: «سمعت ببطلة خارقة، تشارك في بعض السباقات التي تنظم جهويا، وتشتكي منها منافساتها ويتهمنها بكونها ذكرا»! أسقط سؤال الهوية الجنسية للعداءة كاستير سيمينيا، كل الشكوك حول تعاطيها للمنشطات، ففي 19 غشت، يوما قبل إجراء نهائي 800 متر إناث، عين الاتحاد الدولي لألعاب القوى فريقا من الخبراء لدراسة الموضوع، وللكشف عن جنس العداءة الجنوب إفريقية. وقبل ذلك، كانت العداءة سيمينيا قد خضعت لفحصين اثنين ببلدها الأصلي جنوب إفريقيا، للحصول على جواب مقنع هل هي أنثى فعلا أم ذكر؟ كل ذلك لم يفض إلى أية نتيجة واضحة، ظل الغموض يلف هوية كاستير سيمينيا، فيما وضعتها بعض الاستنتاجات في صف ثنائيي الجنس، بمعنى أنها نصف أنثى ونصف رجل! ذلك ما أشارت إليه صحيفة أسترالية مؤخرا، حين أكدت من مصدر من الاتحاد الدولي لألعاب القوى لم تكشف عن هويته، إلى كون العداءة سيمينيا تعتبر نصف أنثى ونصف رجل، وذلك ما سيتأكد ويعلن عنه في شهر نونبر المقبل، بعد أن تكون سيمينيا قد خضعت مجددا لفحوصات من طرف خبراء في تخصصات متعددة، بإذن من الاتحاد الدولي لألعاب القوى! كل هذا النقاش، وهذه الأسئلة، كان لها وقع مدوي في جنوب إفريقيا موطن سيمينيا الأصلي، كانت هناك ردود فعل مختلفة، لكن أبرزها هي تلك التي أشارت إلى كون الموضوع بعيد عن الواقع والحقيقة، هو مجرد هجوم عنصري يقوده بعض السياسيين في جنوب إفريقيا، ونسبة من الرأي العام بهدف تدمير صورة بطلتهم الافريقية، وهو ما يتوافق مع تصريح ل «بوتانا كونفيلا»، رئيسة اللجنة البرلمانية للرياضة والترفيه:«طرح هذا النقاش لأن سيمينيا سوداء ليس إلا.. ولأنها تفوقت على كل منافساتها الأوربيات..»! إنها العنصرية التي لم تتخلص جنوب إفريقيا بعد من حضورها إلى اليوم.. في المطار، لم يكن هناك ولو «أبيض» واحدا بين تلك الجموع التي استقبلت سيمينيا كاستير لدى عودتها من برلين حاملة معها اللقب العالمي في مسافة 800 متر! وهو ما لفت انتباه «جوليوس ماليما» رئيس لجنة الشباب:«أينهم البيض؟ لو تعلق الأمر بلاعب للريكبي، لحضروا جميعا لتحيته... إن من شكك في الهوية الجنسية لسيمينيا، لم يكن أسود بالتأكيد ..»، مضيفا: «المشكلة الرئيسية في مجتمع جنوب إفريقيا هي القضية العنصرية.. وإذا أغمضنا العين عن الموضوع، سيظن البيض أنهم على صواب..». عندما عادت سيمينيا كاستير لبلدتها «لامبوبو» في شمال جنوب إفريقيا، وحظيت باستقبال حافل هناك، كان موضوع «هويتها الجنسية» قد ازداد اشتعالا وحرارة، واتسعت دائرة الاتهامات في وجه عدة أطراف من بينها الاتحاد الدولي لألعاب القوى، خبراء، مدربين ومؤطرين تقنيين، مسؤولين سياسيين وآخرين. وصلت حدة هذه الاتهامات إلى حد قيام «ماكينكيزي ستوفيل» وزير الرياضة في حكومة جنوب إفريقيا، بتوجيه تحذير حاد للاتحاد الدولي لألعاب القوى ب «حرب عالمية ثالثة» في حالة استمرار إطلاق شكك حول أنثوية سيمينيا كاستير! بدورها، تعالت العديد من أصوات الجمعيات المدافعة عن حقوق «ما بين الجنسين» في جنوب إفريقيا، فحسب جمعية «أنتيرسيكس جنوب إفريقيا»: «جنوب إفريقيا تضم أكثر مما تضمه باقي بلدان العالم في هذا الجنس (ثنائي الجنس).. وبمعدل واحد مقابل 500». هذا الرقم يبدو شبه حقيقي بالنسبة لجمعية «جندر ديناميك» التي تهتم بدورها بالمواضيع الجنسية: «هو رقم قريب من الواقع، رغم غياب أية دراسة أو أبحاث.. قضية سيمينيا كاستير هي فرصة لفتح النقاش في البلد..». في خضم هذا القاش، انخرطت المعارضة السياسية في جنوب إفريقيا في الأجواء، وأبدت اهتمامها بالموضوع، وبحالة العداءة سيمينيا كاستير. فقد استغلت «الرابطة الديمقراطية» حرارة النقاش، وكشفت عن ناطق رسمي لها مكلف بالرياضة، الذي وجه اتهامه للاتحاد الجنوب إفريقي بفشله في تدبير موضوع سيمينيا كاستير.. دون أن يعلن عن موقف واضح لصالح العداءة نفسها صاحبة 18 سنة فقط! في ظل هاته الأجواء، أين هي سيمينيا كاستير؟ لقد اختفت واحتجبت عن الظهور منذ عودتها يوم 28 غشت الماضي لبلدتها الأصلية! مصادر أكدت أنها تحت حراسة وحماية تجنبا لأي مواجهة أو احتكاك. «بوتانا كونمفيلا» يعتقد أن العداءة الشابة أصبحت مثل سيدة تعرضت للاغتصاب. أما مدير أعمالها، فقد تم الانفصال عنه، فيما تقلد مكتب المحاماة «ديواي و لوبوف» مهمة السهر على مصالحها، وأصبح بالتالي ممثلها الرسمي لدى الاتحاد الدولي لألعاب القوى. أما والدها، فقد فضل الصمت وتذرع بجهله الحديث باللغة الانجليزية عبر الهاتف! من هي سيمينيا كاستير؟ إنها الفتاة الذهبية كما يلقبها الرأي العام في بلدها جوب إفريقيا. نشأت في بيئة بدوية في وسط متواضع، حياتها كانت عبارة عن كرة القدم، الركض والجري طيلة أيام الأسبوع، والتوجه للصلاة يوم الأحد في كنيسة «كريستيان شيرش». بدأت دراستها الجامعية في شهر يناير الماضي، في جامعة «تشوان» للتكنولوجيا بمدينة « بريتوريا». اكتشفها مدربها «إزكيل رامتسوا» في مدرستها الابتدائية ببلدتها «لامبومبو». خلدت للصمت منذ عودتها من برلين حاملة اللقب العالمي، ولم تتحدث سوى في مناسبة واحدة لإحدى المحطات الإذاعية المحلية.. صوتها يبدو خشنا وذكوريا.. تتهم الصحافة الدولية بكونها سببا في كل آلامها. يقول مدربها في الجامعة: «في محطة للبنزين، ناداها أحد المستخدمين منبها إياها بكونها أخطأت بولوج مرحاض خاص بالسيدات.. مشككا في كون الرجل الذي كان يهم بدخول مرحاض النساء ، كان يدرك ما يفعله..»! يقول عنها آخرون: «إنه استغلال فاحش لاسم بطلة من جنوب إفريقيا، تمكنت بفضل قوتها وشجاعتها وإرادتها من التخلص من صف التواضع لتصبح بطلة حقيقية.. إنه أبشع استغلال..».